أقلام حرة

كثرت ربابنة السفينة فهددها الغرق

زعامتها مما جعل عامة ركابها والعاملين عليها أكثر المتضررين من هذه المشاحنات، وجعل ركاب الدرجة الأولى وحاشيتهم في منأى عن مرارة هذا الصراع لأنهم لم يكونوا معنيين بتداعياته بعد أن حصنوا أنفسهم وأهليهم  بوسائل الدفاع المشروعة منها وغير المشروعة.

 وعلى خلاف هذه القاعدة وفي غفلة من التاريخ تجرأ أحد رجال العصابات وقادة الفتواة من التفرد بقيادة السفينة على مدى أربعين عاما بعد أن نجح في زرع الشقاق والنفاق بين ركابها والتناحر بين أهلها والبغض والعداء بين درجاتها حتى لم تعد أي طبقة منها تطيق مجرد رؤية الباقين بله الحديث والعمل معهم.والظاهر أن هذه الدكتاتورية البغيضة لم توقع الألم والوجع على العراقيين فحسب بل وتسببت لمن يضعون أنفسهم في مصاف ركاب الدرجة الأولى بأمراض نفسية شديدة للغاية تحولت إلى عقد شعور بالنقص وإحساس بالدونية والاستصغار مما جعلها بعد التغيير الذي أوقعته السيدة العجوز أمريكا تندفع بتهور وعبثية للتعويض عن شعور النقص ومركب الاستصغار باختراع فكرة موديلات مجلس الحكم والقيادة الرئاسية الشهرية للبلاد لكي يشعر كل واحد منهم على الأقل أنه حقق حلمه وأصبح قائدا للسفينة ولو ليوم واحد فذلك يكفي ليسجل هذا اليوم في كتاب مذكراته وقصة سيرته الخالدة. ثم اخترعوا فكرة مجلس النواب ــ كل ذلك طبعا بتخطيط وعمل وقيادة السيدة العجوز وعليهم فقط التنفيذ ــ لكي يجلس الجميع خلف دفة قيادة السفينة كل حسب دوره المرسوم له أو الذي رسمه له الآخرون، فيرى الرائي في كل منهم قائدا لها وموجها لمسيرتها.لا لكي يرضي طموحه فقط وإنما لكي يرضي طموح القائد أو الجهة التي يمثلها أو يعتقد أنه يمثلها.

ولذا جاء عددهم  كبيرا ليبلغ (275) قائدا بما لا يتناسب والحاجة الحقيقية، وبما لم يتناسب أبدا مع عطائهم خلال السنين الأربع الماضية ، وجاءت رواتبهم  ونثريا تهم ومخصصاتهم وحوافزهم أكبر كثيرا مما يستحقون.

وأما العدد فإنهم بعد الخيبة والمرارة والخذلان الذي تركوه والهزيمة التي أوقعوها في نفوسنا وعزائمنا لم يخجلوا من أنفسهم ويطالبوا بتقليصه تقليصا للنفقات وتقليلا لعدد الباشاوات والأغوات وفسحا لمجالات التفاهم بين نواخذة السفينة وربابنتها على أساس أن المشاكل تكبر وتزداد مع زيادة عدد المتخالفين وتقل مع قلتهم. وان فرصة التوافق تصبح أكثر قربا من التحقيق إذا قل العدد. وإنما جاءوا بمقترح جديد مفاده أن قلة عدد أعضاء مجلس النواب كان السبب في عدم تمكنه من تحقيق أحلام العراقيين المساكين، ولغرض تمكين المجلس الجديد من تحقيق هذه الأحلام الوردية والأماني الأسطورية خلال الدورة القادمة فمن الضروري إضافة (36) عضوا جديدا للمجلس يشغلون 36 مقعدا جديدا أنهك المجلس الحالي نفسه في جلسات مطولة للاتفاق على الجهة التي سيتم استيراد المقاعد منها ورئيس لجنة المشتريات التي ستقوم بشرائها وكيفية توزيع العمولة على القوائم الانتخابية التي ستشكل منها لجنة المشتريات.

أما من حيث الرواتب والمخصصات فالظاهر أنهم جاءوا بجوع وعطش السنين العجاف معهم ولذا عزلوا أنفسهم عن باقي الركاب ووضعوا قوانين مالية  خاصة بهم قالت عنها واحدة منهم هي النائبة عالية نصيف ليس بدافع الدفاع عن المحرومين طبعا لأنها لم تتنازل مثلا عن مكاسبها البرلمانية المالية ومكاسبها خلال المدة المنصرمة لتكون قدوة لغيرها، وإنما صرحت بها لتكون من مقدمات الحملة الانتخابية. ولأنها عضو في لجنة النزاهة في البرلمان العراقي وهي اللجنة التي تبنت مؤخرا المطالبة بخفض رواتب المسئولين في السلطة التنفيذية وإخضاعها لقانون الخدمة المدنية. وقالت فيها "أن هناك هوة كبيرة بين رواتب كبار المسئولين في الدولة ورواتب الموظفين ويجب أن يتم إخضاع رواتب السلطة التنفيذية من رئاستي الجمهورية والوزراء وكبار المسئولين والمستشارين والوزراء ووكلائهم والدرجات الخاصة لقانون الخدمة المدنية"

 ولم يقف الأمر عند رواتب الخدمة بل وتعداه إلى رواتب التقاعد حيث سن المجلس قوانين تجيز منح النواب ومن هم أعلى منهم موقعا راتبا تقاعديا مكونا من عشرة أرقام مليونية أو أقل قليلا حتى ولو لم تزد مدة خدمة أحدهم عن أربعة أشهر فقط في وقت لا يمنح القانون العراقي للعامة من ركاب السفينة البسطاء حقا تقاعديا مستحقا إلا إذا كانت سنوات خدمته مجزية وبعد أن يتم استقطاع أيام الغياب والتغيب والإجازة بدون راتب ومدة الخدمة العسكرية في جبهات القتال ومدة السجن السياسي والاعتقال والمكوث في مديريات الأمن والمخابرات، والاجازات القسرية بسبب التهجير أو الخطف أو الإصابة نتيجة العمليات الإرهابية وغيرها . على أن لا يزيد مقدار راتبه ألتقاعدي في أحسن الأحوال والظروف عن مجموع الخردة التي يستلمها السيد النائب مع راتبه الشهري.

 ويكفي أن نعرف أن الراتب ألتقاعدي للسيد رئيس مجلس النواب (المقال أو المستقيل أو المجبر على الاستقالة) محمود المشهداني هو بالتمام والكمال (50 )  مليون دينار فقط أي (45) ألف دولار شهرياً، وهو ما يعادل مجموع الرواتب الشهرية لدائرة خدمية من دوائر النفع العام التي تخدم ركاب السفينة البسطاء لا يقل عدد موظفيها عن ( 75 ) موظفا بدرجات وظيفية متباينة. هذا فضلاً عن تمتعه بامتيازات الحماية الخاصة ومخخصات التنقل والاتصالات والسفر التي تراوح بين 10 و 20 ألف دولار شهرياً. 

 

 ولو أنهم سكتوا عن هذه الموضوع إلى نهاية مدة عضويتهم لأراحوا واستراحوا ولكنهم بعد أن تركوا الرياح الغاضبة تتلاعب بالسفينة كل هذه الحقبة السوداء  انشغلوا في ما يبدو وكأنه صحوة ضمير متأخرة بمناقشة مواضيع رواتبهم ومخصصاتهم ومنحهم وحوافزهم بعد أن وجدوا أن فرو قات رواتب الدرجات الوظيفية الكبرى لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها لأنها مبالغ يحسب لها ألف حساب وتفتح وتغلق ألف باب وهي الفرو قات التي دعت وزير المالية باقر جبر صولاغ للمطالبة بتقليل الفوارق بين راتب المسئول الأعلى والأدنى، التي تصل في بعض الحالات إلى أربعة ملايين دينار (3500 دولار) بين الوزير والدرجة التي تليه مباشرة

بقي أمر يجب أن لا نغفله وهو أن رواتب المسئولين العراقيون عالية جدا ليس قياساً إلى رواتب كل ركاب السفينة الباقين بل حتى إلى نظرائهم في الدول العربية والإقليمية. وتراوح الرواتب من درجة رئيس جمهورية إلى وزير بين إلى 72 مليون دينار( 65 ألف دولار) إلى 55 مليون دينار عراقي شهرياً ( 50 ألف دولار) وبالإضافة إلى الامتيازات كبيرة  الأخرى التي تطالهم حتى بعد تقاعدهم

الغريب العجيب في ما يحدث أننا لم نسمع من بين أعضاء الرئاسات أو المجلس من اعترض وعارض منح هذه الرواتب والمخصصات الجنونية في الوقت الذي زادت فيه معدلات البطالة في العراق بشكل يفوق التصور خلال السنوات الطويلة الأربعة الماضية التي كنا ولا زلنا نحسب أيامها بالثواني عسى أن تنقضي ويأتني الزمان بأفضل منها. ولكن مع قرب انتهاء الدورة البرلمانية وتصاعد حمى الدعايات الانتخابية وشعور الربابنة بنكوص المنتخبين وعدم رغبتهم بخوض تجربة مريرة ثانية ارتفعت عقيرة اللجان الفرعية ومنها لجنة النزاهة في البرلمان العراقي لتطالب بخفض رواتب المسئولين في السلطة التنفيذية وإخضاعها لقانون الخدمة المدنية.

ولا ندري هل أن اللجنة كانت تجهل مقدار الرواتب كل هذه السنين الطوال لتأتي اليوم مطالبة بسن قانون خاص بالموضوع يحتاج إلى موافقة البرلمانيين أنفسهم أولا ثم يحتاج للقراءة والتداول وعقد الجلسات والإقرار وهي أمور لا يمكن إنجازها ضمن السقف المتبقي من عمر المجلس.  لذا أعتقد أن حسد السادة النواب دفعهم لإعلان هذه المطالبة لكي يتم تطبيق ما فيها في الدورة القادمة وبذا يحرم البرلمانيون الجدد من منافع البرلمان.

وهذا طبعا لأن كل الموجودين حاليا في المناصب الرئاسية والبرلمانية يدركون عن قناعة أنهم لن يحصلوا على الأصوات التي ترشحهم لقيادة السفينة مرة أخرى في الرحلة القادمة إلى المجهول

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1202 الاثنين 19/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم