أقلام حرة

جامعة الدول العربية في موت سريري / فوزي يونس حديد

بل إن حالتها خطيرة جدا وقد تزداد خطورة في الأيام القادمة إذا لم يسيطر الأطباء على النزيف الحاد الذي حصل أثناء ارتطامها بجدار الشعوب العربية.

جامعة الدول العربية تأسست قبل ستين عاما وها هي اليوم تحتضر، لم يكن لها دور فعال في أي من الأحداث التي حصلت خلال هذه الفترة الطويلة جدا، لم تستطع أن تتخذ قرارا موحدا ولا أن تتدخل تدخلا سريعا مفيدا، كل ما في الأمر كان تدخلها يغلب عليه الاحتشام والحياء، وسرعان ما تندسّ وراء خيوط هي أوهى من خيوط العنبكوت، تنظر من الشرفات وكأن الأمر لا يعنيها، وتنتظر ضوءا أخضر من أمريكا لكي تصدر قرارات عشوائية غير مدروسة، وتسبح في بحر من الأوهام والشكوك والاتهامات التي لا مبرر لها سوى أنها تسير في الظلام.

ويبدو أن الدول العربية التي بدأت تهتم كل واحدة بما يجري داخلها، لم يعد لديها اهتمام بما يسمى جامعة الدول العربية بل إن كثيرا منها يعتقد أن الاجتماعات التي تمت وتوقفت ثم استؤنفت ثم توقفت تدريجيا لم تكن سوى بروتوكولات وشكليات لا فائدة مرجوة منها، فيستقبل الرئيس الذي تقع القمة في دولته الرؤساء والملوك ويعقدون جلسات جماعية ومنفردة وكأن على رؤوسهم الطير، وإذا بهم ينفض سامرهم على اختلافات عميقة أكثر مما كانت حتى إن بعض الرؤساء لا يحضرون هذه الجلسات لأنها فارغة المضمون.

والآن وبعد الثورات العربية والحالة التي عليها سوريا، ما عساها أن تفعل؟ جامعة الدول العربية كالرجل المريض الذي لا يرجى برؤه ومن كانت هذه حاله ما حكمه؟

حكمه في الشرع أن يأخذ بالرخص، وهاهي الجامعة يبدو أنها تأخذ بذلك ولكن ممّن تأتيها الرخص؟ طبعا من أوروبا وأمريكا.. وهكذا تظل لا تحل مشاكلها بنفسها إلا بعد أن تأذن لها الدول الكبرى وإلا لماذا لم تستطع أن تحل مشكلة فلسطين التي تئن وتصرخ في وجوههم كل يوم أنقذوني، ينهشها الاحتلال كل يوم وهم يرونها رأي العين ولا يستطيعون التدخل وإيقاف جشع وطمع اليهود المحتلين.

واليوم سوريا بلد عربي أليس كذلك؟ وقبله كانت ليبيا احترقت بالكامل وبإذن من العرب وبمبادرة من العرب فهل جلبت تلك الحرب الأطلسية الحرية للشعب الليبي أم أنها أدخلته في دوامة الحرب الأهلية والطائفية والدينية؟ بل إن ليبيا اليوم ما زالت تحترق وتئن وها هي في مرمى المحكمة الجنائية الدولية التي تعرّض فريقها للاختطاف ويرفض المختطفون الإفراج عنه إلا بعد أن يدلي للمسلحين بمعلومات، والجامعة ماذا تفعل؟ هل تستطيع التدخل؟

وها هي سوريا التالية وبتحريض من جامعة الدول العربية جعلتها كالرميم، ومزقت وحدتها وفرضت الفوضى عليها وجعلت حدودها مكشوفة بعد أن كانت آمنة وتركتها للذئاب يفترسون كلّ جميل ويدوسون كل فضيل ويدمرون كل ما بني خلال سنينن، أهذه هي الحرية والكرامة أم هي الفوضى الخلاقة، أم هي الكارثة والقيامة؟

إن جامعة الدول العربية مع الأسف الشديد لم تحقق للعرب سوى الخزي والعار، والحروب والدمار، تبذر الأموال في سفرات لا فائدة منها، ولا تملك من الشخصيات سوى الهزيلة التي لا ناقة لها ولا جمل، هيبتها اهتزت وأصبح يهزأ منها الصغير قبل الكبير بل أصبحت مكشوفة للجميع تعرّت وظهرت سوأتها ولم تعد زينتها المزيفة تجذب الناظرين بل أصبحت تلف نفسها بصور البؤس والفزع والدمار والخراب.

من ينقذ الجامعة؟ فهي في موت سريري، ربما تموت في أي لحظة وتدفن مع الموتى في المقابر في أي لحظة من الزمن، وربما تظل كذلك لوقت طويل.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2166 الجمعة 29/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم