أقلام حرة

الارهاب والارهاب السياسي في العراق / جاسم محمد

رغم ان التحليلات والتوقعات كانت تشير الى عدم تحفيز عوامل ومصادر الارهاب بالعراق بعد انسحاب القوات الاميركية، والبعض الاخر وجد في الانسحاب الاميركي انتهاء شرعية المقاومة العراقية وغياب المسوغ .

حالة الامن تشهد انتكاسات مستمرة خلافا لتصريحات المسؤوليين العراقيين اللذين يصفون حالة الامن في العراق بانها اختراقات امنية . لكن في الحقيقة هي هشاشة اداء القوات العراقية عموما بدون استثناء في مواجهة العنف والارهاب، لتكون العمليات المسلحة والارهابية اكثر دقة في اختيار الاهداف والتوقيتات واكثر دفعا وزخما و نوعية من السابق.

 

وجهت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في13.06.2012، نداء للحكومة العراقية لمعالجة ِالأسباب الجذرية وراء العنف والإرهاب في العراق . وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر في بيان تناولته وكالات الانباء قائلا : "أوجه نداءً عاجلاً للحكومة لمعالجة الأسباب الجذرية وراء العنف والإرهاب والتي تتسبب في الكثير من المعاناة والألم للشعب العراقي".

 

 

معدلات العنف في العراق

ووفقاً لمقاييس معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فإن العراق قد شهد 36 هجوماً مؤكداً من النوع الذي يحدث إصابات شاملة في كانون الثاني/ يناير 2012 وتلك زيادة كبيرة عن متوسط 23 هجوماً شهرياً في الربع المنتهي في كانون الأول/ ديسمبر 2011. كما أن عدد القتلى المعلن عنه رسمياً هو الآخر في تزايد، حيث أفادت التقارير عن مقتل 340 مدنياً في كانون الثاني 2012 مقارنة بـ 155 في كانون الأول 2011، فبعد عام من تشكيل حكومة العراقية في 2010 ازداد عدد الحوادث المبلغ عنها .

 

 

جاهزية القوات العراقية

تتحمل الحكومة العراقية مسؤولية هشاشة الامن بعد الانسحاب الاميركي اكثر من غيرها بالاضافة الى مسؤوليي اللجان الاستخبارية والامنية في مجلس النواب ومجلس محافظة بغداد والمحافظات ، فبعد كل موجة تفجيرات نجد اعضاء البرلمان يناقشون او يشرعون قوانين وقرارات استثنائية لتامين حماياتهم، دون اي مراجعة الى كيفية توفير الحماية للمواطن العراقي . التدهور يعكس الفشل بادارة الملف الامني وفشل الخطط الامنية وفشل قادتها .

 

لقد صرفت الحكومة العراقية مبالغ كبيرة من اموال العراق وميزانيته للدفاع والامن على حساب اي برنامج او مشروع اقتصادي او استثماري لمعالجة جذور تدهور عامة الاوضاع بالعراق، وكأن العراق يتحول نحو العسكرة . وكانت هنالك عقود وصفقات لاستيراد اجهزة كشف المتفجرات وكاميرات سيطرة بالاضافة الى تخريج اعداد كبيرة من المتطوعين في اجهزة الامن والدفاع، لم تكون لها اية فاعلية . اما توثيق العمليات المسلحة ضد الاهداف فقد غابت هي الاخرى، كذلك غابت التقنية في متابعة الارهاب وهي اشارة الى عدم استفادة العراق من الخبرات الاميركية . فلم يعرف العراق أبدا، وضوحا في ستراتيجياته الامنية والسياسية واعتمد اسلوب رد الفعل وراء كل ازمة سياسية او موجة تفجيرات، ويبدو ان عامل التحزب فرض نفسه على الواقع العراقي .

 

 

ارتباط العنف بالازمات السياسية

تشهد بغداد وعدد من المحافظات، سلسلة تفجيرات وفي كل مرة تنتج عن مقتل وإصابة العشرات او المئات من العراقيين الابرياء بعد كل أزمة سياسية ، والازمة الاخيرة قد تحولت من خلافات ما بين القائمة العراقية ودولة القانون إلى خلافات الأخيرة مع التحالف الكردستاني والتيار الصدري وغيرها المكونات السياسية.

يتصدر العنف السياسي قائمة العنف في العراق ليكون العنف في العراق مركبا لايمكن تجبيره . وباتت العمليات الارهابية التي تتبناها " دولة العراق الاسلامية " تاخذ الخطاب الطائفي ضد الشيعة وحجاجها محاولة منها من بث الطائفية والفوضى .

الحكومة العراقية هي المسؤولة عن حماية مواطنيها بدون شك، فاي جاهزية امنية للقوات العراقية وامكانية دولة امام تنظيم " دولة العراق الاسلامية " الذي لا يتردد من اعلان مسؤوليته في اعقاب كل عملية. ويبدو انه اعاد هيكلة تنظيمه في اعقاب الانسحاب الاميركي لتكون عملياته اكثر فاعلية .

علما بأن تراجع القاعدة في العراق في اعقاب مقتل ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم الجهاد والتوحيد في بلاد الرافدين ادى الى ظهور" دولة العراق الاسلامية " الافتراضية عام 2006 لتكون بديلا لشبكة القاعدة ومحاولة منها اضفاء الهوية العراقية .

 

لقد تحولت العمليات الارهابية من عمليات عشوائية الى عمليات منظمة ومنسقة، فالمجموعات المسلحة، هي من تملك المبادرة، ومن تقرر المكان والتوقيت . أما اعتقالات الحكومة العراقية للمطلوبين في اعقاب كل عملية اصبحت طريقة ومحاولة منها الى امتصاص نقمة الشارع العراقي ازاء فشلها وحجة للتخلص من معارضيها ،هذه السياسة من الاعتقالات العشوائية لم تزيد الا خصوما جدد .

اما التصفيات الشخصية لبعض المسؤوليين في الدفاع والامن او الدولة فبالاضافة الى عمليات المجموعات المسلحة فممكن تورط الارهاب السياسي الداخلي الذي يقوم على الاحتراب وتصفية الاطراف المنافسة والتهميش . وقد يكون العنف السياسي من أطراف سياسية خارج السلطة، تناهض السلطة او تطالب بحقوقها او لغرض الاشتراك بالسلطة .

ان الاخطر هو عندما يوظف العنف في العملية السياسية . اما الكتل السياسية فقد باتت مخترقة ومفخخة وعديمة الارادة وتسير وفق خارطة اهداف غير عراقية .

 

ان الارهاب اصبح ناتجا محليا وبامتياز بل اصبحت مجاميع مسلحة تعمل على عرقنة الارهاب في ساحاتها ومنها اليمن وافغانستان مستفيدة من خبرات التجربة العراقية السلبية في العمليات المسلحة والارهاب .أما المصالحة الوطنية فمنذ عام 2005 ولحد الان غابت ولم تظهر الا في الازمات السياسية وما قبل الانتخابات للحصول على مزيد من الاصوات .

 

ماموجد الان في العراق من مكونات سياسية قائمة على المحاصصة والمناطقية والطائفية لا تمثل اي من هذه المكونات ابدا، بل نجدها طبقة سياسية حاكمة تتمتع بالامتيازات وتستهلك ميزانية العراق من اجل البقاء بالسلطة بعيدا عن اي مشروع وطني عراقي . البرلمان يعاني من تراكم القضايا وترحيلها دون حل حقيقي او جذري بعد ان ضربت البطالة اطنابها في العراق ونخر الفساد بها لحد العظم . اما الحكومة فاصبحت تعتاش وتقتاد على الازمات السياسية بين هذا المكون وذاك وتركز على تسقيط بعضها الاخر تاركة العراق مفتوحا على كل الاحتمالات.

هذه العملية السياسية لم تاتي بالعراق الا الخراب وايام العراقيين اصبحت مفعمة برائحة الدم والذبح والقتل و ليتحول العراق الى دولة فاشلة وبامتياز تعيش تحت ركام من الانحراف السياسي اكثر من اي شيء اخر .

الشراكة الوطنية والحلول الترقيعية اصبحت نجاد انقاذ للحكومة والبرلمان للاستمرار بالسلطة والحصول على المزيد من الامتيازات. ولتتحول الازمات السياسية في العراق الى فاتحة حسابات مالية جديدة في حساباتهم المصرفية في سوق تجار الساسة العراقية مقابل بيع اصواتهم او مواقفهم ازاء كل ازمة ماعدا القلة القليلة. وهنالك صراعا سياسيا بين صفوف الساسة العراقيين لا يقتصر على الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها فحسب وانما يتعداه الى صراع داخلي داخل الكتلة السياسية الواحدة .ان مسار العملية السياسية كان ومازال فاشلا، منذ تشكيل مجلس الحكم الإنتقالي في 13 تموز 2003 والى يومنا هذا، فقد دخل الفشل مرحلة التصدع ليكون أكثر انحدار وفسادا واخفاقا .

أن التصريحات الساسة العراقيين لوسائل الاعلام خرجت من اللياقة والحشمة السياسية لتتحول الى تهديدات ومهاترات وملفات وفضائح ليجد المواطن العراقي نفسه امام مجموعة سياسية لا تتردد باعلان انحرافها السياسي، ليضرب ساسة العراق المعدلات القياسية في الفساد والترهل والفشل وسط حكومة تتألف من أحزاب سياسية غير متجانسة تتجاهل المواطن واستحقاقه .

 

كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2152 الجمعة 15/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم