أقلام حرة

الثقة الدستورية للمالكي رهنا بالتطورات الاقليمية والدولية وليست في اربيل او النجف / صالح الشيخ خلف

نوري المالكي واسقاط حكومته بسبب « عدم تكريس الدكتاتورية » عل? حد زعم زعيم التيار الصدري مقتد? الصدر، او « عدم الالتزام بتعهداته » كما ير? الزعيم الكردي مسعود برزاني، او « تخط? الدستور » كما تراها قائمة العراقية التي يتزعمها اياد علاوي .

واللافت في كل هذه التحركات، اصطفاف زعيم التيار الصدري مقتد? الصدر ال? جانب الزعيم الكردي مسعود برزاني، والقائمة العراقية بزعامة اياد علاوي، حيث طار من طهران عل? متن طائرة خاصة بعثها البارزاني لتنقله مباشرة ال? اربيل لينظم ال? التحالف الذي يري سحب الثقة من المالكي وحكومته التي انهت نصف عمرها الدستوري، انتظارا لعام 2013 حيث الاستحقاق الانتخابي البرلماني الذي ياتي بحكومة جديدة .

واذا كانت دوافع البرزاني والقائمة العراقية معروفة في مواجهة نوري المالكي، فانه من غير المعروف الدوافع التي تقف وراء موقف مقتد? الصدر، فالمشتركات « المعلنة » التي تربطه مع حكومة المالكي والتحالف الوطني اكثر بكثير من تلك التي تربطه مع الاكراد والقائمة العراقية، خصوصا وانه اعلن ان تياره لايريد ترشيح شخصية تابعة للتيار لمنصب رئاسة الوزراء، وهذا مايعطي انطباعا بانه « يقاتل بالنيابة » لاسباب لم يكشف عنها سو? مطالبته بعدم ترسيخ الدكتاتورية .

ومما اثار الاستغراب اعتراضه عل? استضافة الحكومة العراقية لاجتماع بغداد الذي احتضن مجموعة خمسة زائد واحد الغربية مع الجانب العراقي، والذي انسجم مع موقف حزب البعث المنحل الموالي للرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي دان هو الاخر في بيان له هذا الاجتماع واصفا الحدث بانه « يحقق اهداف الامبريالية الامريكية والصهيونية »، في الوقت الذي عملت الدبلوماسية التركية كثيرا من اجل الفوز باستضافة الاجتماع لدورتين متتاليتين لولا عزوف الجانب الايراني بسبب مواقف انقرة من التطورات السورية .

وعل? الرغم من انقضاء مهلة الاسبوعين التي حددها اجتماع اربيل لاستجواب رئيس الوزراء نوري المالكي، الا ان الاوضاع يقيت عل? حالها دون ان يتمكن تحالف اربيل من جر المالكي ال? البرلمان لاستجوابه واعادة طرح الثقة، مما دعاه  ال? عقد اجتماع ثان في النجف واعطاء مهلة جديدة لم تستطع هي الاخر? الصمود بسبب تشتت مواقف الاعضاء في التكتلات المعارضة الكردية والعراقية والصدرية .

وثمة قلق عل? مستقبل العملية السياسية في العراق في حالة سحب الثقة من الرئيس نوري المالكي، فالبعض را? بانه سيدفع المحافظات ال? تشكيل اقاليم كاقليم الجنوب والوسط والغرب، في حين توقع الاخر ان تكون حكومة نوري المالكي هي اخر الحكومات التي تحكم العراق الموحد، اما القسم الثالث فانه اعرب عن اعتقاده ان ذالك سوف يفسح المجال امام حكومة اربيل بالسيطرة عل? كركوك واعلان الدولة الكردية المستقلة، في حين يعتقد القسم الرابع ان الفوض? التي سوف تحصل في العراق بعد سحب الثقة من المالكي، سوف تحقق مطالب واهداف ورغبات حزب البعث المنحل الذي كان دائما يراهن عل? عدم استقرار العراق بعيدا عنه، مطالبا بتعليق الدستور والغاء قانون اجتثاث البعث وتشكيل مجلس قيادة الثورة عل? المقاسات البعثية من اجل اعادة ترتيب الاوراق السياسية في العراق .

وبعيدا عن كل هذه التصورات، وفيما اذا كانت صحيحة وممكنة، الا انها تدور في الدائرة العراقية الضيقة، مستبعدة في ذالك العامل الخارجي سواءا الاقليمي او الدولي، الذي يؤثر بشكل كبير عل? الوضع الداخلي  العراقي .

وهناك ثلاثة عوامل رئيسية اثبتت انها تستطيع التاثير عل? الاوضاع والتطورات في داخل العراق، العامل الامريكي الذي انه? احتلاله بشكل معلن للعراق العام الماضي، والعامل العربي الذي يرتبط بعلاقات مختلفة مع العراقيين وباعتباره الحاضنة العربية للعراق، اضافة للعامل الايراني الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع مختلف الاطياف العراقية وله مصلحة في ترتيب البيت العراقي بما يحقق مصلحة الامن القومي الايراني .

واستنادا ال? التجارب السابقة، فان عملية الاتفاق عل? رئيس وزراء جديد يخلف الرئيس المالكي، عملية تحتاج ال? وقت ليس بقصير، لان الاتفاق عل? المالكي ذاته احتاج ال? اكثر من سبعة اشهر، حيث يسود الاعتقاد ان الاتفاق عل? الرئيس الجديد سوف لن يكون اقل من ذالك، لان الظروف الاقليمية الان اعقد من تلك التي كانت عام 2009 .

امريكيا، فالادارة بشخص رئيسها باراك اوباما تستعد لدخول السباق الانتخابي الرئاسي، امام المرشح الجمهوري الذي يريد انهاء ولايته في دورتها الاول?، وهذا امر في غاية الاهمية للرئيس اوباما الذي يريد الدخول للسباق وبيده احد? الاوراق الرابحة، حيث عمل عل? انهاء الاحتلال في العراق، ونجح في سحب الجيش الامريكي، وعقد الاتفاقية الامنية مع الحكومة العراقية الحالية، وبذالك فانه يريد العراق مستقر امن ليدخل به السباق الانتخابي، وليس من مصلحة الادارة الامريكية ان يدخل العراق في فوض?، او عدم استقرار، في الوقت الذي يرفع بيده ورقة الاستقرار العراقي، وعل? ذالك فان وضع العراق عل? صفيح ساخن لن يخدم الرئيس باراك اوباما، مما دعا السفير الامريكي في العراق جميس جيفري ومسؤول مكتب التعاون الامني الامريكي في العراق الجنرال روبرت كاسلن ال? نقل رسالة واضحة للزعيم الكردي مسعود برزاني خلال اللقاء الذي تم في الخامس من مايو الماضي،  بعدم رغبة الادارة الامريكية التاثير عل? الاستقرار النسبي الذي يسود العراق، ودعوته لايجاد ظرئوف تساهم في التفاهم مع الحكومة المركزية في بغداد .

وعل? الرغم من معارضة البرزاني لهذه الدعوة والطلب من السفير الامريكي ممارسة الضغوط عل? المالكي من اجل الايفاء بالتزاماته بشان العهود التي قطعها عل? نفسه، الا انه عاد وكرر عزمه للمضي قدما في سحب الثقة من المالكي حت? « وان عارضه شعبه وولده وعائلته » في رسالة واضحة فسرت بانها موجهة للجانب الامريكي، لكن تبق? قضية الانتخابات الرئاسية الامريكية وفوز الرئيس باراك اوباما، اكبر من معارضة هذا الفريق او ذاك في العراق عل? الثوابت الامريكية .

عربيا، فان الاوضاع التي لاتحسد عليها في المنطقة العربية، وانشغال النظام الرسمي العربي – ان وجد – بالثورات العربية هنا وهناك، وعدم حسم الامور في العديد من المناطق الساخنة والملتهبة تجعل العامل العربي اقل العوامل تاثيرا في العراق، وتجعل انعكاسات القلق العربي عل? العراق لاتتعد? التصريحات الاعلامية والسياسية مع قليل من المال الذي يصرف لادارة قناة تلفزيونية، او دعم حملة اعلامية، او تغطية نشاطات سياسية، لان الطرف الذي يقف في العراق ليس المالكي او البرزاني والصدر وعلاوي، وانما الجانب الامريكي، وان اي مساس بالعراق يعني المساس بالثوابت الامريكية التي تعتبر من الخطوط الحمراء للنظام الرسمي العربي وانظمته السياسية القادرة عل? لعب دور مؤثر في العملية السياسية العراقية .

ايرانيا، لاتر? القيادة الايرانية اي جدو? من تغيير رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي، في مثل هذه الظروف التي تمر بالعراق اولا، والمنطقة ثانيا، خصوصا في مايتعلق بالتطورات السورية بعد مجزرة حولة، والاصطفاف الغربي ضد النظام السياسي السوري الحليف لطهران، وبالتال? فان القراءة الايرانية لاتر? مبررا لتغيير الحكومة الحالية في العراق، في الوقت الذي نجحت فيه من تطوير الحالة الامنية، وتمكنت من فرض الامن والاستقرار النسبي الذي يشكل مشكلة المشاكل التي تقف دون بدء عملية الاعمار والتنمية، ولذالك فهي لاتدعم اي جهد لسحب الثقة من المالكي، مع علمها ان اتفاق الكتل السياسية عل? مرشح جديد لن يكون بليلة وضحاها، وانما تاخذ وقتا طويلا لايخدم الامن والاستقرار في العراق، كما انه لايخدم التطورات الاقليمية .

وثمة اعتقاد، ان سحب الثقة يكون ممكنا في حالة واحدة، وهي السماح لرئيس الوزراء نوري المالكي بالدفاع عن نفسه وعن اداء حكومته، امام مجلس النواب في جلسة علنية، بعدها يصار ال? التصويت عل? سحب الثقة وتعيين خلفا له في ذات المادة القانونية، بمعن? ان الاقتراع عل? سحب الثقة يشمل تعيين خلفا للمالكي في ذات الوقت وفق توافق لكل التكتلات البرلمانية، فان صوت البرلمان عل? سحب الثقة فانه في ذات الوقت يصوت عل? تعيين البديل بناءاً عل? التوافقات السياسية، وفي حالة عدم حصول خطوة سحب الثقة عل? النصاب اللازم من الاصوات، فانه سيبق? حت? انتهاء ولايته .

وتعتقد المصادر ان مثل هذا الحل سوف يرضي الاطراف الاقليمية والدولية لانه سيعالج قلق هذه الاطراف من الفراغ الامني والسياسي، لكنها تستبعد حصول اتفاق سياسي عل? البديل وبذالك سوف تبق? الامور تراوح في مكانها حت? انتهاء الولاية عام 2013.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2139 السبت  02 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم