أقلام حرة

رئيس جمهورية مصر بين الولادة وإكراهات الإستمرار / محمد بن امحمد العلوي

بعد انتخابات مثيرة للجدل، بحيث شحذ كل طرف اسلحته من أجل إرغام الآخر على الاندحار الى مربعات ضيقة.  فالمجلس العسكري ومنذ البداية أراد التحكم في موجات المد الشعبي وتوجيهها نحو السهول الدستورية والقانونية،سواء فيما يخص محاكمة مبارك وبعض رموز نظامه بشكل يحفظ ماء وجه المؤسسة العسكرية التي ينتمي لها الرئيس السابق، أو في توجيه دفة الانتخابات التشريعية بصيغة تمتص وهج الحراك الثوري،و في نفس الآن تؤسس  لمنعرجات ومطبات قانونية ودستورية من أجل محاصرة الفائز المتمثل في التيار الاسلامي بشقيه الاخوان والسلفيين.   وفي نفس السياق رسم الحدود غير المتجاوزة من طرف هذا التيار المنظم وذي الطبيعة البرغماتية داخل مجموعات الحراك الثوري المصري،لنصل بعد إنهاكات من الجميع سواء المجلس العسكري المؤتمن على مؤسسات الدولة،أو التيارات الثورية ومن ضمنها الاخوان،لنصل الى الانتخابات الرئاسية وما افرزته من استقطابات قصوى وحدية.هذه الانتخابات التي فاز بها مرشح التيار الاسلامي السيد محمد مرسي الذي وجد نفسه محاصرا بإعلان دستوري مكمل يحد من صلاحيات الرئيس،و كذلك برلمان مقفل الى حين وتمرير صلاحياته التشريعية الى يد المجلس العسكري . وهذا يفرض على الرئيس المدني محمد مرسي تبني خطاب توافقي سواء بين ممثلي القوى الثورية أو داعمي الدولة المدنية مما يؤثر على مستوى خياراته. فلقد كان منصب الرئاسة هو الأهم في النظام السياسي المصري منذ حركة الضباط الاحرار سنة 1952، فمن ضمن أولويات الرئيس مواجهة البطالة  كقضية قومية وأمنية بامتياز،وأيضا النهوض بالاقتصاد في ظل إكراهات داخلية متمثلة في تراجع الاستثمارات الخارجية وتفاقم العجز والدين العام،  وأخرى خارجية تعصف بكل المحاولات لتحجيم تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية.

و هناك أيضا تحدي التعامل مع الشرائح التي لم تقتنع بخطاب الاخوان ومرشحهم الرئاسي محمد مرسي مثل الأقباط  وتيارات صوفية، وقطاع واسع من رجال الأعمال والعاملين في قطاعات السياحة، والبنوك، والعقارات، وقطاع  ما يسمى بالأغلبية الصامتة غير المسيسة .و قد  ألقى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي  أول كلمة له بعد ساعات من إعلانه فائزا بسباق الرئاسة متضمنا إياها رسائل طمأنة إلى كل من يهمه الامر، من تيارات ثورية إلى أقباط ومؤسسات اقتصادية داخلية وخارجية،مرورا بأهالي الشهداء والجهات الامنية متمثلة في المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن وشدد على الهيئة القضائية وعلى بقائها مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية .فالرئيس المدني الاول في تاريخ مصر يؤكد على أنه خادم للجميع بحيث تحلل من جميع التزاماته الحزبية والتنظيمية،سواء على مستوى الحزب أو الجماعة ليبقى على مسافة واحدة من الجميع وذلك لمحاربة الاستبداد السياسي الذي طغى في الفترة الماضية .

 

-2- مسارات الثقة في التدبير

نركز هنا على أن حكومة الدكتور كمال الجنزوري  تم تكليفها بتسيير الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة، والتي نرجح أن تكون ملامحها الجديدة ذات نكهة تكنوقراطية ووجوه سياسية مستقلة تعكس الوجه الجديد للجمهورية الموجودة تحت المراقبة الوثيقة من طرف المجلس العسكري الذي يتولى السلطة التشريعية . وعندما نقرأ ممارسات الاخوان طيلة الفترة الانتقالية سواءعلى مستوى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ومعايير تشكيلها، وكذلك على مستوى تعاملها مع المجلس العسكري بشكل برغماتي مما زعزع ثقة التشكيلات الاخرى في مصداقية الجماعة .هنا يتعين على الرئيس الجديد الذي اصطفت وراءه جل القوى المناهضة لرمز الدولة العميقة، تشكيل حكومة وحده وطنية تضم كافة التيارات السياسية وذلك من أجل بنائه لقاعدة  الثقة مع مختلف التيارات السياسية لفك الحصار الدستوري والقانوني المفروض عليه وتحجيم صلاحياته. 

 فاستمرار الاحتجاجات والاعتصام في ميدان التحرير وتصاعد مفردات الخطاب الثوري الذي نعتبره تكتيكا غايته كسب مساحات مهمة من أجل التفاوض حول الاستقرار وعدم التصادم  المباشر بين المجلس العسكري والمؤسسات الاخرى مع مؤسسة الرئيس المكبلة . فخلفية الرئيس الفكرية إسلامية وخطابه بالضرورة سينهل من هذا النبع،لكن تطبيق الشريعة كما يراه السلفيون سوف يصطدم بواقع المؤسسة الرئاسية المقيدة وواقع التشكيلات السياسية الحاملة لشعارات كونية متمثلة في حقوق المواطنة، ومدنية الدولة، والقيم الديمقراطية إنها تشكيلات مناوئة للتيارات الاسلامية ومتربصة بها من أجل الايقاع بها  والرئيس يحاول كسب ودها في حربه لتأمين مركزه . زد على هذا العامل الجغرافي - الديموغرافي لجمهورية مصر التي تحتم على صانع القرار السياسي والاقتصادي أن يتكيف مع المتغيرات الدولية والطبيعية حتى يبلور نهجا يخدم الدولة والمواطن، فالمواطنة والكرامة والديمقراطية سوف تأخد طريقا وعرا ومحفوفا بالمخاطر ولن يكون تخلي العسكر عن السلطة  مجانا دون التأكيد على دورهم المحوري في صناعة القرار وحمايته . وأيضا تسليم السلطة لمدني يطبعه عدم ثقة بكل تموجاتها وهذا يتطلب وقتا إضافيا من أجل ترسيخ تداول سلمي وكلي للسلطة، إنها إكراهات وضرورات يتعين على رئيس ما بعد الحراك الثوري ل 25 يناير 2011 الخروج بتوافقات استراتيجية من أجل الدولة واستقرارها الذي يهم الخارج والداخل سواء إقليميا أو عالميا. فإدارة شئون مصر سوف تأخذ أبعادا متفاوتة من ناحية الثقة أو تدبير الملفات،بين الرئيس والمجلس العسكري إلى حين الانتهاء من عملية إنتاج الدستور كتابة وإشرافا عليه تأويلا وتطبيقا.

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2165 الخميس 28/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم