أقلام حرة

الأسطورة والفن والفلسفة في بلاد الرافدين / حكمت مهدي جبار

فأنه من جانب لا يخلوا من نظرة فلسفية للكون والوجود وهو يحاكيه ويقلده عبر الفنون التشكيلية من نحت ورسم وفخار وعمارة.ذلك ان وعي الأنسان الرافديني رغم تلك الصفة فأن أساطيره التي صنعها من خلال فنونه القديمة لم تكن  قد نسجت من (1) (خيال لاضابط له، بل سارت في مسارات من (الفكر الخلاق).فعندما تصبح الحقيقة ليست مجرد شيء يرى ويتأمل.بل لمحة خاطفة محملة بعواطف الخوف والأمل والفزع والرغبة، عندئذ يبحث ألأنسان عن الشيء أو الموضوع الذي يمكن أن يرى فيه نوازع نفسه، ويجد في تمثله حلا لمشكلته ومشكلته الأولى الوصول في الوقت نفسه تمثل الوظيفة الأساسية لـ (ألأسطورة).

أن ما انجزه أنسان (فنان) وادي الرافدين في العهود الموغلة في القدم، من اعمال فنية تشكيلية، مازال ذكرها يثير الدهشة والأعجاب وهي موزعة في متاحف العالم في جميع انحاء الأرض،  انما يدل على حصيلة فكر بشري مبدع عبر آلاف السنين، وبقيت مسحته الأسطورية عامل خلود، وليس عامل مرحلة عابرة.حتى لو كان الفكر الأسطوري قكرا لاموضوعيا ولامنطقيا كما ادعى البعض.

ان المتمعن في المنجز الأبداعي العراقي القديم يجد انه لم يكن يكتب له الخلود وتبقى آثاره وأشعاعاته الأبداعية الى هذا اليوم، لو لم يكن يحمل أعلى القيم التعبيرية والجمالية. وبذلك جمع الوعي العراقي بين العمق الفكري ببراءته وعفويته مع انه (أسطوريا) وبين الرؤية التشكيلية الخصبة في خيالها.ولأن أبن وادي الرافدين كان قد عالج في تلك الأزمان العتيقة (2)(قضايا مهمة لاتقل شأنا وخطورة عما كان يشغل الفلسفة الأغريقية والفكر الحديث ) وجسدها عبر منحوتاته ورسوماته وفخارياته .فأنه بالنتيجة كان قريبا جدا من تأسيس أولى لبنات (الفلسفة).

لقد عرف أرسطو الفلسفة :(3) بأنها تفسير ألأشياء بأسبابها أو عللها .أو هي أحد أشكال الوعي الأنساني، تمثل نسقا من المفاهيم العامة عن العالم ومكانة ألأنسان فيه، والأساس النظري لرؤية العالم.وأن الفن هو النشاط الخلاق الذي يفسر أيضا الأشياء بالتأمل والصورة والمحاكاة.فلم تشكل (الأسطورة) عائقا أمام تدفق الفكر الفلسفي العراقي القديم .   

صحيح ان السمة (ألأسطورية) هي التي هيمنت على الفكر والفن العراقي القديم.وكان يقدم بأطار بدائي .ولكنه من جانب كان محاولة لتفسير العالم . ولأن تلك محاولة فكرية عبر (الفن) فأنها لابد من أن تكون (فلسفية).وذلك يدعونا ان نطلق على ذلك المنجز ألأبداعي، بأنه فن حمل هوية انسان (وادي الرافدين).مؤسسا لـ (فلسفة فن) لو لم تكن فاعلة في تأريخ البشرية، لم يلجها مفكرون وعلماء وفنانون وباحثون كبار.

 

.......................

1 – الأسطورة – الموسوعة الصغيرة – 54- الدكتورة – نبيلة أبراهيم – 1979- بغداد –

2 – مقدمة في أدب العراق القديم – طه باقر – 1986 –

3 – المعجم الفلسفي الروسي – موسكو – 1986. 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2166 الجمعة 29/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم