أقلام حرة

القوّة الناعمة .. سحْرها وتأثيرها / جواد كاظم غلوم

فالآلة العسكرية والذراع العسكري لم تعد وسيلة مثيرة للاعجاب والزهو والبطولة، فقد تعددت وسائل السيطرة والهيمنة وتنوعت اشكالها حتى وصل الامر الاستعانة بالادب والفن والرياضة والموسيقى وغيرها من النشاطات الابداعية  باعتبارها اهم وسائل السيطرة وبسط النفوذ وهذا مايسمى في المصطلحات السياسية الحديثة ب"القوّة الناعمة" التي أخذت منحى واسعا ومارست تأثيرا كبيرا على الشعوب  التي وقعت أسيرة هذه القوة

بالمقابل انحسر تأثير" القوة الصلبة " بأداتها العسكرية المدمرة رغم ان القوتين تشتركان في هدف واحد يتمثّل بالسيطرة وبسط النفوذ والتسلط والهيمنة

ولو عدنا الى الوراء وتوغلنا قليلا في التاريخ نرى ان "أثينا" كانت السبّاقة في استخدام القوة الناعمة فالاغريق اول من استخدم الفن والادب والرياضة في إظهار الحضارة الاغريقية  ضوءا ساطعا بين الشعوب المجاورة من خلال الملاحم العظيمة التي ابهرت العالم واتساع الفكر الفلسفي التي دانت رقاب الشعوب له، ونمو وتطور المسرح والنحت والالعاب الرياضية الاولمبية التي كانت تقام  بصورة دورية منتظمة والعروض المسرحية الكبيرة التي شهدها مسرح الاكروبولس في عاصمة بلاد الاغريق ومن ثم انتشاره في بقية اصقاع المعمورة حتى العهد الروماني بحيث صار الاغريق "المستعمِر الاكبر" لمعظم الاجناس البشرية في تلك الحقبة ومابعدها نتيجة التأثيرات الواضحة المعالم التي ظهرت للعيان الى الوقت الحاضر؛ وعلى العكس من "إسبارطة" شقيقتها الشقيّة العاقّة التي امتهنت القوة الصلبة وجيّشت جندها وقوتها العسكرية وكان السيف شعارها الرئيس وأداتها في بسط النفوذ ولكنها لم تنجح النجاح التي حظيت به أثينا

وليس بعيدا عمّا عايشناه في وطننا العربي فقد لمع نجم مصر عاليا منذ مطلع القرن الماضي والعقود اللاحقة وزهت بفنّها وأدبها فأسرت قلوبنا وصدحت حناجر مطربيها الكبار وكانت بحق أنموذج القوة الناعمة التي احتلت كياننا الروحي والعقلي سنوات طوال وتعلقت نفوسنا بمؤلفات العمالقة من كتّابها وشعرائها ومبدعيها الذين أثّروا فينا أيما تأثير وكانوا بحق مدرسة قومية للشباب العربي المتطلع الى الوحدة تحت خيمة العروبة تأثرا بالفكر الاشتراكي الواسع النفوذ وقتذاك وتطعيمه وتلوينه بالصبغة العربية فكان ان ظهرت الاشتراكية العربية التي نادى بها الناصريون وبدا تاثيرها الواضح على الشباب العربي

وفي العصر الحالي الذي نعيشه بدأت تبرز القوى الناعمة بكل وضوح، فعلى سبيل المثال لاالحصر اكتسحت المسلسلات الاجنبية المدبلجة للغةِ العربية وأحيانا باللهجات المحلية وأخذت تغزو اسواقنا الثقافية وقنواتنا التلفزيونية وخاصة المسلسلات الايرانية والتركية وتستحوذ على عقول وقلوب الشباب والفتية واغلب العوائل تترقب مواعيد عرضها على الشاشة والهدف منها تجاري وفكري في آن واحد . ولاننسى سطوع نجم القوى الناعمة في الخليج العربي وبروز هائل للقنوات التلفزيونية بعد تأسيس مدينة دبي للاعلام في الامارات العربية المتحدة وانبثاق قناة الجزيرة في قطر ومجموعة قنوات "mbc" التي أخذت تستقطب عقول وقلوب العرب وغير العرب باعتبارها من أمضى الاسلحة الناعمة وأقواها لاسيما اذا تعززت بنمو القوة الاقتصادية الضخمة لدول الخليج العربي التي احسنت استخدام تلك القوة والاستفادة من الموارد النفطية لايجاد ارضية صلدة لترسيخ الاعلام المؤثر ناهيك عن الهدف التجاري المربح لهذه القنوات، كمن يضرب عصفورين بحجر واحد

فبدلاً من ان تزرع حقل ألغام امام عدوك

جرّبْ مرة ان تزرع حقل أنغام لتغرقه بغنائك

ويأتيك جذلا فتأسره

 

جواد كاظم غلوم

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2172 الخميس 05/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم