أقلام حرة

السكوت المطبق لمثقفي العراق !! / عماد علي

ومؤثرين بشكل واخر على مسيرة الثقافة العامة والوعي وعقلية الفرد والمجتمع حسب ظروف وسمات وخصائص المراحل المختلفة لتاريخ العراق، وعلى غير عادة اي مجتمع اخر كان هناك نوابغ ومبدعين خارجين من المجتمع المتخلف هنا وهم يتجاوزن العقلية والفكر والثقافة لنظرائهم في المجتمعات الاخرى وهي في حال ميسورة   ايضا . وكان لهم الدور الهام في التقدم الحاصل لهذا الشعب الى ان انغمس في مطبات وحفر السلطات السياسية الجاهلة طوال المراحل الماضية.

لسنا بصدد المثقفين الصوفيين المنعزلين عن الواقع الاجتماعي والمبتعدين عما تتطلبه الحياة، وهم غارقون في فكر وعقلية من صنع ما تفرزه نتاجات المتدخلين الشواذ ومن افراز ما لا يمكن وصفه بالمبادي العامة للثقافة باي شكل كان، وانما يمكن اعتبارها كما يفضل البعض تسميته بخليط من الخيال والعيش في عالم الاسطورة والمثاليات البعيدة اصلا عن الثقافة بما تعنيه. وهؤلاء متاثرون بما هو خارج الخارطة الاجتماعية وساحاتها التي تفرض الثقافة الاصيلة على المثقف الاصيل، ويعتبرها الاخرون منتجين للزهد المعرفي والانفصال عن الواقع او العيش المستند على السباحة في بحر الخيال والرومانسية كما كانت عليه الثقافة العراقية في مراحل شتى، وهذا ما يفرض عدم انسجام ما يمكن ان يُعرٌف بالثقافة مع الذات قبل الدنيا وما فيها، وهم يعيشون في وهم اليقين الذي يعتقدون بانهم الحق ولا حقيقة لغير ما يؤمنون ابدا. اي اصحاب النظرات الفردية او التكتلات الصغيرة المستقلة والمنطوية ، سواء انشغلوا في تدبير حياتهم الاجتماعية والاقتصادية ام غرقوا في عبثيتهم المستميتة الى النهاية . وهم ما يُنظر اليهم ككائن غريب في كيان هذا البلد ومجتمعه وروح مرئي ومنظور في عالمالخيال المختلط بعالم الماديات المعقدة .

اما النوع الاخر من المثقف الذي يعيش منسجما مع ما يمر به في يومه وواقعه مقيما على الارض ويدخل بين حين واخر في عالم الخيال ويبتعد عن الواقع لاجل غير مسمى او لفترة تتطلبه توجهاته وما يعتقد ما يفرضها عليه عقليته من المدد المطلوبة لوصول ثمرة فكره حول حالة وموضوع ما، ومنتقدا لكافة جوانب الحياة في اكثر الاحيان وهو ما يعتبره وظيفته الاساسية لاستقامة الطريق الثقافي والضروري لتقدم المجتمع ، ويؤمن بانه من واجباته الخاصة نفي الكل دون استثناء في السياق الثقافي العام . ونقصد هنا المثقف بمعنى الكلمة شكلا ومضمونا وليس الاكاديمي او الكاتب او الاديب او الشاعر او الفنان بشكل عام والذي يمكن ان يعتبروا من المهنيين في اكثر الاحيان وبعيدون عن الثقافة احيانا كثيرة . لدينا من المثقفين الحقيقيين قليلين جدا ، اي المثقف وفق تعريفه وتسميته كمفهوم شامل وحقيقي لوجوده وتناغمه مع الموجود في الحياة وتاثيره عليه وتاثره به بشكله المباشر  وتفاعله وتعامله مع مسيرة الحياة اليومية من كافة جوانبها بشكل فعال .

لدينا من المهن التي تحتاج الى الثقافات العالية ولكن ليس بشرط ان يكون من يزاولها مثقفا حقيقيا، اننا لم نلمس وجود المثقف الحقيقي مكشوف وحقيقي ومعلوم الجوهر ، لما عاناه الشعب العراقي خلال العقود المنصرمة وازيل ما يمكن ان نسميه بالمثقف على الساحة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، واستبدلت الثقافة جراء تلك الممارسات المهنية  الى وظائف وفرضت عليهم افكار وعقائد وعقليات وليس لهم يد فيها وربما لم يؤمنوا بها اصلا، وهذا ما جعلهم قشورا فارغة ، يبانوا ويظهروا كمثقفين من الخارج او الظاهر واصحاب المهن وما تفرضه المعيشة والمصالح من الداخل والحقيقة او الجوهر.

بعد سقوط الدكتاتورية العراقية، لم يتنفس الشعب العراقي الصعداء من الناحية الثقافية بالاخص وبالذات عملية تطوير الثقافة العامة ودعم المثقفين  كما هو المطلوب عند اي تغيير ايجابي للاجواء المطلوبة لذلك، فلازال الشعب وما يحويه ينفض عن نفسه غبار الجهل وما فرضته الدكتاتورية من عقائد وتوجهات وافكار سطحية والتي مسحت بها ما كان التاريخ العراقي يفتخر ويتمتع به من الثقافة الحقيقية التقدمية ، ولحد هذا اليوم لم نحس يما يمكن ان يبرز من بين تلك الحطام من ما يمكن ان نسميه الثقافة والمثقف وما له من واجبات وما يتميز به من المباديء والسمات والدور الفعال الخطير والحساس الذي يجب ان يلعبه في مسيرة اية امة او شعب او مكون ما .

الفوضى العارمة في الوضع السياسي العام وانعدام الاستقرار والامن وفي ظل الاستمرار في القلق المفروض على الشعب او الفرد او المجموعات او المكونات وهو دليل على مدى انحلال الوضع الثقافي العام والتحول الحاصل في فكر المثقف وانقلابه على ذاته وعقليته وانتماءه وتحويله الى سياسي او مهني قح دون ان يشعر بنفسه بتلك التحولات . اليوم نرى ان السياسي يتحكم بعقلية وتحرك وتوجهات وحتى نوايا المثقف على غير عادته في جميع انحاء العالم، او السياسي الغارق في العقيدة الخيالية المؤمنة يقينا وبشكل مطلق بتوجهاته الخاصة وافكاره ونافيا للاخر مهما كان ومن كان سواء كان سياسيا او مثقفا، نراه يلعب بعقل المثقف الذي يرى نفسه مثقفا باي شكل كان ويوجهه بكافة الاتجاهات . هذا ما يجعلنا ان نعتقد ونجهر بالقول بان العراق اُُفرغ من مثقفيه الحقيقيين بشكل كامل وحلت السياسة والسياسيين محلهم ويؤدون مهامهم السياسي بدلا منهم، وهذا ما يدلنا على مدى انقراض الجهابذة والفطاحل من المثقفين البارزين المضيفين للثقافة العالمية العامة الكثير والذي افتخر بهم الشعب طوال تاريخه . اي القول الصحيح هو انعدام البلد من ما يمكن ان نسميه المثقف الحقيقي افضل واصح من قولنا بسكوتهم او اعترافنا بوجودهم وانعزالهم او سكوتهم المطبق حيال ما يجري من خراب ودمار للعلم والثقافة والمجتمع باكمله، ونكثهم بعهودهم وعدم اداء واجباتهم المفروضة والتي من المفترض التضحية من اجلها في اية مرحلة كانت وهو المهام الحقيقي لهم. اليوم الحاجة اليهم اكثر من اي وقت مضى. نحن بحاجة الى الفعل والتطبيق والدخول في غمار العمل الخاص والواجب الذي هو على عاتق المثقف الحقيقي والذي يقع على راس قائمة المتطلبات الضرورية لتقدم الحياة لاي شعب كان في اية بقعة في العالم، فما بالك لحال كما هي في العراق اليوم .   

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2150 الاربعاء  13/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم