أقلام حرة

وظلم ذوي القربى / صالح الطائي

ونظمها وألقاها يوم الأربعاء المصادف 20/6/2012 بمناسبة ذكرى اختطافي)

 

بعد أن قام الحاقدون المتطرفون المنحرفون بتفجير قبة مرقد الإمامين الطاهرين علي الهادي والحسن العسكري عليهما سلام الله ورضوانه ليشعلا نار الفتنة بين العراقيين عمت البلاد حالة من الفوضى الدموية من أعمال الثأر والثأر المقابل، وجرت دماء الأبرياء في طرقات العراق رخيصة بلا ثمن، مصحوبة بالتفجير والتخريب والحرق والتدمير والخطف والتهجير لمجرد أن هذا العراقي من تلك الفئة وذاك من هذه.

وفي غفلة من الزمن وسذاجة وطيبة مني طالني شر الطغاة وحقدهم فخطفت وتحولت إلى مشروع استشهاد ينتظر حدة نزق الخاطفين ليصدر حكم ذبحه بمنشار أعمى كما كانوا يتهددونه في كل حين. وبقيت على مدى ثلاثة عشر يوما أرقب لحظة الذبح التي كنت أعدها لحظة التحرر من قيد الجنون والعمى، ولا ادري متى تحين أفي صباح أم مساء لأني على مدى تلك الأيام السوداء لم أكن أعرف ليلي من نهاري بعد أن أغلقوا عيوني برباط من القماش والشريط اللاصق الأسود ووضعوا في أذني قطع الإسفنج وغطوهما باللاصق وربطوا يدي إلى الخلف وقيدوا قدمي بالجامعات فأصبحت معزولا بالكامل عن أي إحساس إلا بإحساس المذلة التي سببها ظلم ذوي القربى من العراقيين بأخ لهم في الدين والمعتقد والوطن والقومية لمجرد أن تفكيره المسالم يختلف عن تفكيرهم العدواني الدموي الهمجي المجنون.

ولأن الله سبحانه يقول في كتابه العزيز {لكل أجل كتاب} فالظاهر أن أجلي لم يكن قد حان بعد رغم تشددهم ورغبتهم الجامحة في تنفيذ وعودهم الحيوانية القذرة ليرقصوا على جريان دمي، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يعتور مشاريعهم الخلل وأن أتحرر من قبضتهم الدموية المجرمة بعد الساعة التاسعة ليلا وبشكل إعجازي خارق لا يمكن تصديقه لكونه أسطوري المسير والسرد والبناء والحبكة، وأن يقعوا هم في فخ أفعالهم القذرة وأسر حقارتهم الدنيئة.

وبين لحظة عبودية ولحظة حرية شاءت إرادة الله لي أنا الذي كنت محبوسا في حمام طيلة ثلاثة عشر يوما أن أجلس على كرسي وثير في غرفة مكيفة تحيط بي حماية وطنية من الشرطة العراقية البطلة، لأتنفس الصعداء وأنا انظر إليهم أمامي مكبلين بالأصفاد وهم مهانون محتقرون بعد أن كانوا قبل دقائق معدودات أسودا ضارية يتهددوني بالموت والذبح والحرق حيا. والشهادة لله أن قوات الشرطة التي حررتني وألقت القبض عليهم بعمل معجز خارق لنواميس الطبيعة ومخالف لقانون الاحتمال بالكامل لم تعاملهم بعشر معشار ما عاملوني به خلال مدة الاختطاف، ومنذ اللحظة التي امسكوهم بها بالجرم المشهود ولغاية صباح اليوم الثاني كانوا يعاملونهم بعدالة كنت أحسدهم عليها وأتمنى أن يتعلمونها ويمارسونها في حياتهم.

وفي صباح اليوم الثاني بعد أن أوصلني رجال الشرطة إلى بيتي وجدته فارغا لأن الإرهابيين هجّروا أهلي وعائلتي وطردوهم من المحلة التي عشنا فيها عمرا متآخين فاضطررت للذهاب إلى بيت أختي وعلمت منهم أن عائلتي ذهبت إلى محافظة أخرى لكي لا تشترك بأعمال الجنون بالرغم منها.

ومرت أيام  ثقيلة بطيئة مشوشة كنت أتلقى خلالها العلاج لأكثر من جرح وإصابة. وبعد أن شفيت جراح جسدي وخف ألم جراح روحي . وبعد أن أجريت العمليات المتكررة لعيوني التي تضررت كثيرا. وأخيرا بعد أن اجتمعت بعائلتي وأولادي وأحفادي.

بعد كل هذا جلست أفكر بكل ما حدث باحثا عن علاج لجراح روحي التي لما تندمل بعد، أسأل نفسي عن السبب الذي دفع جاري وصديقي وقريبي العراقي لاختطافي وإهانتي وإذلالي وتعذيبي وتهديدي بالموت في كل لحظة؟ أسأل نفسي لماذا يتحول الإنسان هذا الكائن المكرم إلى حيوان مفترس ضاري حتى دون أن يعرف السبب؟ أسأل نفسي لماذا يسمح الإنسان هذا الكائن الغريب لنفسه أن يتحول إلى مسخ دون مستوى القرود والديدان انحطاطا لمجرد أنه يعتقد بمعتقد جعله يحصر الطريق إلى الله بمنفذ واحد أضيق من سم الخياط؟

وحينما أعياني الجواب قمت وتوضأت ووقفت بين يدي الله تعالى أصلي شكرا وحمدا. ثم بعد أن أتممت صلاتي رفعت يدي أدعوا بالسلامة لعائلتي وللعراقيين الشرفاء الذين لم يلوثوا أيديهم بدم عراقي بريء، ورفعت يدي أعلى وأعلى أسأل الله أن يسامح هؤلاء الصبيان الجهلاء الذين صادروا حريتي وأجروا دموع عائلتي وغربوني عن داري، أسأل الله تعالى أن يتجاوز عنهم لأنهم مجانين لا يعرفون ما كانوا يعملون وأي أثر يتركون.

وحينها فقط شعرت أن جراح روحي شفيت بالكامل والتأمت وتوقف نزفها.

وفي مقري الجديد، المحافظة التي لم أكن أعرف بها أحدا من قبل تعرفت على مجموعة من المثقفين والكتاب والمفكرين والنبلاء والطيبين والعقلاء والمؤمنين، فعوضوني عن غربتي بالمحبة وأشعروني بعراقيتي بالترحيب، وأروني الوجه المشرق للعراقية الحقيقية التي كدنا نفقدها وبتنا نفتقدها، ومن هؤلاء كان الأستاذ الدكتور محمد تقي جون الذي قال مستذكرا مناسبة تحريري: 

 

تنثّ الحروفُ على وجنتيكَ

فتجمعها (جملة) تقتنى

بسيطاً كما (ألفباء) اللغات

ولكنْ تفوقُ الذي دُوِّنا

كمرآتنا.. إذ نرانا (بها)

ووجهُكَ أنصعُ منها سنى

وتغرق في الناس إلا وميضاً

كنجمٍ يحدِّقُ ليلا بنا

(فهم) أشبهوك على هيئة

وما أشبهوك علا أو ثنا

ويا (صالحاً) تم فيه الصلاح

وشمتُ به الطيب مستوطنا

أتيتَ إلى واسطٍ موهنا

فحلَّتْ بها يقظة موهنا

وفزَّ بها بعد أمسٍ ثقيلٍ

غدٌ.. فعدتْ تستحث المنى

وأنت ذرى مجدها (السيكونُ)

بما قد بنيتَ وتعلي البنا

فيا ابنها إذ تضمك أمَّاً

ويا أيها (الواسطيُّ الأنا)

وأنت علوتَ رقابَ الكلام

وتعلو بما قلته الألسنا

 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2167 السبت 30/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم