أقلام حرة

الشيخ عبد العزيز البدري عالماً وشهيداً من اجل الحق / صادق غانم الاسدي

ومن فوق المنابر ابلغ جموع المسلمين بقول الله سبحانه وتعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم  النار) ظل اسمه محفوراً في قلوب الأحرار، كان كريما وأبيا وشجاعاً  لايعرف من الدين إلا ما نور الله قلبه وأيقن بصيرته وتحامد في ابتهاله للمغفرة ومحاربة الظلمة، لم يساير حكومة السلاطين في أي مناسبة، أعتزل لوحدانية الله وشارك بمعوله في تحطيم نعوش الفراعنة والقياصرة والدكتاتوريات، أحب العراق وأهله عاش فقيرا للدين لايملك من الدنيا إلا القليل، وخلف لنا ارثا من فكره ورسالته امتدت أنوارها إلى قيام الساعة، وحد كلمة المسلمين وجمعهم تحت راية الإسلام ووفى ما وعد الله به، أن يقدم نفسه فداءً لسنة رسول الله وأحتسب حياً لم يمت من العقول، فسلاماً عليه يوم ولد ويوم يبعث حياً، أيها الشهيد العزيز لقد قارعت ظلم صدام وأول من بشر بأن حكومة البعث فاسدة ويهودية وستنال من الإسلام والتحق بك كوكب من شهداء الدين والعلم والسائرون على سبل الحق فسلاما عليهم اجميعن ً، ولد الشيخ البدري عام 1929 في مدينة بغداد وكان شغوفاً بالعلم والتعليم تتلمذ على يد كبار مشايخ العراق أمثال  الشيخ الفقيه امجد الزهاوي والشيخ محمد فؤاد الالوسي والشيخ عبد القادر الخطيب والشيخ شاكر البدري وغيرهم، كانت قدرته على الخطابة واضحة من خلال تأثيره على مسامع الناس وبث روح الحماس وأيقظ الشعور الديني والوطني بهم، وتجلى ذلك حين ما اعتلى المنابر ولم يتجاوز العشرين من عمره، وفي عام 1959 كان المد الشيوعي قد اخذ مأخذه، فتصدى لهم على المنابر، فتم وضعه تحت الإقامة الجبرية وصدر العفو العام عن السياسيين في 4  كانون الأول  1961، في احد الأيام كان الشيخ يخطب من على منبر في مسجد (عادلة خاتون) قرب جسر الصرافية في جانب الرصافة فوجئ بدخول عبد السلام عارف رئيس الجمهورية آن ذاك، ولم يكد يأخذ عارف مكانه حتى بدأ الشيخ البدري  بتوجيه كلماته المشهورة الى عارف دون خوف أو تردد (ياعبد السلام طبق الإسلام .. أن تقرتب من الإسلام باعاً تقربنا إليك ذراعاً .. ياعبد السلام القومية لاتصلح لنا ... وحدة الإسلام ملاذنا) وعند انتهاء الخطبة جلس جانبا ولم يبالي الى عبد السلام عارف مما اضطر عارف أن يصافحه ويقول أشكرك على هذه الجرأة، وواصل الشيخ نهجه الشجاع وكلماته الرنانة دون مجاملة ولا توجد فيها أي ريح من الطائفية أو العنصرية كل ما كان يتكلم به عن الوحدة الإسلامية وإقامة الحكم الإسلامي العادل، وذات  يوم في زمن حكومة البعث وأبان حكم الرئيس احمد حسن البكر أعتلى منبر في بغداد مبتدئاً بمقدمته الشهيرة (أعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات حكامنا) ويختم خطبته قائلاً (اللهم ارزقنا دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا من الدعاة الى طاعتك والاقتداء الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، وشهادة في سبيلك)  وبالطبع لم ترق أعمال وتصرفات البدري للنظام السابق وأزلامه، وفي إحدى الليالي وبينما راجعا من المسجد مع صديقه عبد الغني شندالة، انقض عليه أزلام النظام وأخذوه معهم الى بيته وصادروا كل أشرطته المسجلة وكتبه ثم اعتقل وعذب، وبعد فترة عرفت عائلته انه معتقل بسجن قصر النهاية (سيئ الصيت) لتعذيبه واستجوابه من قبل المقبور صدام حسين (المسؤول على الملف الأمني للدولة) مع ناظم كزار مدير الأمن السابق، ويقول احد المعتقلين الذي كان معه في الزنزانة  (لم أرى في حياتي رجلا  بشجاعته داخل المعتقل يعذب ويفقد الوعي ثم يعود الى رشده فيعذب مرة أخرى وهكذا يستمر الحال)، لم يعترف للبعثيين بشرعية ولم يمنحهم تأييدا وكان يصر في التحقيق على أنهم عملاء الاستعمار، وفي احد الأيام شتم ناظم كزار الشيخ البدري، فما كان منه إلا أن رفع يديه ليضرب  ناظم كزار فانهال الجنود على الشيخ البدري بالضرب، فهذه الشجاعة والبطولة لا تتواجد إلا عند الذين يملكون من البصيرة والإيمان والارتباط الروحي مع الله الذي يلهمهم القوة والصبر، والجميع يعرف من هو ناظم كزار المجرم والمتجرد من الصفات الإنسانية والمتفنن بالتعذيب،  ونتيجة التعذيب الوحشي المستمر مع الشيخ البدري تتطلب في كل مرة أن يرسل الى مستشفى الرشيد العسكري لمعالجته وايقاضه ثم يعاد الى الزنزانة للتعذيب مرة أخرى، في حين كان يذكر اسم الله ويقرأ آيات الله من الذكر الحكيم ويتمنى الشهادة ولايأبى أن يفقد أنفاسه في أي لحظة طالما انه يعمل لمرضاة الله والمحافظة على العقيدة الإسلامية، وجات اللحظة الأخيرة التي استقبل بها الموت وهو في اشد عنفوانه وثقته العالية بمبادئه التي عاش ومات عليها، وقد نال الشهادة يوم 26 حزيران 1969 وهو تحت التعذيب ونقل الى مستشفى الرشيد العسكري حيث تم تغسيله وتكفينه  لتغطية الجريمة ووضع في تابوت ألقاه الجنود أمام داره وهربوا،وكانت النية أن يدفن في مدينة سامراء بجوار قبر والده، ألا أن قوات الأمن طوقت المدينة والشوارع المحيطة بها فمنعوا خروج النعش الى سامراء ودفن الى جانب قبر شيخه أمجد الزهاوي في مقبرة (أبو حنيفة  النعمان) في الاعظمية وذلك بعد أن قام أخوه محمد توفيق البدري بكشف جثت الشهيد عند القبر وأمام المشيعون ليروى اثأر التعذيب فصاح المشيعون (الله اكبر والموت للكفرة) الأمر الذي ألقت قوات الأمن على قسم من المشيعون واودعتهم  بالسجون لفترة، يقول حامد الجبوري وزير الدولة والإعلام والشؤون الخارجية لفترات متعاقبة في (شهادته على العصر) أن الرئيس البكر فوجئ بمقتل الشيخ البدري من قبل صدام حسين فعبر عن عدم ارتياحه لهذا العمل الوحشي،، في عام 2000 م كان فريق تنقيب عراقي يقوم بالبحث في مقبرة الاعظمية عن احد أبناء الخليفة العباسي المتوكل بجوار قبر الشهيد البدري وقد ذكر احد أعضاء الفريق أنهم حين ما اقتربوا من قبر الشهيد انكشف الغطاء وتبينت لهم جثته الطاهرة طرية وكأنها دفنت تواً مع أنها قد مرت 31 عاما على دفنها وكان للشهيد البدري مواقف مع علماء الدين في النجف الاشرف وله لقاءات مستمرة مع المرجعية الدينية بتطابق فكره وأهدافه مع مرجعية السيد محسن الحكيم قدس سره وقد اشترك في عدة وفود كلف بمهام خاصة من قبل مرجعية السيد الحكيم، فقد اشترك مرة في الوفد ألعلمائي الإسلامي الذي زار باكستان عام 1966  واشترك أيضا في الوفد ألعلمائي الذي قابل احمد حسن البكر رئيس الجمهورية عام 1968 حيث جرى تسليمه مذكرة تحمل مطالب الأمة الإسلامية في العراق، وترك مجموعة من المؤلفات أهمها (الإسلام بين العلماء والحكام) واتسم هذا الكتاب بالصدق والجرأة والإخلاص وألقى الضوء على المواقف التي اثبت فيها العلماء أنهم حقا ورثة الأنبياء . فحقا أن العلماء هم ورثة الأنبياء في سيرتهم وأعمالهم ولم يغيب ذكراهم الى الأبد .

 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2166 الجمعة 29/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم