أقلام حرة

شروط جلسة الاستجواب / هيفاء الحسيني

يتحدد بموجب مخرجاته (سلبية كانت ام ايجابية)اتجاهات المسيرة الديمقراطية التي كلّفت العراقيين ثمنا باهضا طال ارواحهم وثرواتهم وحتى ممتلكاتهم الشخصية .

لكن القليل من العراقيين (سياسيين ومواطنين عاديين)، يدرك ان هذه الازمة برغم تداعياتها الآنية، وتأثيراتها السلبية والمباشرة على الحياة اليومية، فانها (في بعد آخر) يمكن ان ترسم ملامح مشرقة، وتؤسس لثقافة ديمقراطية شفافة ومتينة يبنى على اساسها مستقبل العراق السياسي.

وربما يبدو الحديث عن النتائج الايجابية للأزمة السياسية الحالية ضرب في الخيال وانغماس في احلام وردية لا تمت للواقع الحقيقي بصلة، في ظل ما يظهر من تقلبات في بورصة المواقف، وتهافت على التصريحات الاعلامية الرنّانة التي تتباين بين التهديد تارة والترغيب تارة اخرى، والاتجاه نحو التصعيد هنا  والهدوء النسبي هناك ، وانعكاس كل ذلك على أمن المواطن البسيط وقوته اليومي .

لكنه (اي هذا الحديث) يقترب من تحقيق مايمكن ان يوصف بالاحلام اذا ما توفر فيه شرط المصداقية في توجهات السياسيين  على اساس الاستناد الى مباديء الديمقراطية الوليدة التي آمن بها السياسيون، وانخرطوا في بناء مؤسساتها الرئاسية والحكومية والبرلمانية .

والمصداقية التي نعنيها هنا هي تلك التي يكون فيها السياسيون على اختلاف اصطفافاتهم،  صادقين في مواقفهم المعلنة، لا يتأثرون فيها بعواصف الاغراءات التي قد تأتي من هذا الطرف او ذاك، خارجا كان ام داخليا  .

فالسياسي الذي يعمل في قلب الحكومة عليه ان يكون صادقا في دعمه لها، وان يتحلى بالشجاعة الكافية التي تقوده للدفاع عن مواقفها وخططها، وان لا يبقى متأرجحا بين اغراءاتها الوظيفية وبين ما يؤمن به من قناعات قد تتقاطع مع نهجها وتوجهاتها .

والسياسي الآخر الذي يقف في صف المعارضة، عليه ايضا ان يتحلى بالمصداقية الكاملة، وان يكون شجاعا بما يكفي للبقاء ثابتا على موقفه، حتى لو كلّفه ذلك خسارة جميع الاغراءات .    

فالازمة السياسية  وصلت اليوم الى الدعوة لاستجواب رئيس الوزراء نوري المالكي داخل قبة البرلمان، بعد ان اصطدمت محاولة سحب الثقة عنه بجدار رئيس الجمهورية، حينما اعلن ان تواقيع البرلمانيين لم تصل الى النصاب المطلوب .

فهذه الدعوة بحد ذاتها (اذا استندت الى شرط النيّة الصادقة التي ذكرنا) هي ليست معيبة لرئيس الوزراء، ولا تنتقص من كرامته بشيء . بل هي واحدة من ابرز ملامح الشفافية والديمقراطية، و تأسيس صحيح لبناء متين يقيه هزّات وتقلّبات عالم السياسة والسلطة .

فاذا كان السيد نوري المالكي واثقا من اجراءاته التنفيذة التي كفلها له منصبه كرئيس للوزراء، واستطاع عبر عرضه لملفات برنامجه الحكومي ان يقنع ممثلي الشعب بنجاحه في العمل عليها، فان اسهم الرجل سترتفع لا محالة،  وسيتمكن من اسكات كل الاصوات الداعية الى تنحيته او النيل من منجزاته التي حققها عبر سنوات ولايته وحتى الان . وان لم يتمكن من ذلك، فان الاولى بتلك الاصوات ان ترتفع اكثر لتطالب بما ذهبت اليه . وهنا تكون الازمة قد افضت الى الاقتراب من تحقيق ما كان يعد حلما ومحض خيال، لو احسن اللاعبون ادارة دفّتها، وتوفرت فيها قوانين شرف المسؤولية التي منها وليست جميعها:

اولا: ان جلسة الاستجواب لابد ان تستند الى اتهامات محددة بخروقات وظيفية لمهام واضحة كان قد كلف بادارتها رئيس الوزراء . وان يتم الاعداد لورقة بهذه الاتهامات بعيدة عن التعميم، وان لا تخضع لمصالح الكتل والاحزاب على حساب مصلحة المواطن والوطن.

ثانيا: ان يتم تسليم هذه الورقة الى رئيس الوزراء قبل مدة كافية من موعد عقد الجلسة حتى يتمكن من اعداد الدراسات والملفات اللازمة للاجابة عليها بطريقة مهنية لا تخضع للارتجال .

ثالثا: نظرا لتعلق الامر باستجواب هرم السلطة التنفيذية، فانه من الضروري والبديهي ايضا، ان يتم الزام حضور جميع رؤساء الكتل السياسية او من يمثلهم بما يتوافق مع النظام الداخلي لمجلس النواب .

رابعا: ربما تقتضي ضرورات الاستجواب استقدام مسؤولين حكوميين او سياسيين اخرين او رؤساء كتل، للاستماع الى شهاداتهم في قضية محددة، لذا ينبغي توفير الامكانية، لحضور اي طرف يمكن ان يساعد في كشف الحقيقة واظهار جهة التقصير . 

خامسا: لاتاحة الفرصة امام الجميع لعرض آرائهم بمن فيهم رئيس الوزراء الذي ربما يحتاج الى مزيد من الوقت لعرض ملفاته، يمكن  تخصيص اكثر من جلسة للاستجواب اذا اقتضت الضرورة لذلك .

سادسا: ان يدير رئيس البرلمان جلسة الاستجواب بشفافية، وان يعطي لجميع الاطراف الحق في عرض مواقفها دونما انحياز لهذا الطرف او ذاك . وان يتحدث بلغة المصلحة العامة وليس بلغة الكتلة التي ينتمي اليها .

سابعا: ولكي تكتمل قوانين اللعبة الديمقراطية، فان اطلاع العراقيين على المجريات التفصيلية لجلسة الاستجواب، وتفاصيلها ومداخلاتها، لابد ان تكون من خلال جعلها علنية ونقلها مباشرة عبر وسائل الاعلام، وهو مطلب شعبي رئيسي، لكي يتعرف المواطن على مواقف كل الاطراف وارائهم، بعيدا عن الخداع الذي يمكن ان تمارسه بعض الاطراف السياسية لكسب الرأي العام . ولكي يكون المواطن على دراية كاملة بمن يعمل لصالح ارادته، ومن يعمل بالضد منها .

ثامنا: ندعو كل الاطراف وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى كشف جميع الملفات الخفيّة . وان تكون جلسة الاستجواب مناسبة حقيقية لتقديم الاجوبة الواضحة على كل الاسئلة المحيّرة، التي ظلت طيلة سنوات العملية السياسية الجديدة في العراق، بعيدة عن الاجابة، ما يتعلق منها باللذين يقفون عقبة بوجه مسيرة الاصلاح والنمو والتقدم، ويعملون بالضد من مصلحة المواطن، ولحساب مصالحهم الشخصية وجهات اخرى .

تاسعا: اذا التزامت الاطراف السياسية ببعض قوانين شرف المسؤولية التي اشرنا اليها، فانه يصبح للشعب الحق بمطالبة من ينجح في اختبار الاستجواب ، ببناء مسار جديد للعملية السياسية يساعد في دفع عجلة النمو والتطور ويستبعد بلا مجاملة كل اللذين يضعون العصي في طريقها .

عاشرا: ان يصبح استجواب رئيس وزراء الحكومة العراقية (اياً كان)، داخل البرلمان، تقليدا سنويا لا يرتبط بالازمات السياسية، وانما بقانون محدد، يتمكن خلاله المشرّعون وممثلوا الشعب، الاطلاع على سير عمل الحكومة لعام كامل، وتقييم نشاطها، بما يكفل نجاحها في تحقيق وانجاز برنامجها الذي قدمته حين تم انتخابها، وقامت على اساسه .

 وعند ذاك يمكن الاقتراب من تحقيق ما كان حلما وخيالا بعيد المنال .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2162 الاثنين 25/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم