أقلام حرة

ماهو دور المثقف الكوردستاني في زمن الأزمات السياسية والتحديات الجسيمة؟ / سامان سوراني

نصل ال? نتيجة مفادها، إن الأزمة السياسية أصبحت الظاهرة وليس الإستثناء. فالعلاقات بين المكونات السياسية سواءً العربية-العربية أم العربية –الكوردية لا تبشر بشكلها الحالي بأمل منشود. هناك من يدافع بعقلية كهنوتية أصولية أو قوموية عن ثوابت ومطلقات، لا يمكن أن تترجم إلا إستبداداً في المقولات أو هشاشة في القيم والمثالات، تتجسد أخيراً في مشاريع فاشلة أو عقيمة أو مدمرة.

رغم هذا الواقع نر? من الضروري عرض دور المثقف الكوردستاني في الدفاع عن القيم المتصلة بالحقيقة والحرية والعدالة والكرامة في عصر الأزمات والتحديات ومساهمته بإنتاج المعن? والقيمة أو المعرفة والسلطة وسعيه في تحويل التعامل مع القيم من الحيز التراتبي العامودي نحو الحيز التبادلي الأفقي، كي لا يتمكن القطاع الثقافي الخاص فقط تمثيل قيم عليا والنطق باسمها ومراقبة عملها.

صحيح بأن هناك فئة من المنظّرين يستعملون عبارة نهاية المثقف، لا كمجرد صد? لمقولات مثل نهاية الايديولوجيا أو التاريخ أو السياسة، بل كحقيقة وواقعة بدلالاتها الراهنة. هل يمكننا مع ذلك القول، بأن المثقف الكوردستاني لا يزال يمثل الأمل المرتجى لشعب كوردستان في المستقبل القريب؟

من المعلوم بأن المثقف التحرري والعقلاني هو الذي يبني علاقة نقدية مع ذاته وفكره ومن خلاله يتمكن بالتحول عما هو عليه لغرض إغناء مفاهيمه عن الحرية والعقلانية. يجب عليه العمل عل? حشد سواه ال? داخل ملكوت الحرية والعقلانية وإن لم يعمل ذلك يكون حصاده الخرافة والظلام والإستبداد. وعل? المثقف الكوردستاني الابتعاد عن التعامل مع فكرة التنوير عل? نحو أصولي أو ايديولوجي وليعلم بأن النخبوية الثقافية تقود دوماً ال? العزلة والهامشية وتنتج التفاوت والاستبداد بقدر ما تجسد الإصطفاء والنرجسية. المثقف يتحمل مسؤولية كبيرة في بناء الذاكرة الوطنية من خلال العمل الإبداعي والنتاج الفكري والثقافي الصادق، البعيد عن تظليل الاجيال والانحراف عن المسيرة الحضارية. عليه أن يلعب دوراً ريادياً في إصلاح الواقع الذي يعيشه وأن لا ينام في صومعته الفكرية ويقتصر عل? الجمع والاستقصاء والارتشاف والاستقاء للمعلومات، بل عليه ببث أفكاره وتبصير شعبه بالحقوق والواجبات وتسليحه بالعلم والمعرفة والقيام بنشر ثقافة التعايش السلمي مع الآخر المختلف والتأكيد عل? الحوار البناء والترويج لفكرة التبادل وتقوية الوعي الكوردستاني وتعزيزه لذوات الناس والمجتمع، وزرع روح التكافل والتضامن الروحي والاجتماعي فيما بينهم من أجل بناء مجتمع ونظام أكثر إنسانية وأكثر عقلانية.

المثقف الكوردستاني يجب أن يتصرف بوصفه الشاهد عل? واقع عصره أو الناطق بهموم مجتمعه. ولغرض مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة عل?ه الإستفادة من جملة التحولات الحضارية والعلمية، التي تسهل إشهار نقده دفاعاً عن حقوق شعبه وحريته وإستقلال?ته، عليه أن يشارك في صناعة الرأي العام وصوغ الوعي الجماعي وأن يؤثر في الدينامية الاجتماعية والسيرورة التاريخية وعل?ه أن يعرف كيف تُلعب اللعبة وتُبن? القوة وكيف تُنتج الحقيقة وتُقرّ المشروعية.

في هذه المرحلة الحساسة من التطور التاريخي يجب أن يدرك المثقف الكوردستاني بأن هناك تيارات قوموية متسترة تحت غطاء الدين تريد أن تسيطر عل? الرأي الحر والعقلاني وتعود من النوافذ بعد أن خرجت من الأبواب. ولكي نستطيع الانفلات من براثين تلك المحاولات وأن لا ننتهي إلى منزلقات إيديولوجية أو أثنية أو دينية، عل?ه العمل في سبيل وحدة الصف الكوردستاني واللحاق بالنماذج المتحضرة في العالم، التي ينهمك فيه المثقف في الجدل القائم حول مفهوم العولمة والحداثة وما بعد الحداثة. يجب أن لا نترواح ونبق? في المجادلة حول مسائل مثل العلمانية، الديمقراطية، التوريث وقانون الأحزاب وفن المعارضة وحرية التظاهر. عل? المثقف ال?وردستاني طرح أسئلة الكينونة، ولا نقصد بالكينونة، أن يسأل من نحن، وإنما كيف نتعامل مع الفدرالية في‌ العراق وبأي شروط؟ وهل أن الطفرة النفطية في العراق حققت الرفاه لشعب كوردستان وهل وزعت الثروات خلال العقود التسعة الماضية توزيعاً ساهمت في خدمة التنمية البشرية في ?وردستان؟

عل? المثقف الكوردستاني العمل عل? الكشف عن بؤر القمع وضرب الحريات وسياسة التحايل والمماطلة في تنفيد بنود المادة 140 من الدستور في المناطق المستقطعة من كوردستان والتنديد بها وفي نفس الوقت عليه ببناء حقول من التحاور والتثاقف عوض إحياء الصراع بين المكونات والقيام ببناء تراكم فكري بهدف مقاربة الواقع نحو مستقبل أفضل.

ومن الواضع بأن الإنفتاح عل? الحضارات المتقدمة والحوار الهادف البناء لا يلغي أبدا هذه الهوية الكوردستانية، ما يشكل خطراً عليها، هو الإرتماء الأعمى للشعارات الأصولية المتحجرة، التي تضعف الوعي الوطني والتي وللأسف تتماشى مع تقاليدنا. نقول مرة أخر? بأن الانفتاح على العالم والحوار الهادف البناء لا يلغي الهوية. علينا التخلص من عقدة "الأنا الأصولي" ونتوجه ال? الصالح العام، من خلاله فقط نستطيع أن نحقق حواراً متوازناً فاعلاً ونكون أكثر قدرة على التواصل وتبادل الخبرات العلمية والثقافية. علينا البدء في ترتيب بيتنا الكوردستاني الثقافي على أسس وطنية واعية وحكيمة وعقلانية، بحيث تحوز أهلية خدمة ثقافة الإنسان الكوردستاني خاصة، ثم نتهيأ للحوار مع الآخر، سواء في العراق الفدرالي أو في الشرق الأوسط والعالم. وليكن صوتنا أقوى وكلمتنا أرقى، وحجتنا أكثر إقناعاً. أما الإصلاح الذي القيادة الكوردستانية بصدده، فهو مطلب إنساني ‏ وغاية تستدعي من الجميع العمل على تحقيقها، بدءً من السياسي والمثقف ورجل الشارع البسيط، فضلاً عن الحاكم الذي يريد أن يحافظ على رمزيته وسمعته وتاريخه.

و أخيرا عل? المثقف الكوردستاني عدم التنازل عن قضايا شعبه في مكتسباته الأساسية وعدم الخنوع للظروف الراهنة وأزماتها، بل العمل عل? هموم شعب كوردستان وشجونه كالحرية والديمقراطية والاستقلال التام والتنمية الثقافية الحقة وأن لا يصمت ويسكن و?هادن بطريقة لافتة، بل ينزع ال? النقد الجدي للأوضاع والسياسات الغير سليمة، التي تمارس من قبل الح?ومة الإتحادية للنيل من حقوق شعب كوردستان، حت? لا يتلاش? ويتساقط أحلام شعب كوردستان في الحرية والديمقراطية والنهوض الاجتماعي والتقدم، التي ناضل من اجلها أسلافه وعل? رأسهم القائد التاريخي الخالد مصطف? البارزاني.

وختاماً نقول: "عل? المثقف التخلي عن لغته المتحجرة في قراءة الأحداث والتعاطي مع العالم، فالفكر يتغذ? من الإنفتاح عل? اليومي والمُعاش والمهمَل ويتجدد بتفكيك الأنساق المحكمة وكسر النماذج المحنّطة والتحرر من أسر العقائد المغلقة والعصبيات الملتحمة."


د. سامان سوراني

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2126 الأحد  20 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم