أقلام حرة

الثقة منحا وسحبا .. بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب؟ / مصطفى الأدهم

في سياق "الحرب الدستورية" التي يخوضها معسكرا "اربيل" و"المالكي"، حيث عمل المعسكر الأول على سحب الثقة من رئيس المعسكر الثاني، السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء، فكانت "صولة" سحب الثقة وفقا للمادة (61) من الدستور؛ عبر رئيس الجمهورية (1)، ولم يكتب لها النجاح لأسباب "رياضية" - دستورية، واخرى "سياسية" خاصة برأي رئيس الجمهورية، شرحها مستفيضا في البيان الذي نشره في هذا الخصوص (2) وفي الرسالة التي سربت الى الإعلام (3). 

 

اليوم سنخوض فيما سمي خطأ على لسان النواب، والساسة، والإعلام والأقلام بـ"عملية سحب الثقة عن رئيس مجلس النواب". 

في الحقيقة، لا يوجد شيء في الأعراف الديمقراطية يسمى بعملية "منح" أو "سحب" الثقة عن رئيس مجلس النواب.. بغض النظر عن شاغل المنصب. فالثقة حتى تسحب لا بد أن تمنح. هذا هو الأصل، ومنطق الأشياء. 

عليه، يكون السؤال، هل منحت الثقة لرئيس مجلس النواب حتى تسحب منه اليوم؟

ومن هي الجهات التي تمنح الثقة وفقا للأعراف الديمقراطية؟

للإجابة على السؤال الأول، لا بد من الأجابة على السؤال الثاني. 

 

ـ أن الشعب هو مصدر السلطات وشرعيتها. بمعنى أنه صاحب الشرعية والسلطة، يسبغ الإولى على من يشاء لينوب عنه في ممارسة الثانية وفقا للدستور والقانون.

من هنا، يحكم القضاة بأسم الشعب خلال ممارستهم لسلطتهم القضائية.

ويمارس مجلس النواب المؤسسة، والنواب الأفراد والجماعات، صلاحياتهم الدستورية كسلطة تشريعية، وجهة رقابية من خلال وكالة الشعب لهم عبر الإنتخاب.

وهم من ينوب عن الشعب في التشريع والرقابة.. وبعد؛ في أنتخاب رؤساء واعضاء السلطة التنفيذية، كرئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابهمها، والكابينة الوزارية.. ومن خلال تفويض الشعب هذا يمنح النائب والنواب "الثقة" إلى رئيس مجلس الوزراء وحكومته، بعد أن يقرأ برنامجه الوزاري ويعرض تشكيلته الوزارية على المجلس.. ومن خلال تفويض الشعب يمكن ايضا للنواب سحب هذه الثقة عن الحكومة، ورئيسها والوزراء وفقا للسياق الدستوري والقانوني الذي بيناه سابقا في وقفات سابقة عن المادة (61) من الدستور ذات الصلة. 

 

عليه، نستنتج مما سبق بأن الثقة لا تمنح لرئيس الوزراء بشكل منفرد كما يحصل مع الوزراء.

فلا مجلس النواب ولا أي من النواب قد صوت على شخص رئيس مجلس الوزراء كي يمنحه الثقة.. بمعنى أنه لم يقف أحد ما ليذيع أسم رئيس الوزراء على أعضاء مجلس النواب، ومن ثم يدعوهم للتصويت عليه كرئيس لمجلس الوزراء، فيصوت النواب بنعم أو لا.

رئيس الوزراء يسمى من قبل رئيس الجمهورية، ومن ثم يعرض وزارته ويقرأ برنامجها ويصوت المجلس على البرنامج ومن ثم على الوزراء عندما يقرأ رئيس الوزراء المكلف اسمائهم على المجلس الذي يصوت أعضائه بمنح الثقة لهم من عدمه.. وبعد هذه العملية تعتبر حكومة رئيس الوزراء حائزة للثقة ويتحول من رئيس وزراء مكلف إلى رئيس لمجلس الوزراء. 

من هنا، يمكننا أختصار الأمر بالصياغة التالية "أن رئيس الوزراء يصوت عليه ضمنا من قبل أعضاء مجلس النواب عندما يصوتون على برنامجه الحكومي ومن ثم على أعضاء حكومته، وهذا مغزى الثقة". 

 

وبالعودة إلى سؤالنا الثاني: هل منحت الثقة لرئيس مجلس النواب حتى تسحب منه اليوم؟

الجواب، كلا. لم يتم منح الثقة لرئيس مجلس النواب أو نوابه، لا من قبل الشعب، ولا من قبل البرلمان مجتمعا، ولا من قبل نواب الشعب فرادا أو زرافات.

 

لذلك، فأن ما كرره الساسة والنواب من خطأ واجتره الاعلام في وصف محاولة اقالة رئيس مجلس النواب بـ"محاولة لسحب الثقة عنه" يعد خطأ فادحا في السياق الديمقراطي، يظهر الأمية الديمقراطية الذي يرتع في ظلماتها نواب الشعب الذين يفترض أنهم "أهل اختصاص"..

وعملية الـ "Copy & Paste" التي قام بها أعضاء السلطة التنفيذية والإعلام لخطأ الأمية الديمقراطية لبعض أعضاء مجلس النواب.. استدعت هذه الوقفة التصحيحية. لتصحيح المفاهيم الديمقراطية، خصوصا وان الساحة العراقية تشهد عملية "فوضى مصطلحات خلاقة" - منذ عام 2003 فالكل يفسر ويرمي المصطلحات على مزاجه.. دون أن يكلف نفسه عناء البحث والنتقيب والقراءة أو الإستشارة.. 

 

ختاما، ينص النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي في المادة (12 / ثانيا) على التالي:

"لمجلس النواب اقالة أي عضو من هيئة رئاسته وفقا للقانون". (4). وهو ما يتوافق مع نص الدستوري للمادة (49 / خامسا) القائل:

"يقوم مجلس النواب بسن قانون يعالج حالات استبدال اعضائه عند الإستقالة أو الإقالة أو الوفاة". (5).

وهيئة رئاسة مجلس النواب مكونة من رئيس المجلس والنائب الأول والنائب الثاني، بحسب نص المادة (8 / ثانيا) من نظام المجلس. (6). 

 

الخلاصة:

أن الثقة تمنح وتسحب من رئيس مجلس الوزراء والوزراء. وفيما يخص رئيس الجمهورية تسمى العملية بعملية "اعفاء" رئيس الجمهورية من منصبه وهي مفصلة في المادة (61) من الدستور. (7). 

عليه، لا أساس من الصحة لما ورد على لسان النواب، والساسة، والإعلام والأقلام لما يسمى بعملية "سحب الثقة عن رئيس مجلس النواب". والصحيح هو عملية "اقالة رئيس مجلس النواب". 

 

 

مصطفى الأدهم 

30.06.2012

..................................

- المصادر:

(2):

http://www.iraqipresidency.net/news_detial.php?language=arabic&;;id=12110&type=news

(3):

http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=18324

النظام الداخلي مجلس النواب، الموقع الرسمي لمجلس النواب العراقي:

(4). (6).

http://parliament.iq/Iraqi_Council_of_Representatives.php?name=singal9asdasdas9dasda8w9wervw8vw854wvw5w0v98457475v38937456033t64tg34t64gi4dow7wnf4w4y4t386b5w6576i75page&;pa=showpage&pid=2

دستور جمهورية العراق لعام 2005 م، الموقع الرسمي للسلطة القضائية العراقية:

(1). (5). (7).

http://iraqja.iq/view.77/

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2169 الأثنين 02/ 07 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم