أقلام حرة

الإمبراطورية الفارسية وبدو الخليج / محمد جواد شُبَّر

فشاه إيران محمد رضا كان يسمى بشرطي الخليج وهو الحليف الأقوى لأمريكا في الشرق الأوسط.

لقد فرض الفُرس سيطرتهم على كافة الدول المحيطة بهم على مدى القرون، لكن كانت الهيمنة الفارسية تضعف يوماً بعد يوم بسبب الانقلابات الكثيرة المتكرّرة، فالشعب الإيراني والعراقي هم أكثر الشعوب تغييراً للأنظمة ولا يثبتون على نظام واحد ويطمعون دوماً بالأفضل -هذا ما يذكره التاريخ- بعكس جيرانهم الخليجيين.

النظام في الخليج لا ولن يتغيّر والناس لا يطمحون نحو الديمقراطية واختيار وتغيير الرئيس والنظام بأيديهم، فالحاكم الخليجي يحكم بلده منذ أن وُجد ذلك البلد وحتى قبل إيجاد البلد كان شيوخ القبائل –البدو- هم من يحكمون ويأمرون بالحروب والنهب والسلب، ودوماً ما يجدون آذاناً صاغية!! هذا إن كان يدل على شيء فإنّه يدل على خنوع الشعب الخليجي لحكامهم وزعمائهم حتى لو كانوا على غير حق.

ولا زال الشعب الخليجي لا يُحب التغيير أو بمعنى آخر لا يجرأ عليه، فجميع الدول العربية ذاقت شيئاً من طعم الربيع العربي إلا هُم، عدا البحرين "الشيعة" وشيئاً قليلاً من السعودية كذلك "الشيعة" فالمنهج الذي يتخذه الشيعة في التغيير يرجع إلى المعتقدات الدينية التي يؤمنون بها، خاصة خروج الإمام الحسين "ع" على الحاكم الفاسد قبل أكثر من ألف سنة..

بدأت السيطرة الفارسية تتقلص حتى اجتاح الحلفاء إيران وأسقطوا حكم رضا شاه –مؤسس الدولة البهلوية- عام 1942م بسبب شكوكهم باقترابه من أدولف هتلر ومده بالنفط الإيراني، فنُفي رضا شاه إلى جنوب أفريقيا ونُصّب ولده محمد رضا شاه ملكاً لإيران عام 1946م، فأعيدت تلك الهيبة والهيمنة بدعم لوجستي من الولايات المتحدة والحلفاء وفُرض ذلك النظام على رقاب العرب وخاصة الخليجيين منهم.

حكّام الخليج كانوا لا يتجرؤون على عصيان أوامر الشاه ولا يفعلون شيئاً يعكّر مزاجه، كل ذلك بسبب الخوف والتملّق، مثلاً: كانوا لا يجرؤون بإطلاق كلمة "عربي" على بحر الخليج أيام الملكية الفارسية، فكانوا كلهم بلا استثناء يطلقون على الخليج كلمة "الفارسي" –بغض النظر عن أقدمية التسمية الفارسية للخليج- لكن بسقوط الشاه وإقامة الحكومة الدينية تغيّر مسار الأمور، فتخلّصوا بذلك من "فوبيا الشاه" الذي كان يسيطر عليهم وانتهت المصلحة، فأعادوا رسم خرائطهم ليبدّلوا كلمة الفارسي بالعربي، مستغلين ضعف النظام الإيراني الجديد وعدم وجود دولة قوية تسنده حتى يستمر تملّقهم لتلك الدولة عن طريقه.. اقترح مؤسس النظام الجديد في إيران "روح الله الخميني" بأن يكون اسم الخليج لا عربي ولا فارسي بل "إسلامي"، لكنّهم أبوا أن يضعوا الدين فوق القوميّة والعنجهيّة وأصرّوا على "العربي" وأصرّ الفرس بالمقابل على "الفارسي" وحتى هذه اللحظة.

في تموز عام 1968 استلم أحمد حسن البكر زمام الحكم في العراق بعد نجاح ثورة حزبه، كان يتوقّع الكويتيون أنّ الرئيس الجديد لا يطمع بالكويت وهم المرتجفون من تهديدات أسلافه، لكن فوجئوا بتصريحاته التي لمح فيها أن الكويت قسم لا يتقسم عن أرض العراق، لذلك بعد أقل من عام ألحّ أمير الكويت على شاه إيران أن يزورهم حتّى يحتمي بإيران من شرّ العراق، فلبّى الشاه  الدعوة بعد الإلحاح الشديد وزار الكويت في عام 1969، فاستقبله الأمير بحفاوة ووقف أفراد الجوق الموسيقي الأميري مرتدين الزي العسكري واضعين "الغترة" الحمراء والعقال ذا الخيط الطويل رمزهم وشرفهم بدل القبعة العسكرية مؤدّين له التحية الملكية ومردّدين بأعلى أصواتهم النشيد الوطني الفارسي، لكن لم يُعجب الشاه بزيّهم، فقاطع حماسهم وأخذ قبعة أحد حراسه واتّجه نحو قائد الفرقة العسكرية الأميرية ورفع عقاله من على رأسه ووضع بدل ذلك القبعة العسكرية الإيرانية، واستدار نحو الأمير قائلاً : من اليوم وصاعداً ترفعون العقال عن العسكر وتضعون بدل ذلك القبّعة!! ابتسم الأمير ابتسامة خجل وتملُّق وأخذ له التحية ووعده بأن الزي الجديد للعسكر سيكون كما أمرَ الشاه المعظّم!!

بالفعل تحول الزي من العقال إلى القبّعة في الكويت وإلى يومنا هذا، لكن العجيب في الأمر أن كل أمراء وملوك دول الخليج آنذاك تأسوا بالكويت ورفعوا العقال ووضعوا القبعة، وإن لم يأمرهم الشاه بذلك، لكن التملق لعب الدور الأساسي في القضيّة..

وبالفعل.. الشاه حمى الكويت من العراق، لكن بعد سقوطه خيّم الخوف من جديد على رؤوس الكويتيين، ماذا سيفعلون بعد سقوط حاميهم؟! لذلك شجّعوا العراق على محاربة إيران فاتّخذوا سياسة إجهاد وإلهاء وإشباع الأسد لدفع شره مع العراق، فمدّوا النظام العراقي بالأموال الطائلة لينشغل النظام بالحرب وأن لا يطمع بهم من جديد، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السُفنُ الكويتية، فحدثت تلك الحادثة الأليمة عام 1990 التي دفع الشعب العراقي ثمنها غالياً.

بعد مرور عامين على حادثة القبعة الكويتية وتحديداً في عام 1971، أفلس شيوخ قبائل الإمارات -الحكّام حالياً- فقرّروا أن يمدوا يدهم إلى شرطي الخليج ليستجدوا منه أموالاً يقضون بها وطرهم، لكن اشترط عليهم الأخير أن يعطوه شيئاً بالمقابل، فباعوه قسماً من وطنهم مقابل المال ومقابل الترف، أي أهدوه ثلاثة جزر "أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى" ولم يقصر الشاه في إكرامهم..

لكن بعد ان أسقط الشعب الحكم الملكي في إيران، جاء الإماراتيون ليطالبون بترابهم الذي استغنوا عنه مقابل المال وأوهموا العرب والعالم وخاصة شعبهم بأن الشاه قد احتلّ الجزر وليس كما يُقال أنّهم وهبوها إيّاه!!

لو فرضنا أنّ إيران أعادت الجزر إلى الإمارات -على قاعدة فرض المحال ليس بمحال- ماذا ستفعل بها الإمارات؟؟ هل ستسلمها بيد الولايات المتحدة لتبني بداخلها أكبر قاعدة عسكرية  بحرية جوية في العالم، ليوصلون رسالة اطمئنان لباقي دول "إتحاد" الخليج، مفادها: أنّ مضيق هرمز لن يُغلق بعد الآن وستنعمون بنفطكم وترفكم بحماية أبوية أمريكية أكبر..

إن إعادة الإمبراطورية الفارسية الآن رهنٌ بإعادة العلاقات مع الدولة العظمى "أمريكا" فبمجرد أن تُعاد تلك العلاقات –كما كانت سابقاً- سيعود حكام الخليج بإعادة كتابة " الخليج الفارسي" على كتاب الجغرافيا للصف السادس الابتدائي، وربما سيُهدى للإيرانيين ليس أبو موسى والأطناب فحسب، بل البلد بأكمله شرط بقائهم في الحكم..

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2137 الخميس  31 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم