أقلام حرة

جمهورية مالي .. الرقعة السوداء وعودة الخوف / محمد ابن امحمد العلوي

 التي كانت ولادتها في السادس من أبريل بعد انقلاب 22 مارس في مالي،والذي أطاح بالرئيس حمادو توماني توري الذي لجأ إلى السنغال بتدخل دولي من مجموعة غرب إفريقيا الذين ضغطوا على الانقلابيين في مالي . وتتألف مجموعة الانقلابيين من خليط يجمع الطوارق العلمانيين وأنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا،لتكون النتيجة بعد الانقلاب هي تراجع هيبة الحكومة المركزية في باماكو . وتعتبر أزَواد منطقة صحراوية في الطرف الجنوبي الغربي للصحراء الكبرى وتشمل أجزاء من شمال مالي وتحديدا منطقة كيدال وشمال النيجر كما في منطقتي تاهوا وأغاديس وأجزاء بسيطة من جنوب الجزائر، ويشكل جزءا من الساحل والصحراء الأفريقية .فمن هم اللاعبون الحقيقيون على الارض المالية ؟ وكيف نقرأ التحركات العسكرية والتنظيمية للحركات المتشددة ؟ وما الدوافع والأسباب وهل من مخرج من الأزمة الحالية التي تعصف ببلاد 300 ولي؟ 

      

-1- الرقعة والبيادق

تبرز حركة أنصار الدين في المشهد السياسي والعسكري في هذه المنطقة كلاعب أساسي وخطير،فلقد كان قائدها إياد غالي اقرب إلى الفكر القومي الوطني منه إلى الفكر الإسلامي  لينتهي به المطاف إلى اعتناق الفكر السلفي الجهادي .ومع سقوط نظام العقيد الليبي   عاد الرجل إلى ازواد واتخذ من سلسلة جبال اغارغا مقرا له وبدأ في تجميع المقاتلين الطوارق، واتخذت الحركة تطبيق الشريعة الإسلامية شعارا لها تأكيدا على أنها ستعيد رد الاعتبار لمكانة علماء الدين،فضلا عن مطالب محلية تتعلق بحرية وحقوق سكان أزواد . في حين  تشكلت الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA) من قوميين وليبراليين ومستقلين، وآخرين بلا انتماء أيديولوجي. ولقد حاولت الحركة الترويج لنفسها كممثل جامع لكل سكان الإقليم بمن فيهم العرب والفولان والسونغاي زيادة على الطوارق، لكن الواقع السياسي والاجتماعي يخرج عن هذه المنطقة المثالية ليعطي بعدا آخر قوامه ما هو قومي قبلي.إذ أن الأغلبية من مقاتلي الحركة  ينتمون إلى قبائل "الأيدينان" الطوارقية التي أسندت لها أسندت القيادة العسكرية،  تحت قيادة الضابط السابق في الجيش الليبي محمد ناجم .أما حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي تأسست في أكتوبرعام 2011 فقد ظهرت إثر انشقاق قادتها عن تنظيم القاعدة ،ويقودها سلطان ولد بادي الذي ينتمي إلى المجتمع العربي في أزواد، وبمعيته الناشط الموريتاني السابق في القاعدة حماد ولد محمد الخير المكنى  أبو القعقاع،  لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية بأزواد . وتمت سيطرة حركة أنصار الدين على مدينة كيدال في أقصى الشمال المالي، بعد أيام من حصارها، في حين أن حركة الجهاد والتوحيد  هي من تولت السيطرة على غاو. ولقد نشبت خلافات بين الطوارق ممثلين في الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، وحليفتها السابقة  جماعة أنصار الدين التي تمكنت من بسط سيطرتها منفردة على الشمال، بعد معارك واسعة بين الطرفين في الأسبوع الأخير من يونيو 2012 مما ضرب التحالف الهش .

 

-2- السيطرة وصناعة الخوف

إن الخلاف بين الحركة الوطنية لتحرير الأزواد وجماعة أنصار الدين  عميق جدا، وهنا يؤكد سند بن بوعمامة التنبكتي القيادي في حركة أنصار الدين، رفضهم  للأدبيات السياسية التي ترتكز عليها الحركة الوطنية لتحرير أزواد  من ديمقراطية والاحتكام للشرعية الدولية ونبذ العنف والإرهاب بكل تلويناته،و هنا يبرز الاختلاف في الأهداف والوسائل بين أنصار الدين والحركة الوطنية . فحركة أنصار الدين بدأت في تطبيق برنامجها بمنع الكحول وإغلاق الحانات وإحراق بيوت المسيحيين وإرجاع النساء  إلى جادة الصواب حسب قولهم، وهي متسلحة تسليحاً عالياً من السلاح المنهوب أو المشترى بالواسطة من مخازن النظام الليبي السابق.  لتكتمل حلقة التشدد عند أنصار الدين بإقدامهم على تدمير سبعة مزارات لأولياء مسلمين من تمبكتو من أصل 16 مزاراً وبوابة لا تفتح لأحد. وهذا يرجع بالذاكرة السياسية والتاريخية إلى ما حدث في أفغانستان من قبل حركة طالبان التي دمرت التماثيل البوذية في باميان في وسط البلاد،و هنا يكمن الخوف من العمليات النوعية التي من الممكن أن تهدد الدول الإقليمية المجاورة . ونعتبر أن عملية هدم الأضرحة في تلك المنطقة الأثرية ما هي إلا رسائل مبطنة توحي بان تنظيم القاعدة لازال موجودا نشطا إيديولوجيا وعسكريا،و يمكن للقاعدة في المغرب الإسلامي أن تتحمل القيام بأنشطة حرب عصابات خفيفة في مثل هذه البيئة الملائمة التي تعاني من ضعف الهياكل الاقتصادية والتنموية.و لقد استفادت  في نشاطها المتمثل في تهريب السلاح والبشر والمخدرات في هذه المنطقة  التي تعتبرها عمقا استراتيجيا تستطيع من خلاله تنظيم صفوفها عسكريا، ودعم وضعها المادي الذي تأثر بتعدد الجبهات التي خاضتها وتخوضها على عدة مستويات . ويعتبر هذا الملاذ للجماعات المتطرفة الذي يتشكل على امتداد شاسع من المساحات غير المراقبة باعتبار ضعف الدولة المركزية،و هذا ما يهدد بتحول المنطقة إلى أرض نائية خارجة عن نطاق السيطرة، تشبه إلى حد كبير المناطق النائية في أفغانستان  وباكستان  والصومال واليمن.

وقد رفض حل التدخل العسكري سواء من قبل الدول الإقليمية أو الدولية وهذا ما يستدعي حلولا أخرى تقارب ما هو سياسي واقتصادي وتدخلات على مستوى مساعدات تنموية لمنطقة الساحل والصحراء من أجل قطع الطريق على لاعبين آخرين يتصيدون في ماء التخلف والفقر،من أجل تمرير أجندات عنيفة تزرع ثقافة الخوف وتستخف بتاريخ شعب وأمة وتدمر مرتكزات اجتماعية وثقافية واقتصادية نمت على مرور أجيال وفي كنف إسلام يدعو إلى الرحمة والتساكن .و هذا العنف والترهيب الفكري والجسدي الذي دعت إليه جماعة أنصار الدين وهدمها للأضرحة والأماكن الدينية المقدسة في تمبكتو بدعوى معارضتها لمقتضيات الشريعة.و نقول بأن إرث الإسلام المنفتح وتسامحه في هذه المنطقة وحرية شعوبها وفكرها وخياراتها هو من روح ومقتضيات الشريعة الإسلامية والتي تحمي الوجود الروحي للإنسان وتهتم بأمنه واستقراره.  فعندما يتم التعدي على ثقافة وحضارة ومورد رزق آلاف البشر،فليس هذا ما يدعو إليه الإسلام الذي هو أكبر من فهم ضيق و تفسير قاصر  وضد تسامح الشريعة الإسلامية ذاتها . ونزيد أيضا على أن المادة الثامنة من معاهدة روما التي أُنشئت بمقتضاها المحكمة الجنائية الدولية تنص على أن "الهجمات المتعمدة على مبان مدنية غير محمية ليست أهدافاً عسكرية تشكل جرائم حرب، وهذا الأمر يشمل الهجمات على المعالم التاريخية، وكذلك تدمير المباني ذات الطابع الديني". ومن هنا وجب الوقوف بحزم ورؤية واضحة أمام كل من يعوق أو يساهم في تقويض السلم والأمن الاجتماعي والروحي والاقتصادي لمن لا حول لهم ولا قوة .

 

-3- الأسباب والآفاق

و نرى أن أي أزمة توجد في داخل مجتمع ما هي إلا نتاج مجموعة من الأسباب السياسية   والاقتصادية والاجتماعية، وفي نفس الآن لا يمكننا أن  نعزل أي دولة من البيئة الخارجية المحيطة بها. وإذا عرفنا أن البيئة المحيطة بمالي يتداخل فيها ما هو قبلي وما هو حدودي وعدم استقرار سياسي وانقلابات عسكرية، وكذا أزمة الطوارق المستعصية والمتشعبة في  أكثر من دولة في المنطقة مثل ليبيا والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو . وحتى مع افترضنا بأن الديمقراطية يمكن أن تكون المدخل للتعامل مع هذا النوع من الأزمات المعقدة  مثل التطرف الديني والعرقي والخلافات الحدودية،فديمقراطية مالي الفتية منذ عام 2002 لم تشكل الأساس الصلب من أجل مواجهة تحديات كبيرة كالتي تمر به الآن. فالحاجة ملحة إلى رؤية شاملة للتعامل مع هذه التحديات ومساعدة مالي على بسط سيطرتها ونفوذها،و هذه الرؤية الإستراتيجية يمكنها تغطية محاور مهمة تتمثل في محاربة التصحر والأمن الغذائي والبنيات التحتية الاجتماعية والتربوية ومحاربة الجريمة العابرة للحدود.

 فالتعامل الأمني المباشر وغير المباشر  مع هذه المعضلة ثبت فشله الذريع،فتصاعد العنف والتطرف على المستويات كلها يستدعي من الدول الكبرى والإقليمية  معالجة الأسباب التي أدت إلى ترعرع هذه التنظيمات وليس القضاء الأمني عليها. ووجوب التوقف عن هذا الأسلوب التقليدي في مقاربة القضية ضروري، وذلك باستغلال  الدعم الدولي بشكل حذر يخدم الهدف الاستراتيجي في التقويض الفكري والاقتصادي لكل مسعى تطرفي،و محاولة تقييم الأولويات على أساس حسابات الاحتواء على المدى البعيد يخدم السلم والأمن الدوليين.

 وعندما يؤكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ أنه لا مجال للشك في أن وضع مالي من أخطر الأزمات التي تواجهها القارة،  بحيث يقول بأن"استمرارها يشكل خطرا حقيقيا على ديمومة دولة مالي والاستقرار والأمن الإقليمييْن".إن هذا التأكيد على الخطر المحدق بالقارة يسمح لنا بالقول بأنه اليوم لغز حقيقي، وقراءة هذه  المؤشرات والتصريحات تقول بأن المنطقة تربة خصبة من الممكن أن تنمو فيها التيارات المتطرفة الجهادية، وهذا يدفعنا إلى القول بأن غدا لغز آخر والأهم ما يمكن فعله في اللحظة الآتية. 

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2183 الاثنين 16/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم