أقلام حرة

اغتيال إحساس / محمد بن امحمد العلوي

هنا وجب عليك الوقوف دقيقة صمت كي تتنفس بحكمة وتكتشف ذاتك والاشياء من حولك، هنا ترى الاشياء مجردة لا حدود ولا فواصل بين الماضي والمستقبل،ماضي التضحية والعطاء ومستقبل الوفاء . لا نستطيع أن نتصور حجم الاضرار التي تحدثها الجروح في اعماق إنسان حساس، ولن نستطيع مطلقا أن تدرك الابعاد الحقيقية التي تصلها الاشعة المضرة لفعل احمق في حق هذا الإنسان الذي يمتلك إحساسا رقيقا . فحينما نظن أننا قد استطعنا اللحاق بهذا الانسان والقبض عليه في ركن الرد بالمثل، نكون قد نئنا عنه وأفلتنا من بين أيدينا لحظة القرب منه.  إنها طبقة كثيفة من الديمومة تتماوج بين الماضي المباشر والمستقبل الوشيك،و لا يسعك إلا أن تعـيـد صياغة المشـوار وبلورة أرقى الإحساس والتغني بأصدق الأحـلام .فهنـاك دائما أشيـاء جـمـيلـة وأفكار مـثيـرة ورائعــة فعـشــق الـحـيــاة وإسـتـمــراريـتــهــا تعدك بولادة جديـدة ومساحات من العطاء كبيرة تتسع للجميع، وهنا تكون أحاسيسك النقيـة تتفوق على الظلم والقهر وترتـدي رداء السلم والحب . فدائما ما تعمل على إزالة آثـار الوحشية مـن على رفوف ذاكرتك وتقتلع كـل سهام الغدر من على ظهرك وتحرص على استجلاب المياه النقية من أجل زراعة الاحساس الجميل .فارجو ألا ترد على مـــن تلوثت يداه بقتل الاحساس الجميل والعاطفة النقية من أجل أطماع بالية،و لا تبتئس من أجل من كانت عـــادته لا تـتـســع إلا لأنانيته . ولا تتمرد على طبيعتك في العطاء ولا ترتـدي جلباب الكره فهو ليس مقاسك،و لا أريدك أن تقـف موقف المحبط فرغم أن المحطـات تتكرر إلا أن المسافرين يتغيرون .فرغم الألم والقسوة وعدم الوفاء أنصحك بأن تدقـق في وجـوه الخالدين الذين أعطوا وبدلوا دون أن ينتظروا الإذن ولا المقابل .أرجو أن تبحث في ركام الذاكرة عـن ظلالهـم وعطـرهـم وأثـرهـم فشيء جميل أن تقتدي بـهــم وتنتصر بهم،فرغم أنك نزفت في كل لحظـات ألمـك إلا أن دمك عطر ودموعك غيث من السماء يحي بها رميم العظام النخرة . لا تبتئس إذا أجهضوا فـي لحظـات جنيـن العطاء بداخلـك فارجو أن تطلق العنان لطيـور الحياة وفراشات الجمال ،ولا تغلق الأبـواب على نفسـك وافـتـح أبـوابـك لـلـذيــن يسـتـحـقـــون فالدروب لا تخلوا منهم .إجعل إحسـاسك زماناً تتسع فيه كل الازمنة واصنع لنفسك الجميلة حلما يضمن لك عيشا كريما ونوما هنيئا، فلكل حكايـة كاتب وقارئ يصوغان أحزان الزمان وأفـراحه،و هؤلاء هم البشـر الذين يذوبون مع الزمان وينتقلون في المكان . ارجو ألا تتذمر فالفرسـان قلما يجود بهم الزمان وإن جاد فحارب حربهم وعش حياتهم ولا تنتهـي قبل أن تقول لمن ظلم وأهان شيئا مما تعلمته من حـروف الصبر والعطاء وكلمـات الالفة والحب .لا تنكسر فكل إحساس جميل لابد من أن يحطم كيان الحقد والحسد والظلم .و لا تدر ظهرك للحياة فلابد من أن يستحقك شخص ما في زمن ما ينتظرك في محطة ما،و لا تندم على كل من تسبب في ضرب إحساسك وإيذاء مشاعرك  فعندما يفتقدك ويحس بقيمتك تكون محطتك في اتجاه آخر وفرصة جديدة تفتح أمامك مساحات من الإخلاص والوفاء غابات من التفاني والتضحيات .

 إنني هنا أنصحك بالإقبال على الحياة فدائما ما تظهر لك مكنونات النفوس وطبائع الشخوص، فلا تأسف على من خان الامل وغطى عن العطاء وأظهر الخبث بتفنن. فالأيام الخوالى فسحة وانتصار فأنظر دائما إلى الأمام وانطلق نحو الغد،فالمسافات طويلة والرفقة جميلة انطلق وسوف يعوضك الله بالرفيق ولن تكون لوحدك ابدا فأنت المختار و لست المحتال وانت السلام وعليك السلام .فأنت الطريق وانت الرفيق فلا تختنق ولا تبتئس، فمعك الأنسام ومعك الاحلام فاستفق وصفق على عطائك فالجحيم يستعر فأطفئه بلمسات صبرك وعبرات صدقك،فسوف تصل جنتك التي بانتظارك فأنهارها من لبن مصفى وعسل أحلى .فأمك تحبك وتنتشي بولادتك فكل يوم تلدك وتفرح بحملك،و كل يوم تغسل وجهك وتمسح دموعك وكل يوم  بك فهي الراعية رغم بعدك وهي الباكية رغم قربك .فلا تبتئس بمن كادك وخانك فلن يبلغ قامتك ولن يهدم هامتك،فالخطر كل الخطر أن تسافر دون زاد وأن تخرج دون عون .فحاذر من النفوس الضعيفة والقوالب المفرعنة فضرباتها دائمة وسمومها قاتلة،لا تنس أنك الفارس وأنك القائد فها هنا المحراب صلّي إذن لله ومعك كل المحبين وجميع المؤمنين. فلابد من انتصار الجمال على القبح ولابد من ظهور الطهر على العُهر، فسوف يهزم إحساسك الجميل كلّ شياطين الكره والحقد. لا تبتئس فلابد من أن يزهرَ عُمْرك بأجمل الاحاسيس فبساتينك اصبحت جنان عدن وحدائق بابل،فاستعجل الخُطى ولا تتنهّد بحرقة فقامتك طويلةً وأبديَةً. فهنا جنتك الابدية فارسمها بِإحساسك وأسّسها بصدقك. وأكتب إحاسيسك بدونِ افتعالٍ أو ابتذال أو تصنّع أو تملّق، وتنفس بهِا وابكي ملء روحك نشوةً بلا ارتباك،فنعمة الانتماء لا يمتلكها إلا الصادق والفارس فهيا بنا نحو الغد بصدق وتفاؤل، فرغم التعثر ورغم السقوط لابد من السير ولابد من النهوض . 

 

في المثقف اليوم