أقلام حرة

آخر خرافات العراقيين! / قاسم حسين صالح

  ولكي تتحول الخرافة الى شائعة تنتشر بين الناس، فانه يجب ان تتوافر فيها ثلاثة شروط: استثنائية الحدث، وغموض المصدر، وجمهور يتقبلها.

 والحدث هنا كان معجزة..اذ لا نعرف في التاريخ طفلا كلّم الناس في المهد سوى النبي عيسى (ع). والمصدر غامض..فقسم يؤكد ان الطفل ولّد في مدينة الصدر ومات بعد ان نطق التحذير، وآخر يؤكد انه ولّد في كربلاء ومات بعد ساعتين، وثالث يجزم انه ولّد في محافظة النجف وعاش يومين..وأن والد الطفل اسرع مرعوبا الى رجل دين له علم بلغات الغيب وفسّر كلام الطفل بأن عاصفة ترابية ستهب على النجف ولن ينجو منها الأطفال الا من يحنّي أهله رأسه بالحنّاء.

 ولأن العراقيين من اكثر الشعوب ايمانا بالخرافات، فان خرافة الطفل انتشرت بينهم انتشار النار في زرع يابس..ولاحظ ان جمهورها الأول كان شعبيا دينيا(مدن الصدر وكربلاء والنجف).. ثم انتشرت الى المحافظات الأخرى.واللافت انها انتشرت في قطاعات اخرى.فبحسب جريدة المدى (العدد 2389في 21/5/12) "ان الأمر تطور ليصل الى دور العبادة، وعلم الفلك ويأخذ جوانب اقتصادية وثقافية واجتماعية".وأنها "افرغت العراق من الحنّاء وجعلت ايران تتهيأ لا رسال شاحنات حنّاء الى العراق"بحسب الكاتب أحمد عبد الحسين..وأن سعر الكيس الواحد منه قفز من ألفي دينار الى خمسة آلاف دينار، وان أسواق الحلة نفدت من الحنّاء..وفقا لتقرير صحفي من بابل اعده ساجدة ناهي وحيدر الحيدري.

 وبحسب تقارير صحفية واعلامية فان العوائل الشعبية في بغداد وعدد من مدن الوسط والجنوب راحت تتسابق على شراء الحنّاء.بل ان عددا من المدارس استقبلت تلامذتها ورؤوسهم ملطخة بالحناء!.والمفارقة ان الآباء الذين كانوا يسخرون من هذه الخرافة رضخوا لطلب زوجاتهم واشتروا لهن الحناء..وبعضهم أحنى راسه لزوجته لتخضبه بـ (الحنه) رغم استسخافه للموضوع ويقينه بأن لا علاقة للحنّاء بقتل فيروس وباء!.

 ويعزو العراقيون المصدقون بهذه الخرافة الى انها علامة من علامات قرب قيام الساعة!، فيما يربطها آخرون بالهزات الأرضية التي ضربت مناطق بمحافظتي واسط وميسان، وما شهدته محافظتا بابل والنجف من عواصف ترابية تخضبت فيها السماء بالوان مخيفة في عزّ الظهيرة.

 غير ان عراقيين آخرين عزو هذا الأمر لأسباب اقتصادية..بأن هنالك عقلا تجاريا شيطانيا ذكيا (اخترع) هذه الخرافة لتصريف بضاعة كاسدة.ولهذه الحادثة سابقة، فقد شاعت زمن ظهور انفلونزا الخنازير خرافة تقول ان (الماش) يشفي منها..ونفد الماش في حينها كما نفد الآن..الحنّاء الكاسد من سنوات!.

 ومع ان هذا السبب وارد ويدلل على وجود عقلين عراقيين:أحدهما ذكي..بارع في الشيطنة، والآخر ساذج ومفرط في الطيبة، فان أحد أهم اسباب شيوع الخرافة هو ان الناس يعيشون حالة التطير في أوقات الأزمات السياسية.والتطير هو طريقة او اسلوب في التفكير يتعلق بما سيقع للفرد من احداث.ومع ان البعد الزمني للتطير هو المستقبل فان تاثيره في السلوك يظهر في الحاضر .فاذا توقعت ان صديقك الحميم الغائب عنك عشر سنين سيأتي غدا،  فان مزاج الفرح يظهر عليك اليوم، واذا توقعت أن صديقك الراقد في المستشفى سيموت غدا..فان انفعال الحزن يظهر عليك اليوم .بهذا المعنى فان التطير حالة سيكولوجية خالصة مضمونها الرئيس هو القلق الناجم عن احتمالات متناقضة واحيانا حادة، بين خوف من شرّ مرتقب وبين انفراج آت..ولهذا تتحكم بالمتطير سيكولوجيا التناقض الوجداني بين التشاؤم والتفاؤل..وهذه هي الحال التي يعيشها العراقيون من تسع سنين..وسيظلون ينفسّون عن انفسهم بخرافة كلما عصرهم السياسيون بأزمات بعضها ينتجها عقل سياسي شيطاني كعقل تاجر الماش والحنّاء!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2169 الأثنين 02/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم