أقلام حرة

الرئيس المالكي هل يعي الصعاب ....؟ / عبد الجبار العبيدي

عن قيام الدولة على الغصب وانقطاع الصلة بين هيئة الحكم وجمهور الناس، والابتعاد عن التداول السلمي للسلطة، وعدم وجود اي نوع من القانون او القواعد التي تحدد العلاقة بين الحاكم وجمهور الامة، وغياب المؤسسات، لذا فالدولة من هذا الطراز لا يتعدى عمرها عمر حاكمها، ولهذا كان تدهور الدولة وسقوطها في العصور القديمة والحديثة امراً طبيعيا لا مفر منه.

 

والثورات لا تدوم ولا تنجح ان لم يكن منفذوها قد وضعوا لها برنامجا للتنفيذ ومنهجا للتطبيق، وأمانة وصدقا في العمل.أما اذا وسوس الشيطان في الرؤوس ومالت النفس الانسانية نحو الاستحواذ على مكاسب التغيير، فسوف لن ينالها الا ما نال سقوط الدول التي فقدت المعايير.لذا فأول عامل من عوامل التغيير ان تقوم الدولة على مؤسسات قوية ونافذة ومستقلة تحت اشراف المركز، لتبقى حية ونشطة في ايام حياتها.فالاساس السياسي الواهي لا يصل بها الى ساحل النجاة وان ملكت القوة والمال.

 

فالدولة العثمانية قامت على حماس ديني تحول الى قوة عسكرية، وكما في دولة الغزنويين في شرق ايران وبلاد الهند، وفي الدولة الصفوية التي بنيت على حماس مذهبي تحول الى قوة عسكرية، مما ادى الى توقف جانبها الحضاري، لان القوة العسكرية لا تبني شيئا، لان وظيفتها الهدم والتخريب كما في دولتي هتلر وصدام حسين. لذا فان هذه الدول لم تكن دول حضاريةالا لفترة قصيرة من حياتها، هي فترة التأسيس وبناء القوة.ثم ظهر عليها ثقل التكليف من وطأة الجند المرتزق الذي نسميه اليوم بالمليشيات او الحرس القومي وكثرة مطاليبهم فيتوقف العمل الحضاري حتى تصبح الدولة بدون مبرر وجود، وأنما الوجود في كيفية المحافظة عليها من الأنهياربعد ان تصبح المشاكل من الفخامة بحيث يستحيل على قائد يمسك بها فتموت هي وقائدها كما في دولتي سالفي الذكر.

 

وعند الرومان ظهر رجال اقوياء مخلصين امثال تراجان وهادريان ودقلديانوس وقسطنطين الكبيرالذي حاولوا الامساك بالامور وانقاذ الدولة من الانحدار والسقوط لكنهم لم يستطيعوا، لان في عهدهم اصبح القانون يخدم الامبراطور ولا يخدم عامة الناس، وما لم يتدارك القائمون على حكم العراق اليوم هذا الخطأ الذي هم فيه سائرون سيصيبهم ما اصاب الرومان بعد ان بانت الدولة اليوم في الضعف والانحدار، فهل يدرك القائد العراقي تاريخ الدول ام يبقى ينتظر الانهيار.

 

اذن فالموضوع كله- أولا واخيراً موضوع توقف حضاري ينشأ عن فساد حكم، وفساد الحكم يرجع الى قيام الدولة على غير الأساس السليم الذي ينبغي ان تقوم عليه نظم الحكم، وهذا الموضوع هو الذي يجب ان يشغل أذهان المفكرين في عصر التغييرفي وطننا العراق خاصة.وهذا برهان أكيد ان الدولة لا عمر لها بالبقاء او السقوط بالمحدد الزمني بل ما تقدمه من عدالة وقانون لمجتمعها دون تمييز، فلا مجال ان تستمر الدولة على ما هي عليه اليوم دون تغيير.

 

 

 

                                2

اذن وكما يقول فلاسفة السياسة والتاريخ ان لاشباب ولا شيخوخة للدول، وانما ابطاء في مسيرة الحضارة ينتج عن سوء نظام الحكم.فالحكم الذي يقوم على غير أساس مقبول من الأمة يؤدي الى أنقطاع الصلة الواجبة بينهما، فأنقطاع الصلة تعني أنقطاع الحوار الذي لا بد منه لتعديل المسار اذا أنحرف، وأصبح حال النظام كالشجرة التي جفت جذورها فهي تجف شيئاً فشيئاً بأوراقها حتى تذبل وتموت.

 

ان الحكم الغاشم المنقطع الصلة بالناس هو الذي يؤثر في مسير الحضارة، والحاكم الذي يحبس نفسه في قصره ويعتمد على الاخرين لن تكتب له النجاحات الا بقدر ما ينقله له ويسمعه من المحيطين وهذه بلوة كبرى ابتلى بها يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والمنصور والرشيد والمتوكل حين بنوا العواصم والمناطق الخضراء ليحبسوا انفسهم فيها دون الناس، فعاشوا في عزلة المنقطعين مع كل الذين خسروا انفسهم ولا يسمعون ولا يقربون الا وعاظ السلاطين.فهل يتعض القائد العراقي اليوم الطامح بانشاء دولة العراقيين لان يستبدل مكانه من المنطقة الخضراء سجن الباستيل الى حارات الشعب ليكون محميا منهم لا من بنادق حراس الرئيس الامين؟

 

الدول في ذاتها لا تصنع حضارة ولا هذا من شأنها، انما الذين يصنعون الحضارة ويرتقون بها هم الناس اذا وجدوا حكما عادلا يحمي نفوسهم ويؤمنهم على ثمرات جهودهم، وفي هذه الحالة يتحقق التعاون بين الجميع لينتج دولة قوية محفوفة بالأمان من كل الناس دون عراقيل.فهل يدرك المالكي الصعاب اليوم ويعيد حساباته وحسابات الزمن ليخرج من المحنة بظفر الظافرين بعد ان ينقل الكلام الى تطبيق، ام سيستمر على ما هو عليه اليوم حتى يرى نفسه في سفينة الغرق وسط امواج متلاطمة لا يقوى على صدها وان ملك القوة والملايين؟

 

ان نظرية حركة التاريخ الدائرية انتهت اليوم، والتاريخ لا يعيد نفسه لان التاريخ ليس تيارا واحدا بل هو تيارات مختلفة تسير مع بعضها دون توازن، فالاحداث تتكرر متشابه مع اختلاف الزمن والتاريخ.وحتى لو كان بعض التشابه الجزئي موجود، لكن التشابه الكلي في كل شيء ظاهرا وباطنا ماديا ومعنويا غير ممكن وغيرموجود.

 

هنا يقع الفقهاء ورجال الدين في نصية قاعدة العقيدة التي حسبوها قرارا آلهياً دون تبديل (وما تشاؤون الا ان يشاء الله) فوقعوا في خطأ التقدير.كل مؤرخينا القدامى وقعوا في هذا المحور حين اعتقدوا ان كل شيء مسير من الله وان الله خلق البشر ورسم لهم الطريق القويم، ولكنهم نسوا ان الظاهرة الكونية محكومة بظروفها وان اعلان انتهاء نظام النبوة والرسالة هو الأيذان بأن الانسانية بلغت سن الرشد اي مرحلة تحمل الاعباء، ومن بعدها بدأ الأعداد لمرحلة الدولة وحقوق الناس.لذا فهم ليسوا بمقدسين ولا يحق لهم اعطاء الفتوى دون قانون؟ فهل سيدرك من يحكمون العراق اليوم مسيرة التاريخ بعد ان وقعوا في الوهم الكبير.

 

ان الصعاب التي تواجه من يريد حكم الوطن عليه ان يخترقها، وقديما قيل ان أحسن طريقة للتغلب على الصعاب أختراقها بتصميم، وهي لا انكار لسلطة الناس، وعليه ان يحدد سلطة الدولة عن حقوق الناس، وعليه ان لا يحتكر المعرفة ويضعها في الالمقصرين فهم اعدى اعداء الشعب

 

3

والقانون، وعليه ان لا يحتكر السلاح الا في امن المواطنين والدفاع عن شرف الوطن من المعتدين، فلا يجعل من امر السلطة والمال بدايات التدهور والافول كما حصل للسابقين.

 

ان منهجنا الدراسي التاريخي بحاجة الى تغيير، فالطبري وابن الاثير وكل جوقة المؤرخين المعتمدين في المدرسة والجامعة اليوم علينا أبعادهم من فكر الطالب لكونهم فسروا التاريخ بالدين، فجمدوا أفكارنا غير قاصدين، وجعلونا نستسلم للعهد القديم، وهنا كانت الكارثة وما زالنا نتعايش معها دون تفكير، فأين اتحاد المؤرخين ليعقد لنا مؤتمرا لبيان كل شيء جديد.

 

وحتى مؤرخونا القدامى اذا ابدوا فكرة نيرة يشمُ منها الاصلاح في التفكير ختموها بقولهم : (والله قاهر فوق عباده وهو الواحد القهار). فكر استسلامي دون تفكير.

