أقلام حرة

إقليم كوردستان بين قبول الحرية السياسية و رفض الفكر الأصولي / سامان سوراني

وكانت مدرسة جديدة في الحضارة الهلنستية (من 750 ق.م إلى 146 ق.م) ، يُعرّف الحكيم بالإنسان الذي عرف قوانين الوجود وعمل عل? أن تطابق إرادته تلك القوانين، إذ للفرد حرية باطنة هي التي تنقذه من ضربات الحظ وعوارض الصدفة وتقلبات الناس. أما الإرادة عندهم فهي مبدأ هذه الحرية الباطنة، فحاولوا أن يوفقوا بين الحرية والضرورة وإنتهوا ال? جعل الضرورة أصلا للأشياء.، بدلا من أن يخصعوا الضرورة نفسها للحرية. لكن الحرية الحقيقية تأب? أن تنصاع للقدر وتتقبل المصير.

و كلمة الحر والحرية تفسر من قبل ابن منظور الأنصاري (1232 م - 1311 م) في لسانه بـ"نقيض العبد، والجمع أحرار وحرار… والحرة: نقيض الأمة، والجمع حرائر”. والحر من الناس أخيارهم وأفضلهم، والحر يعني أيضا الفعل الحسن، يقال: ما هذا منك بحر، أي بحسن ولا جميل. ويقابل مفهوم الحر العبد، وهو الإنسان المملوك”.. أي الذي لا يملك قرار ذاته، هذا من الجانب اللغوي، أ‌ما من الناحية الفكرية فتعط? للحرية صورتين، الحرية الطبيعية، والحرية الاجتماعية. الحرية الطبيعية حسب تفسير المفكرين هي تلك الحرية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها. والحرية الاجتماعية هي تلك الحرية التي يمنحها النظام السياسي والاجتماعي القائم على منظومة أفكار ومعتقدات محددة، لأفراده أجمعين من حرية الفكر والتعبير والتنظيم، إلى حرية المعتقد والنقد والإعلام الحر.

إن كلمة "لا" التي نرفعها بين تارة وأخر? للرد عل? أفعال الحكومة الاتحادية لا تعني بأننا نريد فقط الرفض والتعارض، بل المقصود بها العمل عل? التميُّز عل? الآخرين والسعي ال? إكتشاف ذاتيتنا الخاصة والاجتهاد في تعرّف رسالتنا في النضال السياسي. ومن المعلوم بأن للنفي قيمته، فأنه حافز يجبرنا ال? البحث عن شيء إيجابي يعبر عن (إثبات) أكمل.

وأساس الحرية هو الوعي والمسؤولية والالتزام المجتمعي والانضباط والوقوف عند حريات الآخرين. وعندما بدأت الحداثة ترسخ جذورها بعد عصر التنوير وبعد أن تمكنت المجتمعات من أن تتحرر من قيود المطلقات وأنماط التفكير الحتمي المختلفة ومع انطلاقة عصر العقل، الذي أثبت قابليته عل? تأسيس الحياة البشرية من منظور التفكير والفعل الإنساني الحر المباشر، دون أن تهتم بالهياكل الأبوية الوصائية، برزت الحرية كمقومة أساسية للحركة التنويرية العقلانية والحداثة العلمية، التي رفضت وجود سلطان عل? العقل إلا العقل نفسه وأدغمت العقل في ثالوث مبني عل? العقلانية، الحرية، والعدل السياسي الاجتماعي. وفي النهاية تم وإعلان حرية وتحرير التاريخ والإنسانية من أسطورة الحتميات المتعددة والمختلفة والمتناقضة وهكذا تصاعد الوعي التدريجي بأسبقية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في إقليم كوردستان تُنظر ال? الحرية كقيمة إنسانية تساهم في إغناء مسيرة الفرد الكوردستاني وتطوير مواقعه المختلفة في الحياة، فهي ضرورية للعمل والبناء والتطوير وخدمة الناس والمجتمع وحتمية في المساهـمة التشاركية في تطوير الدولة والإلتزام بقضايا الناس والوطن والنقد الحر والبنّاء الهادف ال? دفع المجتمع الكوردستاني نحو قافلة الحضارة الإنسانية. المجتمع الكوردستاني عاشت لفترة طويلة تحت نير الاستبداد المركزي، الذي هضم حقوقهم ورفض مطاليبهم في الحرية والاستقلال الذاتي والذي زعم لنفسه بأنه يحقق سلامة المجتمع، لكنه في الحقيقة سلب المجتمع أسباب بقائه، لذا لم تكن عملية بناء مجتمع ونظام مدني في هذا الجزء من كوردستان بسبب الممارسات القمعية للدولة الشمولية أمرا هينا. وطالما يبق? المجتمع المدني نتاج للأفعال الإنسانية التلقائية لأشخاص أحرار، إذن يستلزم أن تبتعد الحكومة عن مساعي الأفراد وأن تترك لهم حرية الارتباط بعضهم ببعض، وهذا ما نلمسه اليوم في كوردستان. فالأفراد أحرار في شئونهم الاقتصادية وأنشطتهم الدينية وحياتهم الأسرية. المجتمع المدني القوي يمثل عائقًا في وجه الاستبداد لأنه يتبع نظامًا أخلاقيًّا يحمي قيم الحرية ويصونها، لكن وللأسف هناك تيارات أصولية مرفوضة من قبل الأكثرية الساحقة من المجتمع الكوردستاني تريد أن تقلّص من حجم هذه الحرية وتعمل بأسلوب عدواني قاسٍ ووحشي ضد المجتمع المفتوح والإصلاح الرشيد الهادئ العقلاني المؤسساتي، لأنها بقت أسيرة ديكتاتورية الشعارات والمقولات ولم تتحرر بعد من عبادة الأشخاص والأبطال وسواها من العملات الفكرية التي تؤجج الصراعات الرمزية والمادية حول الأسماء والنصوص وتحوّل المقولات ال? قوالب متحجرة أو ال? أنساق مغلقة تخنق الحيوية الفكرية وتشل الطاقة عل? التحول الإيجابي والعمل البناء، وهكذا تولد الجهل والعجز والإقصاء، بقدر ما تخلف المساو?ء والمخاطر والكوارث.

وختاماً نقول: "من أراد قبول الحرية السياسية فلابد له من إتقان لغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المبادلة ورفض الإنخراط في منطق الإصطفاء والتمييز والتقوقع والعسكرة والصدام."


د. سامان سوراني

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2121 الثلاثاء  15 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم