أقلام حرة

العراقي المنتظر هل يعود فيه الأمل ..؟ / عبد الجبار العبيدي

ومنها ماتت دون ان يكون لها من أثر. الاولى سجلت في صفحات التاريخ كل أثر،  والثانية ماتت وطواها النسيان دون أثر. الأولى تمثلت في محمدعلي باشار الكبير باني مصر الحديثة، فهل سيبقى الثاني في وطني العراق دون أمل وأثر. التاريخ لا يعيد نفسه وان تتشابهت  الظروف والاحوال والرجال.، في الحالة الأولى كان الرجل المخلص القوي فتحقق لمصرالأمل، فهل سيتحقق لنا  في العراق الغائب القادم من أمل؟أم سنبقى ننتظر المهدي المنتظر؟ سؤال بحاجة الى جواب من المنتظر؟.

 

في التاريخ رجال بنو مصر على مر الزمن حتى تبوأت مركزها بين الأمم.وفي التاريخ ساهمت شخصيات في بناء العراق مند القدم حتى اصبح الوطن يضاهي اكبر الأمم. الفراعنة بدكتاتورياتهم بنوا المخلدات التي لا ينكرها الزمن،  الاهرامات، والتحنيط،  والكتابة الهيروغلوفية،  والدواء المصري القديم.السومريون جاؤا للعراق بأصلاحات أوركوجينا،  وأور نمو، والبابليون كتبوا قانون حمورابي الذي منه استلت كل القوانين،  حتى ان القرآن الكريم جاء ببعض نصوصه على سبيل العضة والأعتبار منها لا على سبيل الاقتباس من الأمم، وحققوا للانسانية كتابة الحروف المسمارية  التي قيل منها تطورت الكتابة نحو العالمية، ومن برديات العراق صُنع القلم.

 

في كلا الحضارتين الكتابة والقلم هما أصل الحياة من العدم، فهل يستطيع احد منا نكران الدي حدث؟ لأ،  لا أحد . فالشواهد في المتاحف تثبت الحياة من العدم . لذا ارادوا أماتت الشاهد وأبقاء العدم، لكن السؤال المطروح كيف استطاع الأباء والاجداد في كلا الحضارتين تكوين الأمل رغم عمق الزمن؟ ونحن لا زلنا رغم تقدم العلم والتكنولوجيا نحبوا نحوالتقدم والأستقرار والأمل. شعوبهم عاشت بدكتاتوريات  تنفرُ منها القيم،  لكنهم أرسوا أنظمة جعلت لشعوبها الكثير من القيم.لماذا نحن الآن نعيش بدكتاتورية فيها السلطة والمال لكنها أضاعت القيم؟ هل ادرك الامام علي (ع) سر الحضارات من زمن،  حين قال المال والسلطة تفسد اخلاق الرجال وتتجه بهم الى العدم؟

 

اذا استعرضنا تاريخ الحضارتين المصرية والعراقية القديمتين نجد فيهما المفارقات كثيرة التي انقذت الشعوب من العدم .من هنا جاءت نظرية دراسة  تاريخ الحضارات واحداثها لنطلع على تجاربها للحاضر والمستقبل، فتاريخ الحضارات هي تجارب الامم، ولكل حادثة تجربة نافعة تنقذ الوطن. هنا نجد أنفسنا امام جواب لسؤال طالما سأله الناس : لماذا ندرس التاريخ وحضارات الأمم في القدم ؟.

 

الجواب يأتينا من عمق الزمن، فالتاريخ زمن وتجاربه النافعة هي الزمن.هو الذي يعلمنا كيف نكتسب التجارب النافعة من الاخرين، وبدونها لا تقدم ولا وطن . فهي التي تهدينا الى ما نجهله في حياتنا لنتبع الحسن، ونجتنب القبح لنتحاشاه عبر الزمن. سؤال طرحه علي طالب يوم كنت محاضراً في جامعة بغداد حين قال.هل ان التجارب التي ننتفع منها تتشابه رغم الظروف والاحوال منذ القدم؟ قلت له لا يا ولدي، فالتاريخ لايعيد نفسه لكن الاحداث تتشابه وان أختلف الزمن. فأن كل شيء يتغير حتى معاني الكلمات واللغة عند الشعوب تتغيرعبر الزمن، فالذي كان قبيحاً بالأمس يمكن ان يكون غير قبيح اليوم أو غداً والعكس صحيح.

 

 

                                                          2

التجارب التاريخية عبر الزمن وان اختلفت، لكن الحضارات تبقى تحتفظ بشخصيتها دون تغيير او تبديل وان اختلف البشر. فالحرية ليست نظرية بل فطرة تولد مع الطفل حين يترك رحم أمه الى ارض الوطن.لذا فالاستقلالية تبقى في النفوس مزروعة كعِرق زيتون اخضر توطن في ارض الوطن.من هنا كانت مواعظ  رجال الدين  ثقيلة على قلوب الناس لانهم ملوا سماعها بلا  حرية وبلا مناقشة تستعيد الأمل، خرافات وسفسطائيات فهي لا تُقبل منهم،  لانها تكرار عقيم لما سلف من الزمن . لذا قال رسول الله(ص) حين دخوله مكة منتصرا على الباطل تنفيذاً لعقيدة القدر، قال:( ايها الناس لا تنقلوا عني غير القرآن حتى لا يختلط كلام الله بكلام البشر، فأنا مثلكم بشر). الا اذا فرضت عليهم فرضا لا عن اقتناع، ساعتها تصبح ضجر. وصدق رسول الله حين استغل الرواة أحاديثه الشريفة لتفريق الامة والبشر. كل الحروب والغزوات اعتداء على البشر، الا اذا كانت دفاع عن الارض والعِرض والمال وقيم البشر.فكل الامبراطوريات والدكتاتوريات زالت  حين اعتدت على السراط المستقيم، فهل فطن الناس الى المنطق والحق والقدر؟

 

في التاريخ عبُر، فكم من مرة تولى الحكم في بلد من بلاد الله رجل فاسد فأستبد بالأمر من دون الله والناس وساقهم بعصاه وصب عليهم سياط  الظلم،  جاريا  وراء مجد شخصي ومدفوعا اليه بغرور غلاب دون نظر،  فأنتهى امره الى ميتة سيئة وضيعَ اهله وكل الاقربين دونما تفكير بالمصير من كدر.فالتاريخ علمنا ان الناس يتعضون بالتجارب الواقعة لا بالمواعظ والعِبر، فالمستبد لا يعرف سوء ما فعل الا وهو على فراش الموت وساعتها لا ينفع الندم.

 

بريق بغداد العظيمة فخر الأمم، كان سبب من اسباب متاعبها عبر الزمن، حين تطلع اليه المغول مادامت بغدادكانت ترسل اشعتها الحضارية الى اركان الارض الاربعة بلا حدود ولا موانع من سفر،  لكن صفوتها او قيادتها حين تصدعت اصبحت بيتا منقسما على نفسه، فتصدع البناء  وتفككت الجدران فطمع الاعداء والرابضين على الحدود بها، والحاسدين حضارة الاجداد لتدميرها، والحسد طباع في النفس الضعيفة لا يقاوم الا بأشباعها فكان القدر .والذي اطمعهم أكثرهو لجوء بعض افراد البيت المتنازعين بينهم على المال والسلطة بالأستعانة بجنود الأرتزاق فكان التدمير والخطر. يومها كان العداء من الداخل، واليوم صاحبهم المغييرون في السفر.فكان الاحتلال والتدمير وسرقة الوطن عن عمد لمن قاد الاعداء الى المقروالوطن،  وهو في ذلٍ لأنه كفر.لكنهم تراهم اليوم في مدينتهم المحصنة المعزولة عن الشعب في خوف وذلٍ ماكان منتظر. فهل كسبوا أم خسروا، انت عزيزي القارىء  الذي تقيم حفرة صقر.

 

ان التجارب التاريخية علمتنا ان الحرية لب الحياة، وهي للجماعات الانسانية كالهواء والضوء والماء للنبات،    وبدونها سيهلك البشر. الحكام يخافون الحرية للاخرين خوفا من تغيير لا تحمد عقباه في حال السلطة والوطن، انهم جهلة لا يعرفون ان سنن الحياة هي في الحرية وتغير القدر وبدونها يبقى المجتمع يسوء وتتوقف عجلة التاريخ في كل شيء حتى يأتي الغرق، فلو دامت لغيرك ما وصلت اليك ياجاهل في النظر، الم تقرأ القرآن حين طغى قوم لوط وكفروا فجاءتهم الصيحة  حتى أستقروا في صقر، يقول الحق :(ونُفخ في الصورفصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله.....الزمر68).. لم ينجوا من الكارثة الا الذين قل حرصهم على الحياة واستهانوا بالمخاطر وانكروا الشر والظلم للبشر، يقول الحق :( ثم نفخ فيه اخرى فأذا هم قوم ينظرون، تكملة الآية). فكتبوا لانفسهم الابتعاد عن الزلل حتى ولو تعرضوا للخطر.لو سألتني هل  خلق الله في التاريخ مثل هذا

 

                                                              3

البشر  ؟ لقلت لك نعم، انهم اهل البيت العظام الذين قال عنهم القرآن، انهم قوم بلا رجس ولا شر ولا حسد ولا جور ولا غدر، انما طهرُ ونفع وتضحية بقدر.

 

هل تعلم اخي القارىء ان جنكيزخان كان من طراز اللا بشرحين جر على نفسه وبلاده الويلات بلا فكر ولا عقل ولا نظر.أما كان على صدام ان يقرأ تاريخه قبل ان يقدم على الاعتداء على البشر؟ انما في الحقيقة كانت طفولة جاوزت مداها في جهل مطبق بلا ثمر. الحقيقة اننا يندر ان نجد جماعة تتقدم من تلقاء نفسها مالم تصاحبها قيادة طموحة وجريئة في القريب والبعيد من النظر.لان العكس هو الذي يوصل القيادة والناس الى المستحيل والخطر.لان كل تحرك تاريخي لا يصحبه تحول حضاري لا يحسب له حساب في التاريخ والقدر.فأ نتقال الحكم من صدام الى المغييرين الجدد دون تغيير في الحقيقة والواقع للوطن والبشر،  يبقى انتقالا للسلطة  من فئة الى اخرى دون تغيير في البشر،  كمن يُنقل من بيت الى بيت دون أثر.هنا اعتبر المؤرخون والعلماءهذا الذي حدث كله عصرا واحدا فيه اكثر من سبب .

 

هده الحقائق ادركها محمد علي باشا الكبيرحين كان واليا على مصرممثلاً للعثمانيين فيها، ففي محاورة جرت بينه وبين احد المماليك، قال احد المماليك لمحمد علي الكبير: ان الدولة لابد ان تكون قوية وحاكمها قوي وعادل، فرد عليه محمد علي، هل تشك بعدالة الحكم وقوته اليوم؟ قال نعم، انت لست بقادر عليه ابدا الا بمساعدتنا في حكم الدولة والبشر، واليوم يكررها البرزاني المتغطرس وخونة الوطن في حضرة المالكي . يومها شعر محمد علي ان المماليك بدأت تتطلع لأنتزاع سلطة الحكم منه دون اعتبار من قيم.، من.يومها اقسم الكبيربعزمه ورجاحة عقله وحبه للوطن،  مع نفسه ومؤيدية سوف لن يبقِ لهم من أثر،  مادام الغرباء يخططون لنتزاع الحكم وتدمير الشعب والوطن.فهل يدرك المالكي حكمة الزمن؟

 

في اليوم الثاني جمع المقربين ومن يساعده في الحكم وطلب منهم ان يبينوا له رأيهم بماقاله  المماليك في السياسة ومستقبل الوطن فهو خطير على الناس والوطن، وبعد مداولات ومناقشات حامية كثيرة ومعمقة أتفق الرأي على تصفية المماليك خدمة للشعب والوطن، فأعد لهم المأدبة الكبرى في قصر القلعة ووضع سيافا على باب الخروج فكل من خرج منهم ضرب عنقة دون ان يعلم من امره احد دون شوشرة من ضجر.وهكدا نجحت الخطة بتصفيتهم وتخليص الدولة والشعب منهم واسدل الستارعليهم وعن ظلمهم وعنفوانهم الكاذب دون تعب من قهر.فسارت الدولة في مسار الظفر.

 

واليوم بمادا يفكر المنتظر العراقي ان كا ن لا يريد الا الاصلاح لحكم الدولة والشعب والوطن، فليترك كل المستشارين ووعاظ السلاطين والقانونيين وسلابة الوطن، وينزع من رأسه المال والسلطة مفسدة اخلاق الرجال المخلصين للوطن ويوطد نفسه على الصحيح والأمل ؟ وينصح الاخرين في الوحدة والتعاضد بعد ان شبع الشعب القهر، وألا ليس امامه من حلٍ الا بأنهاء المماليك الجدد والغطرسة والقهراو ينهي نفسه خاضعا للقدر. وان لم يستطع فعليه ان يتنحى للاخرين دون تعب، فالوطن والشعب ليس ملكا له،  فلا الخطب ولا الكلمات ولا الوعود الفاضية أصبحت تنفع الزمن بعد هذا التعنت والظلم والقهر. لاماء نقي ولا كهرباء ولا أمن ولا أطمئنان  والكل يقتل بقدر.

 .

لا اعتقد هناك من يقف بوجهه اليوم الا التردد، والمتردد عن تنفيذ المهام الوطنية خاسر لايستحق حكم البشر.فهل سيتجرأ على شرب الكأس ويتجرع السُم قبل ان يشربه غدا  غصباً وجبراً من أحد؟ فليفكر العراقي المنتظر بالظروف والاعداء وكل الذين تعودوا على السلطة والمال الحرام دون رادع من ضميروأولهم مستشاريه وخاصته من الذين لا يهمهم الوطن المنتظر.انا شخصيا اعتقد اما يفعلها  

                                                           4

اليوم اوسيموت شرَ ميتة تنتظره في قادم الأيام عبر الزمن، فلا فترة المائة يوم تنفع ولا الالف او المليون مادام الناس اصبحو لايفكرون الا بالمال والسلطة دون رقيب او حسيب من قدر،  لقد فات المعاد وبقين بعاد، فالشمال ينهش ويبني ويستأسد علينا، والجنوب ينهش ويفتقر ويتخلف معنا،  فلم يعد ينفع الانتظار من أحد.فحتى الجبناء أستأسدوا عليك يا عراق القوة والعزيمة والبشر.

 

دعنا  نراك بعيوننا اليوم قبل الغد ايها العراقي المنتظر البطل قبل ان نموت لنصنع لك في قلوبنا تمثال الظفر.ونمسح عار التاريخ حين سقط التمثال ملفوفا بعلم الاخرين في ساحة الاندلس بخيانة قدر. فهو لم يكن تمثال صدام بل تمثال العراقيين الذي نصبه عليهم القدر.

 

                                     والله يهدي الى كل رشاد،

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2156 الثلاثاء 19/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم