أقلام حرة

الجوانب الايجابية والسلبية لسحب الثقة عن المالكي / عماد علي

وما يحتمل الوصول اليه في اية حالة كانت الحراكات الحالية، ومن حيث افرازات الصراعات المتعددة المحتدمة ووصلت الى قمتها والى حال يمكن ان نعتقد بانها على حافة الهاوية وربما تنزلق في اية لحظة كانت، لاسباب عديدة واولها عدم الاحساس بالمسؤلية الكبرى التي هي على عاتق من يتحمل ما يحل بالبلد ويجمتع لديه اكثر السلطات كما خوله الدستور وعدم الانتهاء من اقرار القوانين والفراغات السياسية وعدم ملأ المناصب الحساسة، والوكالات المخولة لمن اهل الثقة له فقط . هناك وراء الخطوات والنوايا والتدخلات المختلفة لشؤون البلد من قبل القوى الاقليمية المتصارعة، وهذا ما دعا وفرض الابواب المفتوحة على مصراعيها لكافة الاحتمالات الخطرةالاخرى ايضا.  ما يتمخض في اية حالة وما هو المنتظر باي شكل وقع فان احلاهم مر، سواء سُحبت الثقة ام لاء . ان كان الدوافع ماوراء المطالبات ما يمكن ان نسميها متطلبات الصراع الاقليمي فهو الشر بعينه، وان جاء مابعد المالكي اي كان وما سيحمل من العقلية والعقيدة والتوجهات والتاريخ، لانه يتسلم واقعا في الحضيض اصلا ويستسلم للامر الواقع بما فيه ولن يتمكن من السيطرة على الاوضاع مهما كان قدرته ومهارته وكفاءته .

لا نريد هنا الاسهاب في بحث ما تفرضه الاطراف او الاحرى الجبهتان المذهبيتان الاقلميتان على العراق وفق ما تفرضه مصالحهما، ولكن علينا ان نتفهم ما يفرضه الواقع الاجتماعي السياسي العراقي الداخلي وما وصلنا اليه من محاولة الاطراف كافة من الحصول على قطعتها الكبيرة من الكعكة. فالتفرد المفرط للمالكي في العديد من امور السلطة التي ارادت ان تكون كافة مفاصلها تحت امرته والمجموعة الصغيرة من حوله، وما خطط من بناء الاساس الحديدي له ولحزبه متخطيا كل ما تفرضه ظروف العراق الجديد، مهمشا ومهملا لما يفترض ان يكون الصمام الامان للعملية وهو التوافق الذي يفرضه الموزائيكية التركيب للمجتمع، وفارضا توجهاته  متجاوزا العلاقات التي فرضها التاريخ والتراكمات والخصوصيات مستغلا السلطات الممنوحة له من قبل الدستور، بعيدا عن القوانين الاساسية التي يمكن ان تدير له الامور وترشده في المهمات الحساسة، محاولا بكل جهده الهيمنة على كافة المواقع الحساسة مبنيا توجهاته على نظرته القديمة الجديدة من احتمال فقدان السلطة الذي هو نقطة الضعف فيه، في الوقت الذي يحسب له بالحذر، ومذعورا من المستقبل الذي يفكر فيه وهو يتصرف وفقا لما يعتقده ويؤمن بهو هو نابع من تلك التخوفات التي يعتقد بانها ستلحق الضرر بمذهبه ايضا لو لم يحسب لها الحساب والمستند على مقولته الشهيرة( ما نعطيها بعد ) وهذا ما عقد المشكلة اكثر وسار بالبلاد الى ما نحن فيه الان ولا يمكن ان يعود الى ما كان عليه من العقلية البراكماتية . رغم الادعاءات الكثيرة التي اطلقها في هذه الفترة من حكمه فانه مؤمن بالمركزية القوية التي هي مشكلة العراق الكبرى منذ العقود المنصرمة، ويستوضح هذا من سياساته العامة وكما اعتاد عليه في حزبه قبل الحكومة وكيف تمكن من ازاحة منافسيه . ارتكب المالكي اخطاءا كبيرة وهو يتعامل مع الجهات عبر ما تفرضه الصراعات الحزبية والمصالح دون النظر الى تراكمات التاريخ وحقوق المكونات، واتخذ خطوات سريعة ليست في مكانها واستعجل كثيرا في ما كان يخطط له في استراتيجيته وهو ينوي تحقيقها وكشف باكرا ما كان ينويه وما تخوف دائما المتحالفين معه قيبل المنافسين والمتصارعين معه، واستند على شخصيات متشددة متطرفة في افعاله .

الجانب الايجابي في سحب الثقة عن المالكي هو تثبيت عملية تداول السلطة الذي يحتاجه العراق والعملية السياسية والديموقراطية بشكل عام وبشكل تطبيقي بعيدا عن الوعاضات والخطابات، وهو يضع للحدود والموانع امام من ينوي التفرد في السلطة يوماما في العراق الجديد، وهذا ما يفرض التوجهات المرسخة والمجسدة للفدرالية واللامركزية والتعددية، ويكون مثالا حيا لمن يطمح ان يعيد امجاد القائد الاوحد المغوار والدكتاتورية مهما كان دينه ومذهبه وحزبه وعقيدته وفكره، ويكون درسا للجميع بعد سقوط اعتى الدكتاتوريات ومن يحن لها بعد السقوط وباي شكل كان. ويثبت بالعملية ما يتطلبه الانفتاح واحترام الاخر والاستناد على القوانين فقط لا شخصيات معينة مستندة على الكاريزما، فبسحب الثقة هذا يصبح العرف ان مصير كل من يحيد عن الدستور والقوانين السقوط مهما امتلك من القوة والصراع، وربما يلجا المتبارون الى تنافس من اجل تقديم الاحسن، ان احسنت الجهات في العمل ولم يكونوا مهتمين لسحب الثقة من زاوية انتقال السلطة اليهم فقط  . هناك الكثيرون ممن يمتلكون القدرة والعقلية والكفاءة لادارة البلاد بشكل سوي ووفق ما يتطلبه ويفرضه موجبات الحداثة والعصرنة والروح التقدمية والعقلانية المفترض وجودها في القادة، وما يؤمن بمنع عودة اي شكل او مظهر من مظاهر الدكتاتورية، وفي المقابل يفرض الاستماع والاخذ بالراي الاخر والحساب له، اي تفرض عملية سحب الثقة بعيدا عن ما يخص المالكي او لاء، تفرض بذاتها رؤية جديدة للعملية السياسية وكيفية حكم البلد بعيدا لاي اعتبار لاي شخص كان وبداية للعملية السياسية ان صدق المجتمعون، ان اخذت العملية بعيدا عن الصراع العقيدي الديني المذهبي، وتكون خطوة مهمة وجادة في المسيرة الطويلة للديموقراطية وابتعاد الاستناد على الكاريزما وعبادة الاشخاص، وهي بداية بناء المؤسساتية في البلد . وانها المعول الاول لحفر مقبرة الدكتاتورية العادلة التي يؤمن بها اغلبية القادة الجدد في الشرق الاوسط وفي العراق بالذات على الرغم من عدم نطقهم بها بشكل صريح، ولكنهم يطبقونها بخطوات عملية ويفكرون بموجبها . الاهم في عملية سحب الثقة مهما كانت النوايا ومن وراءها هو استبعاد عودة الحزب القائد وبداية التخلخل في عقلية المواطن من نظرته وايمانه الى الحزب القائد المستند على التاريخ والشهرة والشخصيات بعيدا عن المنجزات العامة للشعب .  عمليا يمكن ردم الثغرات الكبيرة الموجودة في الدستور والتي وفرت الفرصة وفرضت توجهات وساعدت على الانفراد وهو تجمع السلطات العديدة في مركز دونه، ودون توزيعها او فرض تقيدات واقعية علمية عليها . ويمكن بهذه العملية ان يُعاد النظر في الفقرات المبهمة واعادة توزيع الصلاحيات واعادة الهيبة الى مجلس النواب والى العقل الجماعي الديموقراطي والسلطة الحقيقية له لخدمة الشعب .

 اما اكبر السلبيات الفارزة من العملية هو احتمال تاخر تشكيل الحكومة الجديدة ربما، واستمرار المالكي في سلطته عن طريق حكومة صرف الاعمال بعيدا عن المراقبة والمحددات لصلاحياته، ويمكن ان يتخذ خطوات بردود افعال مما يحتمل في النتيجة ان تاخذ الحكومة والعملية السياسية الى الهاوية، وسيكون عندئذ ابوابا مشرعة على كافة الاصعدة لاتخاذ خطوات خطرة مما يمكن ان تولد منها الحروب الاهلية . اضافة الى انتفاء سلطة البرلمان وعدم تمكنه من تشريع القوانين المصيرية التي من المفروض اقرارها واستبعاد المراقبة على الحكومة يوصلها الى ضفاف الفوضى العارمة من الفساد، ان لم يخطط المتحالفون على سحب الثقة في كيفية انبثاق الحكومة  الجديدة في وقت قياسي بشكل سلس  .

في كل الاحوال، ان العملية السياسية تتاثر وهي الان متراجعة خطوات، والديموقراطية تراوحت خلال هذه الفترة القصيرة اكثر في مكانها وانشغلت الناس عن الامور المهمة، وكان بالامكان حل المشاكل لو التزمت الجهات كافة بالدستور اولا والتاريخ الذي يحتم التعامل مع المكونات المختلفة بما تستحقه . وكانت اكبر المسؤوليات على اكتاف المالكي الذي استعجل وكشف سريعا عن نواياه الضيقة الافق وتعامل مع النظام السياسي العراقي كما فعل في حزبه ولم يحسب للفروقات بين الحزب والشعب، ولم يتعمق مع الحقائق والاستحقاقات وبنى خطواته على الافرازات والمعلومات اليومية وما ينتج من الصراعات بعيدا عن متطلبات وابعاد العصر الجديد. ازداد الطين بلة في العراق بعد التشدد والتوسع والتحالفات والائتلافات المذهبية التي اصطفت فيها القوى المختلفة العديدة بعد الثورات في الشرق الاوسط وما اتخذت من الخطوات غير المرحبة بها اقليميا وداخليا .

المهم عندنا هو ترسيخ النظام الديموقراطي الفدرالي التعددي وتداول السلطة وعدم احتكارها من قبل شخص او حزب ما، وليس العراق لما يهم حزب وشخصية ما مهما كان موقعه، والهدف هو ابعاد  الانفراد وملامح الدكتاتورية وتكون عملية سحب الثقة تجربة امام الاعين لمن ياتي وهو يتعض ويعتبر منها مهما وقعت الصراعات او النتائج النهائية . ولن تكون هناك تحالفات مستمرة الى الابد، وتستبعد التحالفات العرقية المذهبية شيئاما ويبدا زمن فرض المصالح لذاتها على التحالفات بعيدا عما يفرضه المذهب والعرق وربما يكون بداية النقطة الايجابية للعراق الجديد . 

في المثقف اليوم