أقلام حرة

ســـم العنكبوت / حامد حمودي عباس

ونتيجة لزحام الطلبة من حوله، انسكب كوب من عصير الفواكه من يد احدى الطالبات على بنطاله، حيث قام سيادته باستعارة منديل من احدهم لينظف البنطال بيده، وكانت هناك صورة للرئيس ترافق الخبر وهو يبدو منحنيا ليقوم بالمهمه، واخرى وهو يضم الطالبة صاحبة الكوب، ليهديء من روعها قائلا، بسيطه .. صارت لديك قصة ستروينها لوسائل الاعلام عن كوب اللبن الذي لطخ بنطال رئيس الولايات المتحدة الامريكيه .

أعادني هذا الخبر فورا الى تذكر حادثة انهال فيها أحد اقارب مسؤول حكومي في بلادي العامرة بمثله، بالضرب على جسد رجل عجوز، لكونه تسبب بخدش بسيط على هيكل سيارته .. العجوز كان يسير قرب الرصيف بعربته التي يجرها حمار، فحدث تماس خفيف بين العربة والسياره، فتوقف مارد الحكومه ليجري مهووسا وبيده هراوة غليضة، ليهوي بها وفي عرض الشارع على رجل يمتلك عربة يتقدمها حمار متناسيا بان سيارته هو من صنع دولة اليابان، وليس من ابتكارات عقول اجداده الخاوية .

كنت وانا التصق بعمود الكهرباء على الجهة المقابلة من الشارع، خوفا على الفقير من مواطني الشعب، ان ينفق تحت هراوة المتنفذ الميسور، ينتابني احساس باحتقار النفس ... ولم يكن عجبي كبيرا حين لم المح احدا من المارة يعلن حمايته للرجل المسكين، لأنني انا بالذات خانتني رجولتي المرتجفة حينذاك، ان تثأر لفقير معدم، كي اقف بينه وبين هراوة شاذ معتوه، اعمته السلطة، وابتعد عنه القانون الاعرج، ذو العين الواحدة المسلطة على أجساد من ليس لهم سوى رب حلمه يمتد الى اربعين عام .

تحت هراوة صاحب السيارة المستوردة من دولة اليابان، وليس من اسواق عكاظ، ولا من سوق الحميدية، ولم يجري صنع هيكلها ولا احشائها في مصانع العروبة المتفككه في نجد والحجاز، ولا في اي بلد ينطق اهله باللغة العربية المجيده .. تحت تلك الهراوة البغيضة كان ينزف جرح تمتد اعماقه الى مسافات لا يطالها بصر عادي، سوى البصر الحديد، بصر يمكنه النفوذ الى أعماق تستقر في قاعه البعيد، حقيقة ملونة بلون أسى العالم كله، انها حقيقة أخالها مغلفة بنسيج من خيوط العنكبوت، من يجرؤ ويمد يده لفك طلسمها المرعب، سوف تطاله لدغة تحمل سم الارض والسماء معا فلا يرتد له بصره .

يطيب للبعض منا، ان يخالف الشرع والعرف وحتى نصوص الدستور، فيضع نفسه في مقامات تبدو يتيمة، حين يعلو بهامته لسماع احدى سيفونيات بتهوفن أو جايكوفسكي .. أو اننا نتجرأ بلا حياء، محاولين ارتقاء جدار مجد كاذب، فتهوى نفوسنا للتمعن باحدى مسرحيات شكسبير، متناسين بان ما نحن فيه من خواء حير العالم باجمعه، كوننا اكثر أمم الارض اصرارا على امتهان سبيل الموت، واشدها كرها للحياة .

لقد هوت امامي مرة واحده، وتحت هراوة ذلك الشقي النتن، جميع مباعث الاعتزاز بمجد الامة، وسقطت، مرة واحده، كل دواعي الفخر والمباهاة بالماضي (التليد) .. وبدت لي جميع الاناشيد الحماسية التي قذفت باقدار الفقراء الى سوح الوغى المصطنعة، وكأنها ركامات من قاذورات كانت تلقى على وجوه الناس، استجابة الى شهوات المتسلطين على رقابهم من الحكام . .

ما هذا الذي يجري؟؟؟ .. لماذا ياترى تصرخ الحناجر المتورمة، وترتفع الايدي المصابة بسم عنكبوت التخلف، من ساحات التحرير في العواصم العربية، منتصرة لحكام يضحكون منها في السر، وما ان تجلس مؤخراتهم على الكراسي الماسية، حتى تهبط هراواتهم على هامة الشعب بلا روية ولا ادنى شعور بالخوف أو الندم ؟؟ .. مذا تريد تلك الجماهير المغفلة حينما ترفرف راياتها السوداء والخضراء والصفراء وبكل الالوان، وهي تهتف معلنة رفضها لأي حكم غير حكم الله، ولأي دستور لا يستند الى الشريعة السمحاء، معتقدة بان الله تعالى لا زالت جنته مشرعة لغير رواد نافورة (تريفي) في قلب ايطاليا، وابناء عمومتهم في العالم، ممن تأسرهم باقة ورد، وتفزعهم صورة خنجر ؟؟ !! .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2182 الأحد 15/ 07 / 2012)

 

في المثقف اليوم