 

نعود لموضوعنا لنقول للمالكي:هل انت فعلا تريد الأصلاح لتبني دولة المواطنين كما سمعناها منك في واشنطن دون ان نراك ؟اذن عليك ان:


تبدأ بدولتك في الفكر الحر غير المقيد بقوانين الدين، بل بالعقل المتعطش الى المعرفة في كل جديد وان تشارك الاخرين الحكم وتساوي في القوانين وتحافظ على المال العام دون تبذير وتستعين بالكفاءات والمخلصين.واقليم الشمال اليوم يستغل الدستور الذي كتب في ظروف غامضة وهو ليس بقرآن محمد الذي لا يعدل، فلا تلين، فالثوابت الوطنية اغلى من الدستور. انت زرت الولايات المتحدة وكنا نأمل اللقاء، لقاء لا يتجدد في كل حين، فلمادا أغفلتنا لأن زنادقة السياسة حجبوك عن الناس الا من اصحابهم المخضرمين خوفا من ان يتحاور الفكر مع الفكر الاخر وينكشف كل المقصرين.رأيناك ممن اجتمعت بهم في مقر سكناك، انهم لا يمثلون كل العراقيين، لا ماهكدا القائد الشعبي يتغاضى عن المواطنين.

 

عليك ان تؤمن بالكفاءة والمقدرة لا بالسياسة ومصلحة السياسيين، حتى يكون الجزاء على قدر المواهب والجهد المبذول في العلم والعمل دون تحديد، فالدولة ليست لك وحدك والمرافقين بل لكل المواطنين فمحمد (ص) اشرك معه في الاستشاره حتى الاعداء المبعدين.

 

عليك ان تبني مجتمعا له من القوة النافذة بحيث يستطيع ان يوقف الظلم والفساد والرشوة اليوم ويرد السلطة ان هي ارادته ضمن حرية الفكر والتصرف والعدل الذي أمربه الله وهو مفقود في دولتكم اليوم، فالظلم فاشٍ ببابك، فأعرض عمن معك من الفساد والمفسدين وأبعدهم عنك فهم اعداؤك من غير المخلصين. وان تؤمن حياة الناس بعد ان استشرى القتل في غالبية المواطنين، ولا تهمل مجلس النواب الهارب من مسئولية المواطنين، فالدولة اليوم فوضى للمستغلين، وجامعاتنا معدمة، ومدارسنا مهدمة بحاجة لاصلاح المصلحين، والصحة والمستشفيات في الدرك الاسفل من التقييم، فما قيمة الانسانان يعيش خائفا في مجتمع المرفهين، فالخائف لا ينتج والجائع لا ينتج وهما في دولتك متوفرين.اهذه هي وعود التغيير في العراق الجديد.

 

هذه المعارك الجانبية بينكم لم تبقٍ لكم وللدولة من هيبة امام المواطنين، فأذا لم يتمكن الدستور ومجلس النواب والرئاسة بنوابها المعطلين من حلها وتدرك حقوق الوطن والوطنيين، فلمَ قامت هذه المؤسسات التي كلفت ميزانية الدولة نصف اموال المواطنين، فأين المنطلقات واين المسارات واين القوانين ؟، كلها في خبر كان تحكم المواطنين

أنتم تدعون الدين، والدين يعني استخدام القوانين لمعرفة كيفية تكوين المجتمع تمشيا مع القانون بعد ان فسد القانون واصبح بيد المسئولين كالذي يدقون به في الليل ويستخدمونه في النهار لحكم المواطنين، هذا هو رجاء المواطنين من العراق الجديد والتغيير؟.

 

ان اهمية التجديد ان تكون لمشروع الدولة جدية على مستوى القانون والرؤية التاريخية ، وجدية في النظر والعمل بحيث يكون القانون مشروعا قابلا للفعل في ظروف العصر ، وأوضاع العصر في دولة القانون؟ ورحم الله أمرء عرف نفسه وأنحاز للعدل والقانون.

 

اذا غيرت المسار نتيجة لذلك سينشأ في مجتمعك اساس من الوعي الخلقي بقانون جديد يعمل في معاملات الدولة والمواطنين، وبالتالي ستُنشأ مجتمعا جديدا قائما على العدل والقانون، واذ أطمئنت النفوس ستجد الامن مستقرا ويتحسن شكل الحياة ويسود التفائل ويعم التقدم ويحترم الدستور والقانون طواعية دون أكراه، وهنا يصبح التفكير في التحسن والتقدم عقيدة عند الجميع.

 

4

 وهذا هو الطريق الصحيح الذي سلكته زعامة اوربا في التقدم، وهذا هو الدرس الذي حفظناه منهم في الدراسة والتقييم، فكان عندهم التحول العظيم. فهل سنتعض بما أتعض به الاوربيون.....؟ وهل ستستجيب ام نبقى متعالين على المواطنين؟

 

والله يهدي الى كل رشاد،

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2123 الخميس  17 / 05 / 2012)

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم