أقلام حرة

الصراع على الموارد و "دولة" كردستان / امين يونس

على إقرار "إتفاقية كيوتو" في مطلع التسعينيات، الخاصة بالحَد من إنبعاث الغازات الى الجَو . وفي 1994، ألزَمَتْ بُلدان الإتحاد الأوروبي نفسها، بهذهِ الإتفاقية .

هنالك مُعادلة بسيطة: كُلما إزدادَ إستخدام النفط ومُشتقاته في المصانع والسيارات ..الخ .. كُلما إزداد إنبعاث الغازات الضّارة الى الجو وتفاقَمَ الإحتباس الحراري . في حين أن إلإعتماد على [الغاز] بدلاً من النفط ، كمصدرٍ للطاقة .. لايُسّبِب مشاكل كبيرة في البيئة، كالتي تنتج عن إستخدام النفط ! . ومنذ ذلك الحين إزدادَ الطلب بشكلٍ مضطرد على الغاز، ولا سيما في اوروبا .

علماً ان تلك السنوات " أي من 1989 ولغاية 1992 " شهدتْ أحداثاً عالمية كُبرى ستُساهم لاحقاً في تغيير وجه التأريخ .. إذ إنهارَ الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية، وتركوا الساحة للولايات المتحدة الامريكية والغرب .. وعلى المستوى الأقليمي، إحتَلَ العراق، الكويت وإندلعتْ حرب الخليج الثانية المُدّمرة، تحت عنوان تحرير الكويت، بقيادة الولايات المتحدة وكانتْ تعبيراُ مُبكراُ عن الهيمنة الأمريكية وإنفرادها بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي . نتجَ عن الحرب، تدمير البُنية التحتية للعراق، وإخضاعه لعقوبات في منتهى القسوة تحت طائلة الفصل السابع .. واُبْقِيَ على صدام ونظامه الفاشي، بصورةٍ متعمدة .. لإستعداده لتنفيذ كُل طلبات الولايات المتحدة والغرب . أعتقد ان العراق، بعد أن ورَطه صدام في حرب الثمان سنوات ضد ايران، قد خرجَ عملياً من حسابات المُنافسة الجدية في المنطقة، وأصبح ألعوبة بيد الغرب، لتنفيذ خططه بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة .. وكانت هذه المقدمات ضرورية، من أجل التهيئة لإحتلال العراق في 2003 . العراق تحت حُكم صدام الأرعن، وّفَرَ الأرضية المناسبة، لأن يصل البلد الى نهايته المنطقية في 2003 .

أما ما تبقى من الإتحاد السوفييتي، أي روسيا .. فالأمر مُختلف .. حيث لم تستمر الفوضى والتراجع، إلا على مدى عشرة سنوات تقريباً .. وسرعان ما بدأت روسيا تستعيد شيئاً فشيئاً، عافيتها، إعتماداً على تقدمها الاقتصادي والعلمي والثقافي وبروز زعامات قوية، الى جانب ان معظم بنيتها التحتية ظلتْ سليمة وإمتلاكها لقوة نووية رادعة ضخمة . حاولتْ الولايات المتحدة بإستماتة " ولا زالت تحاول " إختراق بلدان الاتحاد السوفييتي السابق ولا سيما في آسيا الوسطى .. لكن نجاحها في ذلك محدود لحد الآن .

المُهم وعودة، الى موضوعة [ الغاز ] .. فأن اوروبا تعتمد في توفير 25% من إحتياجاتها على الغاز الروسي، وهذه النسبة مُرشحة للإرتفاع الى 30% خلال السنوات القليلة المقبلة . معظم الحروب والمشاكل التي جرتْ في اذربيجان وارمينيا واوكرانيا والشيشان وغيرها، لها علاقة وثيقة، بِملف الغاز الروسي وسُبُل مروره الى اوروبا . " أن إعتماد اوروبا على الغاز الروسي، يُساهم حتماً في زيادة النفوذ الروسي والحَد من تَمّدُد حلف الاطلسي شرقاً، وبالتالي إنخفاض النفوذ الأمريكي " . ولهذا السبب، فأن الولايات المتحدة لا تألوا جهداً في سبيل، إفشال الخطط الروسية ( روسيا إضافة الى سيطرتها على الغاز المُصدر الى اوروبا مباشرة، فأنها تعمل على التنسيق مع ايران وسوريا في مجال الغاز، وكذلك الجزائر وليبيا ) .

عموماً، أريد ان أصل الى نتيجة رُبما لها جانب مهم من الصِحة : ان الصراع على الموارد والتنافس الشديد على مصادر الطاقة، ولا سيما [ الغاز ]، بين الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموماً، وبيادقها في المنطقة .. تركيا وقطر واسرائيل ورُبما مصر وليبيا تحت حكم الاسلام السياسي، من جهة . وروسيا والصين وايران وسوريا والجزائر، من جهة اخرى .. ان هذا الصراع، كما يبدو، هو المُحرك الرئيسي للأحداث في المنطقة . ورُبما ان أموراً كبيرة سنشهدها، هنا في العراق، مُرتبطة بهذا الملف بصورةٍ غير مباشرة .. كناتجٍ عرضي، للتفاهمات الكبرى الجارية بين المتصارعين الكبار . أرى ان ما يجري اليوم، هو تمهيدٌ متعدد الجوانب، لظهور ( دولة كردستان ) بمباركة غربية و [ تركية ] أيضاً ! .. وربما يكون التصعيد الحالي جزءاً من السيناريو ومن المحتمل ان يتصاعد في الفترة القادمة، لكي يُوفر الذهنيات لتقبُل فكرة الإنفصال عراقياً ... وكما يبدو فأن " كركوك " لم يتم الإتفاق بشأنها بعد .. واعني بأن " الأطراف " ذات العلاقة : شيعة وسنة العراق وتوازناتهم السياسية الاقتصادية، تركيا واُفق القضية الكردية في داخلها، الولايات المتحدة والغرب ومصالحهم، ايران وما سيؤول اليه الوضع في سوريا . عندما " تُحسَم " مسألة كركوك وإحتمالات إنضمامها الى اقليم كردستان وبالتالي الى دولة كردستان، من عدمها .. عندها ستبدأ خطوات إعلان الدولة الكردية ! .

هنالك مؤشرات اُخرى ذات دلالة : مثل إتفاق الحكومة التركية، مؤخراً، مع حكومة أقليم كردستان، على مَد انبوب لنقل النفط المُستخرج من حقول الأقليم، مباشرةً الى ميناء جيهان التركي، ويكون جاهزاً للإستخدام في نهاية سنة 2013، الى جانب التوقعات بوجود كميات مهمة من الغاز القابل للإستثمار والتصدير الى تركيا واوروبا وإحتمالات كَون هذا الغاز حتى أكثر أهمية من النفط . إضافةً الى توسيع المعبر الحدودي في ابراهيم الخليل، وجعله في عدة خطوط، لتسهيل وإنسيابية عبور البضائع والأفراد، مما سيزيد من فرص الشركات التركية العاملة في الأقليم . ومن المؤشرات السياسية، ما صَرحَ بهِ ناطقٌ بأسم رئاسة الاقليم قبل يومين، من " إدانة " العملية التي نفذها مُسلحوا حزب العمال الكردستاني داخل الاراضي التركية والتي نتج عنها، مقتل بضعة ضباط وجنود أتراك ! . كُل هذه دلائل لتفاهمات رُبما تمَتْ بين قيادات أقليم كردستان من جهة، والحكومة التركية من جهةٍ اُخرى، بمباركة أمريكية بالطبع .ويُقال ان المدى الذي من الممكن ان تصل، اليه هذه التفاهمات .. قد يصل الى حَد تشكيل دولة كردية .. بشرط ضمان المصالح التركية الاستراتيجية، سواء في الدولة الجديدة، أو في المناطق الكردية في تركيا نفسها .

...................................................

الى جانب سَعي الكُرد الذاتي للحصول على دولتهم الخاصة، بمختلف الوسائل والطُرُق ... فأنا أعتقد، انه كما تظهرُ مواد " عَرَضية " نتيجة تفاعلات كيميائية مُعقدة ومتشعبة .. فمن الممكن، ان تتشكل دولة كردية، كأحد النتائج العرضية، للصراع على الموارد، بين القوى الكبرى وتوابعها الأقليمية ! .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2129 الاربعاء  23 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم