أقلام حرة

رسالة مفتوحة الى الدكتور مرسي رئيس جمهورية مصر العربية / عبد الجبار العبيدي

نتمنى ان تكون سهلة ومباركة عليك ولمن حواليك، مهمة ناضلت من أجلها سنين طوال حتى جاءت اليك، جاءت أليك تناديك من وراء الحجرات ان تكون ليس كمن سبقك في حكم الوطن حتى لو فنيت.فالرجال الأفذاذ قادة الاوطان ستبقى تنتظرهم المحن والصعاب من اجل كل الذي سعيت من اجله وتمنيت.شعب مصر الذي عاني الأمرين على مر الزمن من زمرة خانت الله والوطن، يناديك ويصيح بأعلى صوته يا أبن الشرقية أوفي بعهدك لمصر ولا تنقض الأيمان بعد توكيدها حتى لو انتهيت، فالرجال الأوفياء هم الصادقون. فهل ستكون انت كما وعدت لكل المصريين لا لبعضهم كما قلت وأسمعت، فلا تخلف الميعاد ففي الاستقامة والوفاء النجاح ان صممت ووفيت. ونحن منا ندعوا لك من الله العزيز النجاح والتوفيق والثبات.

لم يكن فينا من احد الا وأحتضنته مصر بعلمها وثقافتها، وما من ثورة عربية وطنية الا والسلاح المصري شارك فيها، وما من نصرة الا ورجال مصر اختلطت دمائهم بها، فلمصر تاريخ لن تمحوه السنين ولا قيادات الأفاكين الذي رمتهم خلف ظهرها اليوم في مزابل التاريخ، وهكذا الشعوب سترمي كل الخائنين.

نحن عانينا ما عانى شعب مصر وكنا ننتظر المخاض، لكن الولادة تعسرت وماتت الام والوليد دون ان ينفع الأنقاذ، لكن الرجال الكبار والامهات العظام لن يموتوا وسيبقون ينتجوا لنا كل الكبار.فتاريخنا وتاريخكم توأمان في الزمن والرجال، من عندنا جاءت الشرائع لأور نمو وحمورابي، ومنا جاؤا القادة الكبار سنحاريب وشلمنصر، ومنا ظهرت الكتابة وبأيدينا صنعنا القلم، ومنكم جاءت العلوم والكتابة الهيروغلوفية، هذه هي اصول تاريخنا وفكرنا.لكن القادمين الجدد مع الاسف لا يتميزون بذكاء عربي قوي بعد ان اغرتهم الحياة والمال والسلطة فأضاعوا التاريخ والكتابة والقلم. ووضعوا انفسهم في سيرة لا تليق بهم وكان الاحسن لهم لو كانوا مثل السابقين.

ان من الواجب علينا كمؤرخين ان ننبه الناس الى ضرورة البحث عن حقائق الامور ليتجردوا من الخرافة وليبحثوا دوما عن الحقيقة والحقيقة لا قيمة لها بلا دليل، فالحجة لايسندها الا الدليل. وهم كل يوم يخرجوا علينا بالف كلام منمق بليغ، لكن البلاغة تحتاج لمطابقة الكلام المطلوب بالواقع الملموس، و سيبقى كلامهم دوما لا نعرف منه اي مطلوب. ان غاية العمل هي الحق –ونحن نبحث عنه- ولكن ضاع الحق وضيعونا في وقت وصلت الامم الى اعلى المستويات ونحن لازلنا صفرا على الشمال .اطفالنا تموت، ورجالنا بين سجين ومحروم، ووطنا نهبا للأخرين.

على اية حال نعود للدكتور مرسي فنقول: ان فساد الحكم يرجع الى قيام الدولة على غير الاساس السليم الذي ينبغي ان تقوم عليه نظم الحكم .وهذا هو الذي شغل اذهان المخلصين من المفكرين ولتكن انت منهم، فأجعل الشعب في فكرك . ان كلام ابن خلدون في اعمار الدول انما هو تصور لا حقيقة علمية يمكن أخذها مأخذ الجد، وقد بهرت تلك النظرية العالم في وقته لكن اليوم قد تغيرت الافكار وظهرت حقائق كثيرة بعد بزوغ علم التكنولوجيا الحديثة، لذا نادينا من قبل ان النص القرآني هو ثابت في محتواه متغيير في معناه حسب العصر حتى لايصاب القرآن بنظريات القصور.

الشباب والشيخوخة في حضارات الدولة ما هي الا نتيجة لسوء نظم الحكم وتخلف عقول رجالها، لذا لابد من معرفة العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وان قيام الحكم على غير اساس مقبول من الأمة يؤدي الى انقطاع الصلة الواجبة بينهما، فأذا انقطع نظام الحكم وأهله عن جمهور الناس الذين يحكمونهم أنقطع الحوار الذي لابد منه لتعديل المساراذا انحرف، وأصبح حال النظام كشجرة ماتت جذورها فهي تجف شيئا ً فشيئأ حتى تموت.

انظمة الحكم الغاشمة المستبدة الظالمة التي لا تسمع للحق لا تصنع دول ولا تنمي شعوب، لان العدل اذا فقد بين الناس لا يعم الاستقرار ولا يزداد الرخاء ابدا.وهكذا عندما وضعت اوربا الدساتير والقانون وطبق بين الناس احترم الدستور والقانون طواعية، وها ترى العالم المتحضر اليوم يستشير الناس حتى على تبليط الشوارع فأين نحن منها الآن؟ لقد انتهت نظرية حركة التاريخ الدائرية وحلت محلها حركة التاريخ المنفتحة فهل نحن واعون ؟

انت ليس من رجال الدين المتزمتين وما يشاع عنك من قبل اعداء التحضر بأنك سلفي وانك من اعداء الشيعة فهذا أمر محزن ان لم تنفيه بنفسك امام الجميع. ان بلاغتك في التحدث وحسن محاضرتك وسعة اطلاعك ومتانة خلقك تؤهلك لصفات الاعتدال والعدل لتكون في طليعة رجال الفكر في عصرك المضطرب اليوم.قل امام الجميع سيدي الرئيس :بأنني مسلم أنتمي الى اسلام محمد لا الى اسلام وعاظ السلاطين الذين اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ واسقطوا العقل، لإأنك تعيش في القرن الواحد والعشرين وليس في القرن الثاني الميلادي حين طغى التزمت على العقول فولد لنا كارثة السلفية التي اضاعت القرآن والحق والدين. فالقرآن الكريم دعى الى العلم الواسع في البحث والنظر والتأمل في الكون ودراسة الحقائق بدليل.لكن العلم الذي التزمت به العقول المسلمة الماضية لا يخرج عن نطاق علوم الدين من تفسير وحديث وفقه ولغة، ظناً منهم ان الانصراف الى دراسة ما سوى ذلك انما هو مضيعة للوقت وصرف للانسان عن عبادة الله لكنهم كانوا مخطئين.

توجه سيدي الى الجامعات وثبت قاعدة عندها :ان العلم الطبيعي هو قاعدة العلوم، ونادي بقيام حركة التجربة للوصول الى كل دليل وبرهان أكيد، واطلب من القائمين على الجامعات –وانت منهم- ان يصنفوا العلوم تصنيفا قائما على تحليل المواهب الذهنية والفوائد التي يجنيها الانسان من علمه بالأرض وما فيها من العناية بعلوم الطبيعة القائمة على التجربة والبرهان للوصول الى حقائق الاشياءعن طريق المنطق العلمي و ساعتها ستصل الى العلم الصحيح وهي البداية . وليكن الجزاء للعاملين على قدر المواهب والجهد المبذول ومستوى ذلك الجهد من الدقة وعدمها ونصيب العلم والخبرة في العمل وان تكون للانسان حرية التصرف بعد ان تؤمن على حياة الانسان ورزقة وكفايته وبذلك سترسي نظرية التقدم لتكون اساسا النظر الى التاريخ والعلم واحوال البشر.وبدون هذا التوجه سيكون مضيعة للوقت ولا غيره ابداً.

سيدي الرئيس :ان الافكار الدءوبة الصادقة تفتح ابواب عصر جديد. فأرمي الفلسفة التأملية خلف ظهرك وتمسك بالفلسفة الواقعية فالزمن يجري بعد ان فاتنا الكثير. كن واحدا من قادة الفكر المعاصرين بعد ان وصلت القيادة بأيديكم وسجل لتاريخك الوطني والاسلامي ما سجلته العباقرة والمفكرين لاوطانهم من أمثال جماعة الموسوعيين مثل فولتير ومونتسكيوا وتورجو وجان جاك روسو .فنقطة بداية التحرك الفكري عندهم جميعا كانت ظهور العلم، والقرآن الكريم يدعم هذا التوجه بكل قوة ويقين.

 سيدي الرئيس : أترك الافكار التي تنادي بالمطلقية، لأن اصحابها يعتقدون بأن فكرهم خلاصة العلم ونهاية التجارب، والمطلقية لم نقرأها الا في الكتاب الكريم، لكنها كانت تعني مطلقية العقل والفكر لكل جديد فلم يفهمها الفقهاء ووعاظ السلاطين حينما أخضعوا القرآن للترادف اللغوي الخاطىء ولم يبنوا لنا نظرية في المعرفة الانسانية الى اليوم، مستندين على الهرطلقة ومعادات فكر الأخرين.، باعتبار ان كل ما انتجه الفكر الاخر معادي للاسلام والمسلمين وهنا كانت نهايتها وها انت تراها بعينك دون شاهد من يقين.

 ادعو الى المساواة بحق وحقيقة حسب الكفاءة والجهد والاخلاص، فالشرفاء من القوم المخلصين يدعون الى التعفف والتسامي وحقوق الوطن والاخرين، هؤلاء تمسك بهم وابتعد عن وعاظ السلاطين فهم اعادؤك واعد الشعب دوما وبلا حين. وتبقى العبرة في تاريخ الحكم هو التنفيذ.

كن من المؤمنين بالفكر وحريته وضرورة التقدم على اساسه فهو مصدر كل خير وفضيلة حتى لا يأكلك الوقت والزمان لأن الوقت هو الذي يحرك عجلة التاريخ. ان مجتمعاتنا العربية الاسلامية مريضة اليوم وانها في حاجة الى علاج، وهذا العلاج مكتوب في القرآن وهو الصدق والامانة والعقل والأيمان .انت بفكرك النير وتوجهاتك لكل المصريين كما قلت لا لبعضهم هو الذي يحرك الحضارة وتصنع منه حركة التاريخ.

ان الثورة الجماهيرية المصرية هي التي زعزعت اركان البيت القديم وان لم تهدمه بعد.فتوجه نحو انشاء المؤسسات العلمية الكبرى لتصبح أداة عظيمةالقدرة على تجديد عقل المصريين، واصلح التعليم الثانوي وضع له القوانين، وليكن أهتمامك بالفن والأدب والصناعة والتجارة والانفتاح على الاخرين، وأرمي خلف ظهرك نظريات الحروب نظريات المتخلفين فالقرآن جاء لكل الناس وليس للعرب والمسلمين يقول الحق:(قل اعوذ برب الناس، ملك الناس، آله الناس...) فستكون انت اول من وضع حجر اساس الاسلام الجديد في العصر الحديث. وها نحن لنمنتظرين ؟.


د.عبد الجبار العبيدي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2165 الخميس 28/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم