أقلام حرة

ماذا تعمل؟ / امين يونس

على مُحيا الذين يسألون، حين أجيبهم : لاشئ في الواقع ! . ويتجاوز الأمر حدود الإستغراب، عندما يسألون : هل أنت مُتقاعِد ؟ .. كلا . هل تستلم راتباً من منظمة أو حزب او جماعة او نقابة ... الخ ؟ كلا على الإطلاق ! . إذن كيف تعيش، كيف تُدّبِر أمورك .. وكيف تقضي أوقاتك؟ ... لي واردٌ مُتواضع عن إيجار دُكان، في حدود 250 دولار شهرياً، وكَيفتُ حياتي مُقّلصاً الإحتياجات الى حدودها الدُنيا ... أما بالنسبة للوقت، فأنه يكاد لايكفي، فأنا أقرأ وأكتبُ يومياً ! .

المُشكلة .. ان " القراءة والكتابة " هُنا ورُبما في أماكن كثيرة .. ليستْ " عملاً " ولا " مهنة " .. لاسيما بالنسبة الى كاتبٍ " مُستَقِل " مثلي .. مُستَقِل حقيقةً وليسَ إدعاءاً، غير مُستعد لأن يكون بوقاً لأيٍ كان، مهما كانتْ المُغرِيات .. وفعلاً، باءتْ كُل مُحاولاتي، بالفشل الذريع، لأن [أعمل] في جريدةٍ محلية يومية " وجربتُ قبلَ ثلاث سنوات، في تَحَدٍ مع نفسي، وكتبتُ 120 مقالاً في 120 يوماً متتالية ونشرتها في مواقع ألكترونية "  أو اسبوعية أو في مؤسسة صحفية او ثقافية او إعلامية ... فما أن يَطّلِعوا على نماذج من المقالات .. حتى يعتذروا، ويقولوا بأن هذا النوع من المقالات، لايتلائم مع " الخط العام " ! . وأخيراً وفي السنة الماضية، وبعد ان قابلتُ رئيس تحرير إحدى الصُحف المعروفة .. وقدمتُ له كُتبي الأربعة المطبوعة، والتي تحوي على معظم مقالاتي .. وإتفقنا مبدئياً أن أكتب عموداً ثلاثة أيام اسبوعياً .. لكن المُشرف على الصفحة، إتصَلَ بي في اليوم التالي، وأخبرَني، بان رئيس التحرير، يعتذر وأن لامجال لأن أكتب في جريدته ! . " ثم قالَ لي المُشرف بصورةٍ شخصية : .. هل تُريد الحقيقة .. ان " الجماعة " رفضوك، لأن في كتاباتك الكثير من النقد، وأن إتجاهك العام عراقي أكثر مما هو كردستاني !! .

أدركتُ الآن .. ان نوع الكتابة الذي أُمارسه، والذي لايَدُرُ أي مردودٍ مالي .. يعني ببساطة انها نوع من التَرَف والبطالة ! .. وحتى نقابة الصحفيين هنا والتي أنا عضو فيها، والتي توزع " منحة " شهرية للصحفيين، بقرارٍ من الحكومة والبرلمان .. فأنهم إستثنوني من ذلك ! .. وبعد أن راجعتهم عدة مرات في السنوات السابقة بلا جدوى .. شعرتُ بأن في ذلك هدرٌ لكرامتي .. فتخليتُ عن الأمر . (علماً بأن من ضمن شروط التفضيل، في الصحفي الذي يُشمَل بالمنحة الشهرية، ان لايكون موظفا او متقاعدا او يستلم راتباً في منظمة او غيرها .. وكُل صفات التفضيل هذه، تنطبق عليّ) .

عموماً .. انا عملياً، كاتبٌ هاوٍ بإمتياز .. فما دمتُ (حسب المقاييس الحالية الطاغية في المجتمع) .. لم أحصل على قطعة أرض أسوةً بمعظم الكُتاب والصحفيين .. ولست مشمولاً بمنحة الصحفيين الشهرية .. ولا أستلم راتباً ولا أجوراً عن كتاباتي .. ولا أتصدرُ الندوات والمقابلات .. ولا اُرسل في وفود الى الخارج .. ولا تُقّدم لي هدايا وإمتيازات ... فأنا رغم الجُهد الفكري المبذول .. عاطلٌ عن العمل ... ولا زالتْ نظرات الإستهجان تلاحقني، حين أضطرُ للإجابة عن السؤال اللعين: ماذا تعمل ؟ ! 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2134 الاثنين  28 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم