أقلام حرة

هكذا نصنع طغاتنا / مسلم السرداح

الذين يحكمون بلادنا منذ الازل ولغاية الان باستثناء الامام علي بن ابي طالب، والزعيم العظيم عبد الكريم قاسم .

ولو تتبعنا الامر بموضوعية لوجدنا ان الطريقة التي يتعامل بها شعبنا العراقي مع بعضه، عجيبة غريبة. فبمجرد ان يتبوا انسان ما، مغمور كان او مشهورا، او كل من هب ودب، منصبا ولو ضئيلا حتى تراه ينظر للاخرين نظرة فوقية وكانهم اقل منه شانا في الانسانية، ويرى نفسه اعلى منهم بكثير او كأن الذي خلقه لم يخلق غيره.

مرة اشتريت قطعة ارض سكنية وذهبت لاحولها في دائرة التسجيل العقاري وصادف ان كان هناك ازدحام شديد جدا في تلك الدائرة ما دعا احد الاصدقاء للتطوع، قال انه يستطيع ان ينجز العمل لي بسهولة. وقفنا على الشباك وكان هناك موظف يعرفه اراده القيام بالعمل . كان ذلك الموظف يعرفني ولكنه حين راني وعرف ان قطعة الارض تلك تعود لي. راح يتملص من الموضوع.

وحين احيل على التقاعد رايت ذلك الموظف نفسه يتوددني حد الخضوع في امر يخصه يكمن زمامه بيدي.

المدرس يتعامل مع الطالب بفوقية والاب مع ابنائه. ورب العمل مع مرؤوسيه والكل هكذا صعودا لغاية الحاكم. والغريب في الامر، ان كل واحد من هؤلاء يكون فاشلا في عمله بدون تلك الشدّة وذاك التسلط. فالطالب والابناء والمرؤوسين لايؤدون عملهم وواجباتهم الا اذا وجدوا " عينا حمراء " ممن هو مسؤول عنهم. بل انهم وحينما يجدون في المسؤول مرونة او خجلا، تراهم يتعاملون معه باستضعاف، ويصفونه بغيابه صفات بعيدة عن اللياقة والخلق السوي .

هذه الظاهرة أي استضعاف المسؤول المرن او الطيب كما يسمونه احيانا، تعرفت عليها بتماس شديد، اثناء الخدمة العسكرية، ولهذا كانوا ولايزالوا يصرحون " ان الوحدة العسكرية بآمرها " ويكتبون هذه العبارة على واجهة كل وحدة عسكرية ولغاية الان. وترى ان القائد والآمر اللذين يرضى عنهما المسؤول هما من يتعاملا مع من هو اقل منهما رتبة ومنصبا ابتداء من الضابط لغاية الجندي المكلف بالسباب والشتائم. وترى وحدتهم منضبطة.

وقد كنا نقول ان الاخلاق الفظة يتعلمها الانسان اول مرة من العسكرية. حتى ان العسكري كان يتميز بالغلظة والشراسة في تعامله مع الآخرين. بينما نحن نرى في الواقع والافلام ان الضابط الاوربي مهما كبرت رتبته فانه يتعامل مع مرؤوسيه باحترام. ولم نكن نميز من هو الضابط ومن هو العريف او الجندي دون ان يقوم الضابط الاوربي بصقل رتبته، مثلما يفعل ضباطنا يوميا بالبوليش لتبدو لماعة وكانها نازلة من السماء، وكانوا يستهزئون بنا، نحن الخريجين، ويؤذوننا بالواجبات والكلام الثقيل من قبيل " خرّيج مرّيج يشرب بالابريج " او " انت فيزياوي احنة مانحترم حتى.... " ويضعون في الفراغ ما يشاؤون من اسماء العشائر. وهذا يحدث مع انهم يعلمون جيدا ان شهادتنا الجامعية اعلى شانا من رتبتهم العسكرية، مهما صعدت، والدليل على ذلك اين هم الان واين نحن ؟ وحين كان الجندي يتسرح من الخدمة العسكرية فانهم كانوا يفرغون فيه كل ما في جعبتهم من الوحشية، لحسد يكنونه للمدني المتسرح.

وان هذه الظاهرة لاتزال موجودة حتى بعد زوال العسكرية في الزمن الحالي بعد سقوط الدكتاتورية. فترى كل واحد هو دكتاتور صغير في مجال عمله، و في نفس الوقت تراه متسولا ذليلا في دائرة اخرى عندما يكون بحاجة اليها لانجاز معاملة او لنجاح ابنه في المدرسة مثلا.

ان شعبنا هو صانع الدكتاتورية الاول. وانه الشعب الاول على مستوى العالم بالتصفيق، والتملق. انهم يصفقون لكل مسؤول يكذب عليهم ويخدعهم، رغم انهم يطعنون ظهره وسمعته بغيابه. انه شعبنا الذي لايعرف كيف ياخذ حقوقه المشروعة بطرق سلسة صحيحة ولذلك تراه يحاول اخذها بالوصولية والرشوة والتجاوز على حقوق الاخرين.

وببالي اشياء كثيرة احاول قولها، ولكن هناك من يقف لك بالمرصاد لينال منك. كما حين تكلمت بمقالة عن المسالة الكردية لتقف " شاعرة " معروفة، تعيش في الغرب كما تدعي، لتصفني بكل الشتائم والكلمات النابية لا لشيء الا لأني " سببت العنب الاسود " حين دافعت عن العراق. مسكين هو الغرب الذي يعيش فيه مثل هؤلاء. ولو ان هذه الشاعرة كانت لها حاجة عندي لوصفتني باوصاف تاليهية حال من يحتاجوننا في دوائرنا. اتمنى على هؤلاء ان يتركوا الغرب جميلا ولا يشوهوا اخلاقه، بتصرفاتهم.

وعلى سبيل المثال حين يموت مسؤول في احد الاحزاب ترى البعض يصفونه بصفات التأليه وكانه لم يكن ابنا لامراة ورجل ولم يكن قد خرج من " موضع البول مرتين ". علما بان هذا المسؤول الفاطس لا أسفا عليه كان هو المرتشي الاول والسافل الاول ولم يترك في حياته فعلا قبيحا الا وارتكبه .

قبل فترة مات احد ضباط الشرطة الكبار مقتولا في احد الانفجارات وراحوا يملاون الشوارع بلافتات التمجيد ليصفه المتملقون  بالشهيد الاول والرمز الاول في النزاهة والتضحية من اجل العراق والشعب، ليهمس لي شرطي من اقاربي كان يعرفه ان هذا الضابط  قد اخذ منه ثلاثة الاف دولار رشوة لتعيينه.

هل وضحت الفكرة؟

هكذا يصنع شعبنا طغاته.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2131 الجمعة  25 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم