أقلام حرة

قبر رقم 230191 / خليل ناصيف

كان ذلك في عام 1987 وكنت بالكاد اعرف القراءة حينها وحين شاهدتني شقيقتي انتزعت الصحيفة من يدي وخبأتها في غرفتها حيث كانت تحتفظ بعدد كبير من قصاصات الصحيفة وعليها رسومات ناجي العلي الذي كان يرقد في المستشفى في لندن بعد تعرضه لاطلاق نار قبل ذلك باسبوعين ....


لم اتمكن حتى الان من السفر الى لندن بالطائرة ثم ركوب القطار الى محطة (برووك وود) حيث يرقد ناجي العلي في القبر رقم 230191 وليس رقم 230190 على بعد دقيقتين من المحطة ..لكنني التقيت حنظلة كثيرا فيما بعد، ليس فقط في المظاهرات على الحواجز ولكن على ابواب الحدائق العامة حيث يبيع الترمس او المناديل الورقية بصمت ويدير ظهره لكل اللهو الموجود خلف تلك البوابات كأنه ليس من هذا العالم، التقيت فاطمة تحمل اطفالها الصغار في عيادات وكالة الغوث او تبيع الخضار في الصباح الباكر على الرصيف، أما بالنسبة للشخصيات (الثورية البدينة) التي كان ناجي يكثر من رسمها فقد شاهدتها كثيرا على شاشة التلفزيون وفي الملصقات الانتخابية، صاروا بخلاء جدا ولم يعودوا يستعملون اليافطات القماشية في الدعاية وبالتالي لم يعد بمقدور فاطمة ان تصنع منها ملابس لتغطي عورات اطفالها الصغار، ربما بامكانها استخدام صورهم كورق تواليت فقط ...

التقيت حنظلة وفاطمة ... شاهدت (الثوريين البدناء) في سيارات المرسيدس، اشتغلت كعامل كادح مع زوج فاطمة الذي مل السياسة ومل كل شيء ...لكنني لم التقي ناجي العلي، لم اجد اسمه مكتوب على اي شارع من شوارع فلسطين او اي ميدان من ميادينها التي اصبحت متشابهة حتى بتسمياتها لدرجة مضحكة، كأن هناك من يريد قتله بالتجاهل والنسيان بعد قتله بالرصاص ....اذا اتيحت لي الفرصة لزيارة لندن ذات يوم فلابد لي من زيارة قبر ناجي العلي، ولن اضع اكليلا من الزهور على قبره ولكن ساعلق علم فلسطين على القبر مع حفنة تراب وبعض الكلمات، سوف اتحدث معه طويلا كما لو انه كان حيا يرسم ثم أذهب. لن اعامله كميت .... فعندما امسك بين يدي تلك الاعداد العتيقة من صحيفة الميثاق التي توقفت عن الصدور منذ ربع قرن تنتابني حالة شك بان ناجي قد رحل حقا، فباستثناء ورق الجريدة الاصفر تبدو الرسومات كانها رسمت للتو بيد نبي !...

 

رام الله

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2199 الاثنين 6/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم