أقلام حرة

من بغداد إلى القاهرة إلى تونس .. من أجل تفاهم يوقف نخر الوهابية في الجسد الإسلامي / وليد العبيدي

أبدى رغبته بزيارة العراق في أقرب فرصة سانحة، من دون أن يحدد موعداً لإتمام الزيارة"....

خبرا تناقلته بعض المواقع الإخبارية دون أن يحظى باهتمام كبير.....

 

مصر والعراق وشئ من التاريخ

كنا لا نزلنا يافعين يوم  كانت تتعالى أصوات التيار القومي المناهض لعبد الكريم قاسم في نهاية الخمسينات وبداية الستينات منادية بالوحدة مع مصر وكان ينتابنا وجل لا نعرف مصدره نحن الذين كنا قريبين من جو الحركة الشيوعية الذي كان يرفض هذه الأصوات....

لقد وقع عبد الكريم قاسم ضحية للصراع بين التيار القومي المؤيد لجمال عبد الناصر والتيار الشيوعي المناهض له وكانت محاولته للتوفيق بينهما أو لجمهما تستنزف قدرا ليس قليلا من جهد الحكومة التي يرأسها والرامية إلى إنجاز مهام التنمية التي كانت البلاد تحتاجها حاجة ماسة...ورغم تداعيات ذلك الصراع على الوضع السياسي العام قدمت حكومة عبد الكريم الكثير من المنجزات العديد  منها ذا طابع إستراتيجي ليس الحديث عنها من مشمول المقال..

لا يمكن إنكار الخطأ الجسيم الذي ارتكبه عبد الناصر بعدائه لعبد الكريم قاسم والذي صب في مصلحة حزب البعث وقد أدرك عبد الناصر ولو بعد فوات الأوان  ومن خلال "مباحثات الوحدة" التي انخرط بها مع حزب البعث بعد إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم في انقلاب تشرين 1963 الفاشي أن حزب البعث كان حزبا عابثا ولم يكن جديا في شعاراته الداعية إلى الوحدة العربية.. من الجانب الآخر لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه عبد الناصر في مواجهة الرجعية السعودية وحصر نفوذها وتأثيرها على العالم العربي والإسلامي في حدوده الدنيا....

لقد أدى عداء عبد الناصر للشيوعية ونظام عبد الكريم قاسم بالكثير من الزعامات اليسارية العربية ومنهم الشيوعيين إلى عدم المبالاة بحقيقة أن صراعه مع الغرب على خلفية صراعه ضد إسرائيل قد احدث استقطابا في المنطقة العربية  وضعه في مواجهة قوى الرجعية العربية وعلى رأسها الرجعية السعودية ...

 لقد كانت الولايات المتحدة تخشى من تأثير نزعة عبد الناصر  ببعديها القومي الداعي إلى التحرر من الهيمنة الغربية والاقتصادي بسلوكه نهجا اشتراكيا على الأنظمة العربية الحليفة والصديقة لها خاصة الأنظمة الخليجية النفطية من حيث يأتي شريان الحياة للاقتصاد الرأسمالي العالمي لذلك جندت النظام السعودي ليقود عملية التصدي لمصر وإفشال دورها القيادي في المنطقة وكان ذلك عن طريق معارضة القومية الناصرية بالإسلام السعودي أي من خلال جعل الإسلام كنقيض للنزعة للقومية التحررية تلك النزعة التي تظاهر الغرب بدعمها في العالم العربي عشية الصراع على اقتسام إرث الدولة العثمانية بين دول الحلف المنتصرة في الحرب العالمية الأولى انكلترا وفرنسا من أجل كسب ود الزعامات العربية لتقف معها في الحرب ضد الدولة العثمانية وهذا ما حصل مع العديد من هذه الزعامات...

 

بالطبع لم يكن "الإسلام" بنسخته الوهابية الظلامية معروفا في العالم العربي وكانت السعودية تدعم أي حركة إسلامية تقف في وجه لتيار القومي التقدمي ناهيك عن التيار اليساري بكل تلاوينه.....

 

لقد واجه جمال عبد الناصر تحديا كبيرا من التيار الإسلامي الأخواني المصري المدعوم من السعودية الذي ثبت لعبد الناصر تعاونه مع الولايات المتحدة للإطاحة به الأمر الذي دفعه إلى معاملة هذا التيار معاملة متشددة حدت من دوره إلى حد كبير...

ولا شك أن الكثير من العراقيين الذين عاشوا فترة العداء العراقي المصري زمن عبد الكريم قاسم لا زالوا  يحملون مشاعر النفور من نظام جمال عبد الناصر وربما يقيمونه تقييما سلبيا غير أن مطابقة  النسخة الناصرية للقومية مع النسخة البعثية ربما ينطوي على ظلم للأولى  إذ لا يكفي  اشتراكهما بالعداء للشيوعية ولعبد الكريم قاسم لنسمهما بميسم واحد ذلك أن التجربة البعثية لم تترك في العراق إلا الخراب في كافة مناحي الحياة  وتشابهها التجربة السورية من حيث القمع والتسلط والفساد....أما التجربة الناصرية فقد كان لديها الكثير من المناحي الإيجابية ولم يكن  العالم العربي أبان حكمه مستباحا كما هو الآن وتابع بل ملحق بالسياسة الغربية ومجرد مقارنة سريعة بين حال مصر في زمن عبد الناصر وحالها عشية رحيل مبارك تبين الدرك الذي وصلت إليه مصر على يد نظام أنور السادات وخليفته نظام حسني مبارك...لم تكن مصر في زمن عبد الناصر تتحمل أية ديون خارجية رغم المجهود العسكري الذي تقوم به بينما راكمت مصر أكثر من مائة مليار دولار في عهد مبارك وعلى المستوى الشخصي لم يكن عبد الناصر يوم وفاته يملك أكثر من بضعة عشرات من الجنيهات المصرية في حسابه المصرفي بينما يعرف الجميع  مليارات مبارك وأولاده....

 

ظل التيار الديني الأخواني في مصر يحمل بقايا بذور العداء للحقبة الناصرية غير أنه ما لا تستطيع أي قوة أو حركة سياسية أن تنكره أن حقبة جمال عبد الناصر بالنسبة لمصر كانت أفضل حقبة في العصر الحديث من حيث الدور الريادي- ومنه الثقافي وهو ليس بقليل- الذي احتلته مصر في العالم العربي وفي حركة التحرر الوطني العالمية وكانت على المستوى الاقتصادي بلدا ينتج معظم احتياجاته الغذائية ويعمل بثبات نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي ولم تكن مصر تعاني من المديونية وكانت نسبة الأمية متدنية جدا مقارنة بالدول العربية وبلدان العالم الثالث (ارتفعت بمقاييس عالية في حقبة مبارك) ويمكن القول بشكل عام ان مستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي في مصر كان يضاهي ما لدى بعض بلدان آسيا التي دخلت اليوم عصر التكنولوجيا...

وما يهم في الأمر هنا أن الحركة التقدمية المصرية لها تاريخ في الصراع مع النظام السعودي وأن أولى مهامها إذا ما أرادت أن تعيد لمصر دورها العربي  هو التصدي للفكر الوهابي المدمر الذي يسعى لإعادة العالم العربي والإسلامي إلى عصور الظلام التي بدأت مع  سطوة العسكر الترك على مقدرات الخلافة الإسلامية منذ أيام المتوكل العباسي والتي لم تترك للعالم الإسلامي سوى إرث التخلف وليس غريبا أن نرى اليوم تحالف نظام آل سعود الوهابي مع نزعة الهيمنة الجديدة التي تمارسها تركيا أردوغان بعد ان كانت الأتاتوركية قد نأت بنفسها عن ارث تركيا الإسلامي وصلتها بالعالم العربي  وسعت إلى الاندماج بالفضاء الأوربي....

 

لست حالما ولا أتطلع إلى أن نجد مصر تحت راية محمد مرسي تعود لتلعب دورا رياديا في المنطقة بين ليلة وضحاها لتعيد الدور السعودي والقطري المخرب إلى حجمهما الطبيعي وليس من السهل على الحركة الإسلامية في مصر وتونس أن تغير موقعها  في خارطة العلاقة مع السعودية  وامتدادا مع أمريكا ولكني أنطلق من فكرة أن الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس وجماهيرهما يعرفون حق المعرفة أن نظامي مبارك وبن علي كان من أكبر حلفاء آل سعود  وان ما تريده السعودية هو أن تطمأن من أن الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس لن تنهج نهجا يختلف جذريا عن نهج النظامين السابقين على مستوى السياسة الخارجية المداهنة للغرب وإسرائيل والمعادية أو المتحفظة من إيران والعراق...لقد حرصت السعودية على أن تكون أول زيارة يقوم بها الرئيس المصري الجديد إليها وحرصت قطر على أن يكون لها حضور ملموس في المشهد التونسي كل ذلك من اجل إبلاغ رسالة مفادها أن الحركة الإسلامية في البلدين لن تخرجا عن العباءة السعودية أو الخليجية وبالتالي الأمريكية ولكن تبقى هذه هي تمنيات ليست سهلة المنال....

لقد كانت السعودية وقطر من أكبر حلفاء نظامي مبارك وبن علي وليس أدل على ذلك من إيوائهما بن على وزوجته وأفراد عائلتيهما الذين كانوا غارقين في الفساد ونهب ثروة شعوبهم ويرفضان تسليمهم لمحاكمتهم...وفي الظاهر تبدو السعودية وقطر وكأنهما تؤيدان الأحزاب الإسلامية في هذين البلدين ولكن للحقيقة وجه آخر كما يقال وهو أن تدخل قطر والسعودية هو بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية ليكون لهما تأثير ضاغط  ومكبل على الحركة الإسلامية خيفة أن تقود تجربة حكم إسلامي  ناحجة على أنقاض الحكم "العلماني" الفاسد، تجربة تحرم الغرب من فرصة مواصلة النهب.... والمراقب لما يجري في هذين البلدين سوف يلاحظ أن الغرب يعمل جاهدا على تجميع فلول النظام التونسي والنظام المصري المنهزمة ووضعها في الواجهة ومنحهما فرصة العودة من خلال الرهان على فشل الحركة الإسلامية في تحقيق منجزات ذات قيمة خلال فترة قصير (القترة الانتقالية)...

 

.ويدرك  زعماء الحركة الإسلامية في تونس ومصر ومعهم شعبا البلدين  أن الغرب كان شريكا لنظامي مبارك وبن علي الفاسدين واللذان دمرا الصناعة الوطنية لصالح الرأسمال الغربي تحت راية "الانفتاح" و"الخوصصة" وكانت الثروات التي تراكمت لدى عائلات الزعامات في هذين البلدين وأزلامهم تذهب للبنوك الغربية...

 

إن  مصلحة الحركة الإسلامية الشيعية في العراق وأخص منها حزب الدعوة وكذلك مصلحة العراق تقتضي منها  أن تفتح أبوابا للتفاهم مع الحركة الإسلامية في العالم العربي وبالأخص في البلدان التي فازت فيها هذه الحركة بالأغلبية النيابية كما في تونس أو بالرئاسة كما في مصر ويبدأ هذا التفاهم  بلقاء لشرح حقيقة ما يجري في العراق وطبيعة الصراع والقوى المتصارعة ودور السعودية وقطر في التدخل في الشأن العراقي والتحريض على الإرهاب وتمويله ....

 

لقد صدرت إشارات يمكن اعتبارها  إيجابية من مسئولين حكوميين في تونس تدلل على إمكانية الاقتراب مع حركة النهضة الإسلامي إذ عبر وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام (من حركة النهضة) في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقاءه ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن سوريا ونقلته محطة " روسيا اليوم " أن ذهاب مقاتلين من تونس لدعم المجموعات المسلحة في سوريا لا تؤيده تونس من أجل أن (حسب تعبيره) "لا تتكرر مأساة ما حصل في العراق" وهي إشارة منه للشخص التونسي الذي قاد المجموعة الإرهابية التي قامت بتفجير ضريح الإمامين في سامراء والذي ذهب للعراق في زمن بن علي مما يشير إلى أن حركة النهضة بدا يراجع  موقف تونس بخصوص الانخراط بمخططات السعودية وقطر لإثارة حروب مذهبية بين المسلمين بعد أن كان خضع لضغوط  للعب مثل هذا الدور في سوريا ولا يزال يتعرض لضغط شديد بنفس الاتجاه الأمر الذي يفرض بذل جهد للاقتراب منه وليس تركه وحيدا....

 

إن ما يستحق الإشارة إليه هنا أن زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسي  السيد راشد الغنوشي هو مثقف إسلامي مرموق وتعتبر كتاباته مرجعا من مراجع الحركة الإسلامية في العصر الحديث وهذا يلقي عليه وعلى حركته كمفكر مسؤولية تطوير موقف إسلامي يتلاءم ومتطلبات السياسة المعاصرة.

وللتدليل على المهمة الفكرية التطويرية التي يمكن لحركة النهضة التونسية أن تضطلع بها نورد بعضا مما جاء في أدبياتها تحت عنوان :  "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة"

 

إن حركة النهضة "تعتمد في إطار تعاملها مع نصوص الوحي من الأصول والقواعد  ما يلبي احتياجات الحياة المتجددة تحقيقا لمصلحة الإنسان دون إهدار أو تعطيل لنصوص الكتاب والسنة ودون إلغاء لدور العقل في فهمها وتنزيلها في واقع الحياة" (خط التشديد من الكاتب)..

وفي مكان آخر نقرا: " ونحن إذا نعتمد المرجعية الإسلامية فإننا لا ندعي يوما احتكارها كمرجعية في فكرنا أو كصفة لنا. وكون الإسلام مرجعية لنا لا يحمل أي معنى استئثاري أو إقصائي أو تكفيري..."

ثم: "وتعتبر حركة النهضة الباب مفتوحا للتطوير والإضافة في منهج الفهم جمعا بين الجذور الإيمانية والنصوص الدينية من جهة  وموجبات المعاصرة والمشاركة الحضارية من جهة ثانية بأفق رحب يفرق بين المصادر الأصلية في مراتبها وبين القفة الموروث وتطبيقاته الملتبسة بظروف الزمان والمكان بما يميط عن الإسلام ما علاه من ركام الانحطاط والبدع وإحياء الاجتهاد وفتح أبوابه التي غلقها التقليد والانحطاط.."

ثم واخيرا: "يعتمد منهج حركة النهضة ضمن أسسه ما توصل إليه العقل الإنساني من معارف وحقائق وما توصلت إليه البشرية من مكاسب بهدي العقول السليمة، فإن الحركة لا ترى فصلا بين مسار الوحي بما يعنيه من أحكام ومقاصد وقيم مسار التاريخ والإنسان بما يعنيه من مكاسب وإضافات حضارية نافعة..."

https://fr-ca.facebook.com/Nahda.Tunisia/app_190322544333196

 

 وليست مصر فقيرة بالمفكرين الإسلاميين وتمتلك إرثا غنيا من الكنابات والكتاب الإسلاميين المتنورين كمحمد عمارة ومصطفى عبد الرازق وغيرهم....

بكلمة  آخر فإن حركة النهضة في تونس وحركة الأخوان في مصر تدركان أنهما تواجهان تحديات كبيرة من أجل أن يثبتا للجماهير أنهما يسعيان بصدق لوضع أسس سياسة جديدة ليست تابعة لرغبات الغرب ودول الخليج....

وقد أدركت بعض القوى القومية الواسعة الأفق ضرورة التقرب من الحركة الإسلامية تقديرا منها لإمكانية أن تقف هذه الحركة موقفا رافضا لضغوطات الغرب وبالأخص الولايات المتحدة باتجاه إجبار الحركة الإسلامية على مواصلة نفس السياسة الاقتصادية والاجتماعية المحابية للرأسمال الغربي  وإخضاع سياستها الخارجية لمتطلبات السياسة الغربية كما كان الحال ايام نظامي مبارك وبن علي...بكلمة أخرى، يسعى الغرب لأن يضع الحركة الإسلامية إمام خيار أما الاستمرار في حماية مصالحه أو مواجهة الهزيمة من خلال وضع العراقيل أمامها بواسطة فلول الأنظمة المنهارة ...

 لذلك عمد المؤتمر القومي العربي إلى عقد ندوة مشتركة مع الحركة الدينية في تونس وأشار ممثلو التيارين بوضح إلى أنه ليس هناك ما يبرر الحديث عن وجود صراع أو تناقض بين الحركة الدينية والحركة القومية وأصدروا بيانا مشتركا يؤكد على ضرورة التفاهم بينهما...

وفي مصر اختارت العديد من القوى القومية وكذلك بعض قوى اليسار التصويت لصالح مرشح الأخوان  محمد مرسي من اجل هزيمة محمد شفيق ممثل نظام مبارك رغم ان محمد مرسي لم يكن مرشحهم المفضل وهذا يدل على أن القوى العلمانية التقدمية وجدت أن خيارها في الظروف الحالية يكمن في البحث عن أرضية مشتركة مع الحركة الإسلامية على قاعدة منع عودة الأنظمة السابقة....وليس لدي شك أن خيبة التيار القومي العربي من التجربة البعثية في سوريا والعراق قد جعلته ينقب في المناطق النائية وليس ذلك بمثلبة ذلك أن انعزاله عن الحركة الإسلامية في  الظروف الحالية يعني انعزاله عن قطاعات واسعة من الشعب العربي....

 وليس الحديث عن كون بعض الزعامات الإسلامية كانت قد لجأت إلى الغرب هربا من تلك الأنظمة كافيا لوسم هذه الحركات بأنها لا تختلف عن الأنظمة التي سبقتها من ناحية ولائها للغرب ذلك أن قبول الغرب لبعض هذه الزعامات لم ينبع من تعاطفه معها والدليل على ذلك أنه لزم الصمت إزاء القمع الذي كانت تعرضت له قواعد الحركة الإسلامية وأراد استخدام الزعامات الإسلامية التي لجأت إليها كأداة ضغط وتخويف لذلك يمكن القول دون تردد أن قواعد الحركة الإسلامية في العالم العربي تحمل مشاعر المرارة وأحيانا الضغينة من سكوت الغرب طويلا على الاضطهاد الذي تعرضت له رغم وجود بعض زعاماتها هناك...

ورغم عداء حركة الأخوان المصرية التقليدي لنظام جمال عبد الناصر وعداء حركة النهضة التونسي لإرث بورقيبة خاصة الجزء المتعلق "بتغريب" تونس عن محيطها العربي والإسلامي فإن تجربة حكم مبارك في مصر وبن عل في تونس ربما يفتح بابا للحركة الإسلامية في هذين البلدين من أجل إعادة تقييم  الحقبة الناصرية والحقبة البورقيبية من أجل إنصافهما....

 

إن محاولات الحركة الإسلامية في تونس ولاحقا في مصر للتكيف وفق مقتضيات العصر لا بد وأن يضع على عاتقها مهمة الخروج بصيغة إسلامية جديدة تخرج ذينك البلدين من أزمتهما السياسية والاقتصادية التي تسببت بهما سياسات الأنظمة السابقة وتركز هذه الصيغة على:

-حل مسألة السلطة بطريقة تضع نهاية لحالة الاغتراب بين الدولة والمواطن....

(تقدم تجربة العراق مثالا على أن الآليات الديمقراطية التقليدية لا تمنع من وصول أسوا النماذج المجتمعية إلى أجهزة صنع القرار)

-استحداث آليات جديدة لضمان توزيع أكثر عدالة للثروة ففي الأنظمة العلمانية الخاضعة للغرب يذهب جزء كبير من الثروة لمن يمارس مهنة السمسرة والوساطة والمضاربة ويحرم منها المنتج الحقيقي

- البحث عن صيغة تنمية ذات بعد اجتماعي  تنهض بمستوى الطبقات الفقيرة وتدمجها في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلد بعد ان كانت لا تلعب دورا ولا تلقى حصة عادلة من الثروة الوطنية...

-إيجاد حل لمشكلة الفوارق بين الريف والمدينة

-منح الدولة دورا حيويا كمساهم في التنمية والتخطيط وحل المشاكل الاقتصادية بعد ان حولتها الأنظمة العلمانية إلى أداة للقمع وأخضعتها لمتطلبات الرأسمال العالمي تحت اسم "حماية الاستثمارات الأجنبية"...

وتدعو  قوى اليسار إلى إتباع سياسات شبيهة ولا أجد ضيرا من أن تفعل هذه القوى ما فعله بعض ممثلي التيار القومي العربي من أجل التقارب مع الحركة الإسلامية وفي العراق كان لقاء القيادي في الحزب الشيوعي والوزير السابق مفيد الجزائري مع رئيس الوزراء نوري المالكي يبعث الأمل من أن يتخلى الشيوعيون عن نظرتهم او موقفهم السلبي الجامد من الحركة الإسلامية المتنورة وأجد في قوله أن الحزب الشيوعي "  لا يمانع من الانضمام إلى أي كتلة أو قائمة إذا كان برنامجها يدعو إلى التخلص من نهج المحاصصة الطائفية واعتماد مبدأ المواطنة، إضافة إلى وجود لغة تجاوب مشتركة". ما يشير إلى إدراك ربما جاء قبل فوات الأوان من أن حزب الدعوة يحمل من النوايا الحقيقية لبناء عراق المواطنة والمساواة أكثر بكثير مما يحمله تحالف النجيفي وعلاوي والمطلك ولا بد ان تكون الأزمة السياسية الأخيرة التي افتعلها هذا الحلف مؤخرا مع المالكي مؤشرا واضحا على ذلك...

و لا شك إن خيارا إسلاميا جديدا ينظر بمنظار نقدي للإرث الفقهي الجامد سوف يواجه بخيار "إسلامي" ظلامي تقوده السعودية وأن نقطة الصدام لابد آتية وهنا ستقف الولايات المتحدة والغرب مع الإسلام السعودي...وليس أمام الحركة العلمانية المناهضة لعلمانية مبارك او بن علي الدكتاتورية ( والتي أطلق عليها أحد الزعماء السياسيين العلمانيين التونسيين اسم "السلفية العلمانية" من حيث أنها لا تفهم من العلمانية سوى الخضوع لإرادة الغرب) سوى الوقوف مع المهمة التقدمية للقوى الإسلامية التي تبحث عن صيغة سياسية واقتصادية خارج صيغتي "السلفية العلمانية" والسلفية الإسلامية بنسختها السعودية...

وكما رأينا لم يكن نظام مبارك وبن علي بحكم دكتاتوريتهما وفسادهما يشكلان أي تهديد لنظام السعودي وعكس ذلك فإن الأحزاب المؤمنة بالتعددية وبالانتخاب الحر تمثل تهديدا حقيقيا لهذا النظام وقد رأينا في العراق كيف أن السعودية تجد في علاوي والنجيفي أفضل حلفاء لها ولم تكن ترتاح لقيادة محي عبد الحميد للحزب الإسلامي العراقي وعملت على استبداله بطارق الهاشمي الأمر الذي أفقد الحزب الإسلامي مصداقيته في الوسط السني وبالتالي  أدى إلى تهميشه في ذلك الوسط ومن ثم هزيمته في الانتخابات الأخيرة...

 ولا يستبعد ان يمارس تنظيم القاعدة دورا إرهابيا في مصر وتونس إذا ما وجدت الولايات المتحدة والسعودية أن الحركة الإسلامية فيهما اتبعت خطا بعيدا عن المصالح الأمريكية  أو اقتربت من إيران أو بدلت سياستها حيال سوريا أو دعمت الحركة الوطنية الفلسطينية وناهضت إسرائيل وغيرها من السياسات التي لا تلائم الغرب....

 

وكما  أتطلع إلى أن أجد في حزب الدعوة ممثلا لحركة إسلامية شيعية تقدمية تمثل نقيضا "للعصبية الشيعية" فإني أتطلع إلى حركة إسلامية سنية تكون نقيضا للعصبية السنية ممثلة بالوهابية...لا تملك الوهابية شيئا لتقدمه للعرب الذين لا زالوا يحتلون الصفوف الأخيرة في ركب الدول الساعية للتطور لذلك يجب العمل لتوفير الظروف المناسبة للقاء الحركة الإسلامية الشيعية والحركة الإسلامية السنية لأنهما يقفان سوية في مواجهة حلف قديم هو حلف "السلفية العلمانية" -التي تسعى لإعادة نظام مبارك وبن علي- مع الوهابية  التي أصبحت تشكل أكبر تهديد لأي نموذج إسلامي جديد  ساهم بنشاط في زعزعة أركان "السلفية العلمانية" ويسعى لأن يبني بدلها أسسا لأنظمة أكثر عدالة...

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2180 الجمعة 13/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم