أقلام حرة

محمد العبود وبلديات الناصرية / من الذاكرة

 بموجب  ارشيف طفولتي ؛ البلدية. هنا محمد العبود صديق  لوزراء ولمسؤولين كان يردد أسماءهم الواحد تلو الآخر، ليقفوا جميعاً بإجلال لهذا الرجل.

 

 التدقيق اوراق وحسابات، معادلات تُترى تباعا بموجب قوائم اتيح لها ان تنال نصيبها من الحياة، ارقام ومشاريع احتوتها روابط من القيم، تآلفت، لتنطق بجملة واحدة أتيح لها أن تتناغم وذاكرة الصبي، الذي ابتدأ طقوس القراءة في مدرسة ما زال رنين صداها يبحث عن سلسلة شخصيات لهم علاقة بتلك المعادلة ؛

 

الشرقية انذاك؛ ساحة واسعة وجدران شامخة بشموخ أولئك الذين كانوا يُعلمون تلاميذهم لغة الحياة، بينما التلاميذ يرتشفونها بنكهة تكاد ان تصل الى ذرى نفوسهم، تلك التي أرضعتها قيم المحبة والوفاء .

الصدق مفتاح تلك القيم، كلمة علمنا إياها معلمنا الأول استاذ إسماعيل، نفسه ذلك الذي يسمونه المرشد له أخ يسمى (كوزان).

هنا فقط وقفت اتابع سياج تلك المدرسة، التي اتيح لي على أثرها أن أعشق بوابتين من القيم؛ ألأولى ذلك النصاب الذي بقي شامخاً رغم نسيانه من قبل الكثير، وأورارق التدقيق، التي كانت تسير بطريقة خطة محكمة، لكانها من صنع مجموعة ممثلين  لحكومة كبيرة .

 

أنذاك محمد العبود لم يكن على شاكلة هذه الأيام، محمد العبود لم يبتديء سلمه الوظيفي في مقعد من مقاعد البرلمان دفعة واحدة، ولم يبتديء سلمه الوظيفي وزيرا تم تعيينه على شاكلة النصابات الحزبية  (أودكتور) كما يكثر تداولها هذه الأيام .

 

 لقد ابتدي الرجل حياته  محاسباً، ليصبح رئيسا للملاحظين فيما بعد .

محمد العبود صار يشغل منصباً آخر سمعت به ولم أعرف معناه الا بعد حين؛محمد العبود صار مديرا لبلديات الناصرية وكالة اوبالوكالة كما قيل، ولذلك وبحكم رابطة المنصب مع اولئك الطيبين كان شاكر الغرباوي، ذلك الرجل، الذي ما زال مفتاحا للنزاهة هو الآخر.

 لقد  بقي  ذلك النصاب من الوقار واقفا يحكي ارشيف مكتبتي التي عبثت بها لغة الحياة الجديدة .

 ولهذا مرة اخرى  عند الزاوية الأعلى لمدينة الخبز والمسرح والثقافة، عند الجهة المحا ذية لرابطة الحياة ؛ مدينة الاوفياء   تزهو بتاريخ اولئك الذين بقوا في القلب كما في الذاكرة .

 محمد العبود، شاكر الغرباوي واستاذ اسماعيل وغيرهم من كرماء مدينتي، أبوا ان يخضعوا لحراب اولئك الذين ارادوا ان ينالوا من نزاهة الطيبين .

كعادته ذلك الرجل المليء بالمحبة، المليء بالصدق كان يقول: (حفظ الأصول احسن من المحصول)، ولهذا حين مات قرر ان يُدفن بثمن قطعة الأرض التي اقتطعها من ارثه الوحيد الذي هو عبارة عن  قطعة أرض كان يمتلكها وعائلته ثمنا  لعمره الذي أفناه طوال اكثر من ثلاثين عام .

 

 لقد غادرالرجل ليودع الحياة بمبلغ يكاد ان يغطي ثمن قبره الذي ما زال  يقف شامخا عند بوابة  وقفت هي الأخرى،  تنطق بأريج محبتها التي ما انفكت تتحدث عن تاريخ اولئك الطيبين  كرموز يحتذى بهم في قواميس سجلات  النزاهة، التي أحيلت هذه الأيام على التقاعد رغم  فتوتها .

 

لقد مات محمد العبود، ليشهد على عرش بلا ملوكية و ليكون  شاهدا لإدارة تقدر ان تخطط لمدينة كاملة بلا حاجة الى حكومة محلية اوأقليمية، غادر الرجل منذ التسعينات مقتطعا بقايا إرثه، الذي خلفه لإولاده الستة بلا حاجة الى أرصدة استثمارية .     

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1199 الجمعة 16/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم