أقلام حرة

الكليات الأهلية .. حكاية مليارات / قاسم حسين صالح

أن لا تتحول الى مصدر لجني الأرباح على حساب عناصر العملية التعليمية الثلاثة: المنهج والطالب والأستاذ. فلقد نصت المادة 28 من التشريع 57 لقانون الجامعات والكليات الاهلية للعام 2002 على استيفاء رسم سنوي مقداره 1% للوزارة من اجمالي الايراد السنوي للكلية الأهلية، وتخصيص صافي الوفر المالي السنوي لها بنسبة 10% للجهة المؤسسة، و15% للبحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر، على أن يصرف المتبقي لتغطية نفقات توسيع وتطوير نشاط الكلية.

إن أرباح الكليات الأهلية عندنا تفوق أرباح كبرى الشركات، اذ تتعدى واردات بعضها عشرين مليار دينار في السنة! ومع ان القائمين عليها يؤكدون خضوع حساباتهم لديوان الرقابة المالية، وأن ارباحهم معقولة، لكن واقع الحال يفيد بوجود تحايلات بعقود وهمية تعقدها الهيئات المؤسسة مع مقاولين لا يعرف بحقيقتها مسؤول الرقابة، أو يعرف ويسكت! وأن بعضها يحظى بحماية برلمانيين كما يشاع!

ورغم أرباحها الخيالية فان رواتب التدريسيين تقل عن رواتب زملائهم في الكليات الرسمية بمقدار الثلث تقريبا، ويعامل الموظفون بطريقة مذلّة ومجحفة تصل الى خصم أيام العطل الربيعية والصيفية من رواتبهم! فضلا عن عدم احتساب مخصصات الزوجية والأطفال.

وللأسف، فإن بعضها يديره مستثمرون من بينهم من ليس له خبرة تربوية، وهي تركّز على جني الأرباح على حساب استنزاف طاقات العاملين فيها من التدريسين، والتعامل معهم بوصفهم أجرّاء تدفع لهم من جيوبهم، متفضلة عليهم، لا مما تتقاضاه من أجور عالية يدفعها الطلبة.

وبظهور مفهوم «الجودة الشاملة» بوصفها ثورة ثقافية لابتكارها طريقة جديدة تعتمدها الادارة بتوفير المناخ المناسب للابداع، بما يضمن تطويرا مستمرا للمؤسسة وللعاملين فيها، فإن واقع معظمها، وبسبب خبرتنا المتراكمة عن الادارة التي فهمناها بوصفها سلطة، وتوجيه أوامر، ومراقبة، وعقوبة، وضبط قسري... ليس مشجعا على الابداع والتطوير. فمع ان مؤتمر التعليم العالي السابع (ايلول/ سبتمبر 2004) اقرّ بتوصياته «الزام الكليات الأهلية باشراك قطاع التعليم الجامعي الأهلي بالنشاطات الثقافية والعلمية للتعليم الرسمي» فان هذه الكليات لا تشارك في المؤتمرات العلمية التي تقيمها وزارة التعليم العالي وجامعات العراق، فضلا عن الاقليمية والدولية... بل ان الذي يشارك يستقطع من راتبه بعدد الأيام التي يحضرها! ولا تعمل على تشجيع البحث العلمي أو تصدر مجلاّت محكّمة، مع أن تعليمات الوزارة تنص على أن «تتولى الجامعة دفع تكاليف البحوث المنشورة في المجلاّت العلمية المحكّمة»، وأن القانون نص بمادته 28 على صرف 15% لتشجيع البحث العلمي.

 والمؤسف أن ادارة هذه الكليات تتعامل بعقلية الشركات الاستثمارية التي تبحث عن الأيادي الرخيصة.ورغم أن تعليمات الوزارة نصت على «الزام الجامعات والكليات الأهلية بتأمين أعضاء هيئة تدريسية مؤهلة» فانها تبحث عن العقول الرخيصة، والأمر لديها عادي جدا ان استبدلت بروفسورا بحامل ماجستير متخرج حديثا... لأنه أرخص!

نعم، هنالك كليات أهلية تحاول أن توازن بين العلم والأرباح، بتوفير مختبرات وورش موازية للدراسات الرسمية، ومرافق ترفيهية مريحة. كما تقوم بنشاطات علمية افضل من جامعات رسمية..وبينها من حصل طلبتها مؤخرا عاى جوائز في الابداع، وقسم منها يدفع للتدريسي الدائم 14 راتبا في السنة، لكنها جميعها تعتمد مبدأ قبول اكبر عدد ممكن من الطلبة، يصل في بعضها الى 60 طالبا في الصف الواحد، وهذا يتعارض مع معايير جودة التعليم التي توصي ان لا يزيد عدد الطلبة في القاعة الدراسية عن 30 طالبا... فضلا عن عدم وجود ضمان صحي. وتقاعدي للأستاذ.

نريد لهذه الكليات أن تكون عونا للتعليم الجامعي الرسمي بما يحقق اهداف التعليم العالي، الذي كان المميز في العراق، في اعداد المتخصصين والعلماء لخدمة مجالات التطوير والانتاج والبناء والارتقاء بالفكر ومتابعة التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم، والعودة الى الثوابت والقيم الجامعية الأصيلة، ورصانة المستوى العلمي، ورعاية العلماء والملاكات العلمية... وعندها تكون أرباحها مشروعة... حتى لو كانت مليارات!

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2127 الأثنين  21 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم