أقلام حرة

هل اهدر المالكي فرصة تجسيد الديموقراطية في العراق؟ / عماد علي

لخطف ثمار سقوط الدكتاتورية في العراق بوسائل وطرق مختلفة، ولم ينجح اي منهم لحد هذه اللحظة في ما كان يقصده . المشهد السياسي العام لما بعد السقوط وفٌر ارضية كان بالامكان بناء قاعدة رصينة عليها لبناء الوسائل الضرورية لترسيخ المباديء العامة للحياة التقدمية، وتوفير الية مناسبة ومتعددة الاشكال لمفهوم الديموقراطية المتمثلة بالانتخابات النيابية بداية كابسط محاولة لفهم وتطبيق هذا المفهوم العصري المعتمد بشكل عام في العالم، والذي يحتاج لعوامل مساعدة واعمدة رئيسية للبدء بالخطوة الاولى لتنفيذه .

مكونات الشعب العراقي معروفون بميلهم الخاص لافكار وعقائد معينة وايديولوجيات مختلفة وفق ما فرضها عليهم التاريخ والظروف العامة التي مروا بها . فهناك الكورد وحلمهم وهدفهم الاستراتيجي،  والسنة وما تمتعوا به من لذات السلطة مما ترسخ روح التكبر والاستعلاء في كيانهم وعقليتهم والذي فرضه احتكارهم للسلطة لعقود ليست بقلية مضت، فالشيعة والاحساس بالغبن وظلم التاريخ والمكون الاخرلهم وتفوق الاقلية الاخرى عليهم ولومهم لذاتهم على ما اقترفوه من اخطاء اساسا .

اليوم وبعد ان اتيحت الفرصة بشكل جيد لاعادة ترتيب كل الاوراق واستحقاق الحق بعيدا عن الضيق في النظر والانانية  والسذاجة التي اضرت ببداية المسار، فخلطت الاوراق ثانية بشكل مشابه لما كان من قبل وربما باتجاه معاكس وبتغيير المواقع والجهات بعد مدة قصيرة جدا .

لقد سقط الدكتاتور فوقيا وبفعل فاعل دون تحظير وتاهيل جيد من قبل الشعب بانفسهم، وبقت الفلول البعثية المتناثرة بداية ولمدة ليست بقليلة بعيدين عن العملية السياسية مراقبين مندهشين لما يحدث لهم، ومن ثم بدؤا اكثر تنظيما في كتل وتيارات واحزاب بشكل مباشر او غير مباشر، الظروف الموضوعية قبل الذاتية هي التي فرضت عودتهم من الابواب والنوافذ على حد سواء .قادة الكورد دخلوا من الباب الواسع وشاركوا بالقوة في اعادة بناء العراق دولة وعلى عكس ما كان ينتظره شعبهم حقا والذي كانوا ينوون من الاساس تحقيق حلمهم الابدي والتي منعت عليهم تحقيقها تحت ظروف يعلمها الجميع،و عاشو في واقع  من صنع الاستعمار الذي لم يكن يفكر الا بتامين مستقبل شعوبهم ومصالحهم في خططهم وممارساتهم  في هذه المنطقة بشكل عام . الشيعة اغتنموا الفرصة بعد السقوط لاعادة حقوقهم المهضومة في ممارسة السلطة التي كانت من حقهم منذ انبثاق الدولة العراقية،و التي اعترضوا على ما نُهب منهم،و كانوا يطالبون بها من قبل في مراحل مبتسرة من تاريخهم في العراق .

كل هذه المؤثرات والتراكمات التاريخية وضعت حاجزا منيعا امام التقدم المنشود بخطى راسخة لبناء الاساس المتين للديموقراطية الحقيقية، وكرر الجميع اخطاء الماضي وفق ما كانوا يحملون من العقد المختلفة المتكونة في كينونتهم .

بعدما استقرت الاوضاع شيئا ما، بعد اقرار الدستور العراقي الفدرالي بما فيه، واعيدت الانتخابات النيابية وما شوهد من تداول السلطة بشيء من الخجل رغم ما شاب ذلك من الخلل وعدم تثبيت الاسس بشكل سلسو دائمي لحد الان واصرار البعض على البقاء النهائي على سدة الحكم، والثغرات الموجودة في النظام التي تدفع لذلك، والتاثيرات السلبية للاحزاب والتيارات الدينية والتدخلات الخارجية الكثيرة المضرة بالعملية اصلا . فوصلت الحال الى المرحلة التي اعيد فيها اختيار المالكي رئيسا للوزراء من قبل الكتل وفق اتفاقيات وتوافقات ووعود وتوازنات وصفقات معلومة، وكل ذلك شكل خللا في مسار العملية السياسية، وهو مايثير التخوف دائما من سير العملية السياسية بشكل معاصر وحداثوي .

فكان من الاحرى بالمالكي ان يعيد الحسابات جيدا ويجلس مع الذات للتمعن في تاريخ العراق وما يحوي وما حل به منذ انبثاقه لحد يوم السقوط، لكي يتمكن من بناء استراتيجية ملائمة ناجحة ويمكن ان يتعامل وفقها مع الاحداث الكثيرة المتكررة، وليس كما كان يفعل معتمدا على التكتيكات والحيل الشرعية في ممارسة سياساته المختلفة، وكما فعل في ازاحة منافسه في امانة حزب الدعوة بشكل سهل وسلس دون اية اعاقة ممكنة، وكان من المفروض عليه ان يكون اكثر تفهما ودقة في نظره الى  الافق الابعد من خلال العوامل المتعددة التي كان من الواجب تلمسها والمسارات العديدة التي كان من المفروض سلكها، ومن خلالها يمكن النظر الى المحطات المحتملة التي من الممكن ان تقف عندها السلطة مستقبلا . الخطا الاكبر في تعامل السيد المالكي مع الدولة الفتية والمستجدات والحوادث السريعة هو ممارسته لنفس السلوك الحزبي الضيق على نطاق الشعب والنظر الى المكونات على انها التنظيمات اوكانها المستويات المختلفة من القيادات المختلفة المنافسة له في حزبه، دون ان يعلم ءبشي وهو لم ينظر الى الاختلاف في الظروف والقواعد المختلفة لالعبة في الاماكن المختلفة، وليس من المعقول ان تعيد التجارب الناجحة في اماكن وقواعد وظروف مختلفة وتنجح بنفس المستوى .

بصريح العبارة، الشعب الكوردي ليس جزءا من منظومة الشعب العراقي ولم يكن يوما منسجما مع المكونات الاخرى باي شكل كان، وله الحق بناء دولته بما يمتلك من المقومات الاساسية المطلوبة لذلك، وقادته والقوى والظروف الموضوعية فرضت عليه غير ما يؤمن ويحلم ويهدف ويضحي من اجله منذ عقود، ولذلك كان من الاجدر بالسيد المالكي ان يتعامل مع متطلبات الشعب الكوردي في قراراته الحساسة على ما يكنون من الاهداف الحقيقية وليس على ما تفرضه الظروف على قادته لينطقوا بما لا ينسجم مع اهداف واحلام وتاملات الشعب الكوردي، واحيانا  يعلنون عن مواقف واهداف تجاه مواضيع استراتيجية لا تمت باحلام الشعب الكوردي بصلة لا من قريب ولا من بعيد ابدا .

اي كان عليه ولايزال ولليوم ايضا من الاجدر بالمالكي ان يفعل ما يريده الشعب ويستحقه، وبالنسبة للكورد، الفدرالية ليست المحطة النهائية، والدستور لم يحل القضية ولم يلب مطالب الشعب الكوردي التاريخية المعروفة للقاصي والداني، ولا يمكن فرض امنيات واهداف الاخرين بالقوة في هذا العصر المشهود له بالشفافية والديموقراطية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب .

من جانبهم السنة كمكون رئيسي من الشعب العراقي العربي وليس بقايا البعث، لهم تطلعاتهم واهدافهم الخاصة التي تختلف عن الشيعة والكورد بشكل كامل، وهذا ما كان من المفروض ان يحسب لها المالكي ايضا في ممارساته السياسية وقراراته وليس على اساس بقايا فلول البعث واهدافهم الضيقة .

ان كان من المفروض ان يتولى القيادة بعد السقوط من الفطاحل والجهابذة الملمين بكافة شؤون الشعب وتاريخه وسايكولوجيته وظروفه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، من قبل  المشهود لهم في قراءاتهم العلمية الدقيقة وتقيمهم الحقيقي الصحيح للشعب والواقع العراقي وتاريخه وطبيعته، والعراق ليس خاليا من امثال العالم الكبير علي الوردي. فكان الاولى بالسيد المالكي ان يستعين بالعلماء الذين يجارون الوردي وليسوا باقل منه في امكانياتهم وعقلياتهم في الداخل كانوا ام في المهجر، وكان من المفروض عليه، ان كان يريد ان يسجل له التاريخ على الاقل ان ينقل العراق الى مرحلة اخرى لضمان عدم العودة الى المربع الاول، ودون الرجوع خطوات كما هو حاله الان، كان عليه ان يدرس جيدا الوضع وياخذ براي هؤلاء العلماء والاكاديميين المجربين والمخضرمين من العقول المتنورة لما يجب اتخاذه من الخطوات الصحيحة، وكان من المفروض الابتعاد عن الاعتمادات الحزبية والسياسية والصراعات مع الكتل والاحزاب كما يفعل اليوم، وكان هو الاقدر على النأي بنفسه عن تلك الامور بخطوات عملية سهلة .

 فقول الملك فيصل؛ اقول وقلبي ملآن اسى، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خالية من اي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد واباطيل دينية ميالون للفوضى مستعدون دائما للانتفاض على الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين، ولا تجمع بينهم جامعة، فنحن نريد في الحالة هذه ان نشكل شعبا ونهذبه وندربه ونعلمه، وهذا لا يشكل في مثل هذه الظروف . لم يات هذا القول من الفراغ، وهو تقييم حقيقي وجوهري للشعب العراقي الحقيقي لحد الان .

اليوم نرى ونتاكد يوما بعد اخر بان السيد المالكي مصرٌ على اعادة التاريخ كما كان وبما حصل بالشعب ومن ثم العودة الى المربع الاول رغم الخسائر الكبرى . وخطواته تدلنا على نظرته وتوجهه وما يفرضه للعودة الى الدكتاتورية باشكال والوان مختلفة لحد ما للسيطرة بالقوة الغاشمة على الشعب بعيدا عن التحسب لامانيهم وامالهم واهدافهم وحرياتهم التي لا مساومة عليها ابدا .

و عليه، اذا كان السيد المالكي ولازال على ما يعلنه على الملا دائما، وان ما يريده هو كل الخير للشعب العراقي وليس لقادته، وعليه يبني توجهاته ونظرته وسياساته ووفق مستحقات المكونات التاريخية، وليس من خلال النوافذ العقيدية الايديولوجية الضيقة التي يحملها، وبه يمكن ان يسجل له ويحقق الخطوة الاولى من بناء وتجسيد الديموقراطية الحقيقية، فعليه ان يبتعد عن الاهداف الحزبية الضيقة الافق الخاصة بمكون وتيار معين دون غيره، وعليه ان ينظر الى العراق من عرش الدولة العالي  الذي يعتليه ومن خلال وبدافع عقلية منفتحة مخلصة مؤمنة بايجاد الحلول الجذرية للقضايا والمشاكل المستعصية على الجميع، فتبدا رحلة الف ميل بخطوة واحدة . ويمكن ان تبان ملامح هذه السياسة الصحيحة والهدف الجميل من خلال خطوات بدائية في فترة قصيرة جدا، وهنا يمكن ان يتحكم الشعب ويسير وراء الحق دائما . ولكن لحد هذه اللحظة، واستنادا على ما مضى وبتقييم السياسات المالكية المتبعة، فانه غير مشجع على التفاؤل ويهدر الفرصة الموآتية امامه لوحده وفي هذه المرحلة لتعديل مسارحكم العراق الخاطيء منذ عقود، ومن خلال هذه الفترة القليلة من بناء الدولة ونظامها

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2133 الاحد  27 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم