أقلام حرة

من رأى الطائفية والعنصرية؟ / عباس العزاوي

مع انه مجرد شرطي جالس خلف جهاز فحص الامتعة في مطار دولة الامارات العربية الشقيقة، ولا علاقة له بالجوزات لانها تدقق في بداية الاستقبال وتوضع تأشيرة الاقامة، فسألته وانا اناوله الجواز، هل اثار لون بشرتي حفيظتك؟ فرد بأبتسامة مريضة، مجرد اجراءات ياأخي! كانت هذه المرة الثانية التي ارى فيها العنصرية العربية الحميمة، كانت الاولى على يد الحرس الوهابي في معسكري الارطاوية ورفحاء في السعودية، ربما يتسائل البعض كيف لنا ان نرى العنصرية وهي كما يسميها اصحاب المنطق مفاهيم ذهنية لاوجود لها في الخارج بمعنى انها ليست مادة ممكن رؤيتها ولا هي بدلة يرتديها الانسان لنقول هذا عنصري، بل هي ممارسة قد تبدو طبيعية وانسانية نشعر بها ونتحسسها مثلها مثل الحب والكراهية! كذلك الامر فيما يخص الطائفية، فانك تشعر بها بمجرد الحديث مع شخص معين لكن غيرك لايشعر بها ولايستطيع رؤيتها. وانا لااقصد من يمارس عنصريته او طائفيته دون وجل او مراعاة لاحد بل من يحاول تغليفها بطريقة ماكرة وخبيثة، وتحت مسميات شتى وهذه اشكالية عويصة، وبالرغم من خضوع اغلب القضايا لوجهات النظر والنسبية الا هذه التهمة جاهزة وسريعة اللتصاق باي شخص !.

 

موضوعي ليس الامارات ولا العرب ولا حتى العالم، ولايقلق تفكيري كثيراً مايحدث فيه رغم تعاطفي وتضامني مع المضطهدين والمقتولين ظلماً وعدواناً في كل مكان، بل موضوعي الاساسي هو العراق ومايحدث فيه، لاني ببساطة لدي مايذهلني عن سماع صراخ الاخرين وبكائهم، ففي بلدي نحيب وألم مستديم، قهر وحيف مقيم، كذب وزور عظيم، حقد ولئم سقيم.

 

الكثير من وسائل الاعلام التي ولدت يوم سقوط الصنم او بعده ! بدأت تكثف الجهود وتركّز بدقة متناهية على كل صغيرة وكبيرة تحدث في العراق، وتراقب تصريحات المسؤولين بشكل دقيق جداً، وربما مجرد كلمة يقولها نائب او وزير، سخرية كانت ام قناعة، مقصودة ام غير مقصودة، يُعقد لاجلها برامج حوارية طويلة عريضة تناقش فيها الابعاد الاستراتيجية الخطيرة للكلمة والتأثيرات السايكلوجية والسسيولجية على النسيج الاجتماعي ومقدار الضرر الناتج عنها في تفتيت الواقع العراقي! ناهيك عن سيل المقالات التي تمطرنا بها الصحف في اليوم التالي،وربما في نفس الليلة، حتى تظن بان لديهم " كليشة " جاهزة يتم أملاء فراغاتها بسرعة لتصبح مقالة شتم وتقريع وتشهير صالحة للنشر، مثال فكرة استنساخ السيد المالكي، او كلمته في أحد لقاءاته "لنجمد الدستور أذن،طالما هم غير راغبين بتطبيقه" فهل كان هذا التصريح، قرار ام طلب ام كان مجرد تسائل؟ المتصيدون وانصاف الحاقدين سيقولون قرار ومحاولة لخلق الدكتاتورية والانصار سيقولون مجرد القاء حجة على الخصوم الذي يبكون الدستور ويريدون تجميده بتوافقاتهم.

 

اختلطت الامورعلينا حتى اصبحنا لانفرق بين من ينتقد للاصلاح ومن ينتقد للتخريب والتشويش ! ومن ينطلق بوحي من طائفيته الحقيرة في الانتقاص من الاخرين وتجريمهم تحت شعار الحرية والصالح العام والعدالة والحقيقة المطلقة، اومن يتحرك بدافع الحفاظ على المنجز العراقي في طريق الخلاص من ربقة الماضي الاليم وشروره، بعض الفضائيات واضحة القبح والطائفية، ففي الكثير من المجازر والفضائح الارهابية وحمامات الدم،تلتزم الصمت وربما تذهب لاثارة مواضيع اخرى لادخل لها بحديث الساعة وفضائيات اخرى تغير اتجاه عقارب الاتهام نحو جهات معينة في الحكومة!

 

قبل ان تتسلم القائمة العراقية وزارة الكهرباء، شعرنا بان العراق سينفجر في صيف 2010 بسبب الحملة الاعلامية الشرسة لاستنهاض الشارع العراقي للاطاحة بالحكومة " الفاشلة "، وبمجرد انتقل الملف الى الايادي البعثية النظيفة!، صمت الاعلام،ولم يعد حر الصيف يقلق المواطن! وحتى وصلنا الى الوزير الحالي انصرفت الانظار عن الملف بشكل شبه تام!! فلماذا؟ ومن يحرك هذا الاعلام ومن يؤجج الشارع العراقي حسبما يشاء؟ والغريب ان اصحاب الشعارات الوطنية من الكتاب صمتوا ايضا صمت القبور ازاء الموضوع!!

 

مجزرة عرس الدجيل ومارافقها من مواقف مخزية، امام صمت اصحاب نظرية الواقعية والموضوعية، هذه الحادثة شطرت الفضائيات والكتاب الى نصفين فاعداء الحكومة ركزوا على الجانب السياسي في القضية وشككوا بحقيقة حدوث الجريمة اصلاً، وجاهدوا في سبيل ايجاد ثغرة واحدة تنخر فكرة الجريمة من اساسها حسب مقتضيات ضمائرهم المدجنة؟ وحيدرهم يقود هذه الجموع لكشف المؤامرة الحكومية ضد فراس الجبوري وعصبته "الابرياء"!! حتى طرده الناس ورهطه شر طرده من الدجيل!! والجانب الاخر بيّن تفاصيل المجزرة ومكان حدوثها،وتم عقد لقاءات وبرامج مصورة مع المتهمين وهم يعترفون بتفاصيل جريمتهم الجبانة.

 

حادثة مجزرة النخيب وضحاياها الذين قتلوا امام رفاقهم، توضح مقدار السفالة والحيوانية التي يمتلكها هؤلاء القتلة، هذه ايضا خضعت لوجهات النظر والاخذ والرد والتهديد والوعيد،حتى وصل الامر بامير الدليم علي حاتم تحدي الحكومة المركزية والتهديد بقطع يد حزب الدعوة ان اقدمت الحكومة على اعتقال المتهمين!! وهو على صواب فلماذا لاتبحث الحكومة عن الجناة في مناطق اخرى؟!!.

 

قضية اخرى اخذت من الاعلام المساحة الاكبر ومازالت تداعياتها تدفع باتجاه اسقاط الحكومة! لان رجال الامن والحرس الوطني وضباط التحقيق والقضاة وحماية المتهم كلهم اتفقوا مع المالكي !! لتشويه سمعة السيد طارق الهاشمي، وابعاده عن مراكز القرار ومن ثم محاكمته! ومع كل القرائن والاعترافات،خضعت المسألة للتسيس! وعندما لم يجدوا مسوغ واحد للدفاع عنه، اتهموا المالكي باخفاء ملفات الجرائم طوال السنين الماضية وخلصوا الى القول ان المالكي شريك معه بسكوته، حتى السيد مسعود البرزاني حوّل فضيحة ايواء رجل متهم بجرائم ارهابيه تحتم مثوله امام القضاء الى معركة مصيرية ضد حكومة المركز من اجل حقوق الكرد!!.

 

 وختاما اقول لكل المنصفين والخيرين واصحاب العقول المتزنة والضمائر الحية من ابناء العراق الذين لم يتورطوا باي شكل من الاشكال بذبح الانسان العراقي سوى بالمدية او بالمفخخة او بالقول اوبالموقف، هل هذه هي ملامح الطائفية المضمرة؟ ام ان الطائفية لها الوان اخرى لاتدركها ابصارنا وعقولنا!.

 

عباس العزاوي

24.6.2012

 


 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2161 الأحد 24/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم