أقلام حرة

كيف يخرج الكورد من الازمة العراقية معافيا بسلام / عماد علي

وكان دائما صانعا للتوافقات الضرورية وساهم بشكل فاعل في بناء الدولة العراقية التي انهارت كاملة بعد تحرير العراق من مخالب الدكتاتورية البغيضة، ويشهد له الجميع بالبنان بما فعل وهو لم يرضخ لاية جهة ولم يدخل اية جبهة بشكل واضح وفعال كما فرضها التاريخ في هذه المنطقة رغم الضغوطات المتعددة والصعوبات الجمة التي مر بها، وكان دائما يحسب لما يفيد مستقبل ومصلحة القضية الكوردية قبل اي شيء اخر. كان هو بذاته فاعلا مؤثرا وله مكانة ثقيلة ورصيد عالي في دفع وتسيير المعادلات ومشاركا ايجابيا مهما في العمل المضني للوصول الى النهايات الناجحة للمعادلات الملائمة للظروف الخاصة التي حلت بدولة العراق التي شارك الكورد بكل قواه في بناءه في اطارتجربة الفدرالية الجديدة على العراق رغم عدم هضمها من قبل المكونات الاخرى للاسباب والعوامل المتعددة المعلومة للجميع . كان للكورد الدور الاعظم في ارتفاع هذا البنيان على القاعدة العريضة التي رسمت له وفق المفاهيم العصرية الجديدة التي كانت غريبة عن الشعب العراقي من الاساس والتي فرضت الالتزام بها رغم التصدي الشرس لها من قبل المكونات المختلفة التي تمتاز بالخصائص والسمات التاريخية التي لا تتلائم مع المستجدات وتصنع الموانع، ولديها القدرة على التصدي لكل مستجد غير ملائم مع عمقهم الفكري المتحفظ دائما والمتكون اصلا نتيجة الثقافات والافرازات الفكرية المحافظة الواردة اليهم واصبحت ثقافة لاصقة بهم طوال تاريخهم . اما اليوم، وبعد التردد الطويل للكورد من دخول اية جبهة ذات ايديولوجية او فكر معتمد على العمق التاريخي في المنطقة لحد كبير، اصبح واضحا للعيان الان ما ادخل نفسه فيه من النفق غير المضيء لحد كبيرمن اللعبة الاقليمية ، واتجه اليه (لو نتكلم بشكل صريح) جزء منه او طرف منه دون اخر، وهذا التوجه او الخطوة كانت نتيجة رد فعل غير صالح او غير موفق اصلا من المشاكل المستعصية بين الاقليم ومركز العراق، ونتيجة غضب آني على ما انفرد به رئيس الوزراء العراقي في الامور العديدة التي تجاوز به على الحقوق الاخر وتجاوزبه الصلاحيات الممنوحة له من قبل الدستور الدائم للعراق في غياب القوانين الرئيسية المحددة لحدود هذه الصلاحيات. وكانت كل تلك التصرفات بدوافع حزبية شخصية قحة .

كان من الاجدر على الاطراف كافة في هذه المرحلة الجلوس على الطاولة بهدوء والمناقشة المتعددة الاوجه للمشاكل التي يمكن حلها بروية والتي تفرضها متطلبات العصر الجديد والديموقراطية المنشودة والحرية المعهودة بعيدا عن التوجهات المتخلفة المؤدية الى العودة الى الوراء في حل القضايا الكبيرة التي يعاني منها العراق من كافة الجوانب، وما زاد من موقف المتشددين والمتعصبين والعنصريين شدة للتوجه نحو الصراع الاثني المختفي منذ فترة .

نحن الان وسط الازمة المستفحلة بشكل غير عادي، ولكن لا تزال هناك فرصة وأفق معين في الاعتماد على الحلول المنطقية السليمة باتخاذ الخطوات المطلوبة من كافة الاطراف والاستفادة من الاخطاء بعيدا عن التعصب والاستعلاء والجدالات الاعلامية وحتى التلاسنات، ومن اجل اسكات السن المتربصين الصائدين في الماء العكر دائما. مشكلة العراق ليست مرتبطة بشخص معين او ممارسات حزب او توجه بقدر ما يفرضه الوعي والثقافة العامة المتعددة المختلطة والخلافات السياسية الفكرية النابعة من العقليات المتمرغة في وحل ما فرضته الاحداث التاريخية وسلبياتها المعلومة التي التصقت بمختلاف افكار الشعوب في الشرق الاوسط بشكل عام والشعب العراقي بشكل خاص، وبكافة المكونات المختلفة فيه من حيث الفكر والتركيب والسمات والخصائص .

من يتمعن ويستمع الى التصريحات المختلفة المخالفة لبعضها البعض من قبل الاطراف المختلفة المتجابهة والمتخندقة مذهبيا بعد ان استوضح التاثيرات الاقليمية على المعادلات، يقتنع بجميع تلك التصريحات من جهة ويرفضها من جهة اخرى جملة وتفصيلا في الوقت ذاته لانها سطحية مقنعة بما تخص الامور اليومية بعيدا عن الاستراتيجيات وعميقة نابعة من الايديولوجيات الحزبية المصلحية المختلفة والناتجة عن الخلافات المصلحية التي برزت الى الملأ نتيجة الصراعات المصلحية العديدة للاطراف المتصارعة المختلفة عن بعضها شكلا وتركيبا وسمة وفكرا وقاعدة .

لو تكلمنا عن جانب واحد وهو الكورد ومن يفكر في مصلحته وقضيته كعمق تاريخي وشكل وتركيب وهي ما تهم مستقبل اجياله، وكمكون يمتاز بما ليس موجودا في الاطراف الاخرى من الحقوق المغتصبة ، يتاكد المتمعن بان الاصطفاف في اية جبهة لم يفده بمثقال ذرة ولن يكون له في الدخول في الصراع كطرف مذهبي اقليمي لا ناقة ولا جمل. وسيكون الكورد في نهاية المطاف في موقع لا يُحسد عليه، وربما لن يقطف ما زرعه طوال هذه العقود الاخيرة بسهولة نتيجة الصراع الجديد الذي يفرض نفسه في الدخول فيه دون ان تكون له اية مصلحة خاصة به، ومن المحتمل ان يصبح متفرجا ويخرج من المولد بلا حمص عند توصل الجهات الاخرى الى حلول وحالات توافق كما تفرضه السياسة .

 وعليه، ربما يمكن ان نعتقد لاول مرة في هذه الصراعات الموجودة التي لم تتوافق فيها الاطراف الكوردية كراي موحد، ربما يقع لمصلحته ويكون في جانب قضيته الكبيرة على الرغم من السلبيات الداخلية التي يمكن ان تفرز من عدم التوافق هذا. وعند الدخول في المعمعة غير معروفة النتائج والنهاية بتوجهين مختلفين سيكون احتمال الحصول على نتيجة صالحة اكثر من الدخول فيها بطرف واحد كحسابات فرضية، ويمكن التراجع عن اي موقف متشدد بماء وجه محفوظ وبتراجع خطوات هنا وتقدم باخرى هناك ، والتي يمكن ان تقع واحدة منها لصالح المسيرة الطويلة  لتقدم القضية الكوردية وسط هذه الفوضى العارمة التي صنعتها الجهات والافكار والمعتقدات المختلفة البعيدة عن ما يكنه الشعب الكوردي سواء كانت اقليمية الصنع او داخلية .

توزيع الادوار المطلوبة من قبل الكورد في سير العملية السياسية لا ضير فيه، لا بل ضرورية في خضم المسيرة الطويلة وما تشوبها تعقيدات من المطبات والمستعصيات حاضرا كانت ام مستقبلا ، وخير للكورد ان يحافظ على موقعه وثقله ويعيد لنفسه ما لم يتمكن الاخرون من اتخاذه من الادوار الحاسمة في التفاعلات الموجودة ومن خلال التغييرات التي تطرا على المعادلات المختلفة باستمرار .

اتخاذ الطريق او الاسلوب المعين لما يخص الكورد للتعامل بهدوء وروية كثيرا والتعاون المطلوب لجميع الجهات الكوردية للحصول وايجاد المخارج الملائمة في اية ازمة تضر الكورد، وبما لديهم من القدرات والامكانيات في تحديد المسار الصحيح للخروج من هذه الازمة باقل الخسائر امر  واجب اني حتمي، وعليه ، يفرض الموقف نفسه على الجميع للاجتماع الموسع لكافة الجهات الكوردية دون استثناء وعلى اعلى مستوى القيادات في مؤتمر خاص لبحث ما نحن فيه خلال فترة قصيرة وبتركيز وجدية لبحث كافة جوانبها، لايجاد الطريقة السليمة لعبور المرحلة وبموقف موحد، وهو امر ضروري، وهو ما يفرض نفسه على الجميع .

 ولتصبح هذه الازمة التي اقحم الكورد نفسه فيها درسا مفيدا وعبرة لاتخاذ القرارات المصيرية حول الخطوات المصيرية جماعيا دون تفرد شخص او جهة لاغراض حزبية او شخصية مستقبلا . على الرغم من امكان الخروج من الحالة بسلام لحد ما الا ان سلبيات ما مر به الكورد لن تكون قليلا وستؤثر بشكل ما على العلاقات العديدة الضرورية المطلوبة وعلى موقعه وثقله في اداء ما عليه للوصول الى تحقيق الاهداف المصيرية في النهاية، الا انه مهما كانت الخسائر كبيرة فالرجوع عن الخطوات المتخذة بهدوء من نصف الطريق افضل من الاستمرار فيها بتعنت الى النهاية غير معلومة النتيجة لنا نحن ككورد شعب وقضية .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2148 الأثنين  11/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم