أقلام حرة

لعبـــة الجــــوع / هاتف بشبوش

والقطبية الواحدة التي جعلتها تتصرف بشعوبنا المتراجعة عن طريق الربوت كونترول, ومن هذه الافلام هوفلم لعبة الجوع* الذي يعرض حاليا في معظم صالات السينما العالمية, ومحتوى هذا الفلم قد جسده الامريكان في أراضينا عن طريق استغلال الطائفية والقومية والكره الدائم بين الشيعة والسنة, الذي نراه جليا في مايسمى بالربيع التقتيلي والتكفيري.

لعبة الجوع فيلم يعتمد تلك المقولة القبيحة التي كنا نرددها في السبعينيات واليوم أعادتها أمريكا الى السطح بلا مواربة وهي( إن لم تكن ذئبا أكلتكَ الذئاب), هذا ديدن أمريكا, تريد أن تجعل منا شعوبا تأكل بعضها بعضا, تجعلنا ذئابا, وهي الذئب الاقوى والاشرس, الفلم من تمثيل نخبة من الشباب اللامع الذي يمثل الصرخة الجديدة لهوليود في تمثيلهم الذي له نكهة خاصة تختلف عن تمثيل أيام زمان, نكهة تتجاوب مع شراسة أمريكا وقباحتها ولتذهب الاخلاق الانسانية الى الجحيم. يتحدث الفلم عن مسابقة تدعى ( لعبة الجوع), على غرارلعبة صراع المجالدين في الامبراطورية الرومانية والتي كانت لعبة التسلية للملوك, حيث يتصارع المجالدون حتى الموت أمام الملوك والاباطرة, وهذه اللعبة تؤدي في النهاية الى الموت الحتمي الاجباري لأحد المصارعين, , اذ لابد على الغالب أن يقتل المغلوب وليس هناك من خيار له, واذا لم يقتله فهناك لجنة مراقبة تقتل الغالب اذا لم يقتل المغلوب مثلما حصل لباسرتكوس المجالد والثائر ومحرر العبيد العظيم مع صديقه في داخل الحلبة وسنحت لصديقه فرصة ان يقتله وتراجع احتراما للمشاعر الانسانية والصداقة الحميمية, مما أدى بالمحكّم الجالس بالقرب من الملك الروماني ومن فوق المنصة ان يطلق رمحا على صديقه ويقتله في الحال, وكأنه يقتل حيوانا بريا رخيصا, لانه لم يلتزم بقوانين القتال داخل الحلبة, وقد مثل دور صديق سبارتكوس الممثل الزنجي الكبير الذي مثل دور الثائر الافريقي باتريس لومومبا *ا رئيس وزراء الكونغوالذي قاوم الاستعمار البلجيكي والذي استشهد على يد الاستخبارات الامريكية والفرنسية, والذي أذيبت جثته في حمض الكبريتيك كي لايصبح مزارا للثوار.

هذه هي التسلية التي يتسلّى بها القائمون على هذه اللعبة القبيحة ( لعبة الجوع) الامريكية والمشاهدون فيها يشاهدون اللعبة إجبارا عن طريق شاشات كبيرة جدا أعدت لهذا الغرض في كل أرجاء البلاد.

يتحدث الفلم عن تقليد اسطوري سنوي يقوم به الحاكمون وأصحاب السلطة, بأختيار فتى وفتاة من كل مقاطعة من المقاطعات في تلك البلاد, ويتم الاختيار عن طريق القرعة, حيث تسجل كافة أسماء المواطنين في أوراق ثم يتم سحب الاوراق كما هوالمعتاد, وحينما يتم الاختيار فلا امكانية للهرب بعد ذلك من هذه اللعبة, ويساق الفتية الى مكان اللعبة وهم يائسين حزانى خائفين من مصير الموت المحتوم وما من حيلة للخلاص سوى القتال في مكان اللعبة, أنها لعبة اللارحمة, أنها اللعبة التي يجبر فيها المقاتل على قتل حتى أخيه وأحباءه, المهم أن يبقى واحدا على قيد الحياة من مجموع المقاتلين الذين يبلغ عددهم حوالي الخمسون, فيكون هوالفائز عن مقاطعته ويتم الاحتفال بفوزه وتكريمه وتكريم مقاطعته, ومكافأته على عدد القتلى الذين قتلهم والموت والجحيم اللذان صبهما على ضحاياه, هذه هي لعبة القتال والجوع الامريكية الصنع, أنه فن صناعة الموت.

يبدأ القتال بوضع المتسابقين في غابة كبيرة مسيطرُّ عليها من قبل فريق خاص يتابع عملية القتال عن طريق شاشات كبيرة, تعرض ايضا على كل الناس في تلك المقاطعات, وكاننا في لعبة كرة القدم, وكل مقاطعة تشجع مقاتليها وتترقب فوزه في هذا القتال الشرس والموت المريع وبابشع الطرق, حيث يستخدم المقاتل جميع الاسلحة النارية والتقليدية والنبال والفؤوس والسكاكين والسيوف.

يبدأ القتال الاجباري بنصب الكمائن من قبل المقاتلين فيما بينهم, مع شدة الخوف وعدم القناعة بهذه اللعبة القذرة. ويبدأ القتال الشرس من أجل البقاء على مدى عشرة ايام بلياليها, يقتل خلالها الكثير منهم, بمشاهد مروّعة, مثلما يحصل اليوم والقتال الدائر بين الشيعة والسنة في الوطن العربي, وهنا الوطن العربي يمثل الغابة الكبيرة في هذا الفلم, الوطن المسيطر عليه عن طريق الربوت كونترول والفيس بوك والمراقب عن طريق الاقمار الصناعية والشاشات الكبيرة التي يتفرج من خلالها العالم الراسمالي, بانتظار المنتصر في هذا القتال الدامي بين الشيعة والسنة.

في الفيلم يموت اغلبية المقاتلين اما بقطع الرأس بالسكين, اوبضربة خنجر مخاتلة, أوبمنشار كهربائي, أوبسهم في العنق, أوحريق, أوسلاح ناري, بينما هناك الملوك والاباطرة يتفرجون للتسلية, عن طريق الشاشات التي نصبت للمراقبة والسيطرة على اللعبة اذا ما أراد أحد المقاتلين التنصل من القتال. وبعد قتال مرير مع حبكة في الاخراج والتمثيل ومشاهد مرعبة لاتوصف وقتال من أجل البقاء, يموت أغلب المقاتلين وتشاء الصدف أن يبقى فقط أثنان من المقاتلين من نفس المقاطعة فتاة وفتى, وهذه لم تحصل سابقا, في هذه اللعبة السنوية, وهؤلاء كانوا حبيبين رومانسيين قبل أن يأتوا الى حلبة الصراع, حبيبين لفهما الصبا والجمال والترافة والليالي البهية في المراقص والديسكوات. اللعبة تشترط بقاء أحدهم على قيد الحياة, وهنا بدأت المشاعر الانسانية الحقيقية لدى هؤلاء المحبين, مثلما الموقف الذي حصل كما قلنا أعلاه لسبارتكوس وصديقه.

يبقى الحبيب مع حبيبته في تلك الحيرة التي ليس لها مهرب أبدا, وفي تلك الغابة الموحشة, اذ لابد لأحدهم ان يقتل الاخر وهذه شروط اللعبة, مما أدى بهم ان يتمردوا, ويتركوا الاسلحة جانبا, لكن منبه الانذار جاءهم عن طريق المذياع الذي دوّى في الغابة بأكملها, أن يستمروا بالقتال, حسب شروط اللعبة ولابد من بقاء فائز واحد. الحبيبة تقبـّل الحبيب قبلتها الطويلة والحانية, وتدس في يده أقراص من الحبوب السامة لغرض الانتحار وهي بدورها تحتفظ بأقراص أخرى, قد هيأتها لهذا الغرض اذا ماحصل. لكن المسيطرون على القتال وعلى الغابة عن طريق الروبوت كونترول وشاشات المراقبة, لاحظوا ذلك, فتداركوا الموقف الذي لم يحصل لديهم سابقا, ولم يكن في الحسبان, اذ لايمكن للعبة ان تنتهي بموت الجميع وبدون فائز. فجائهم الصوت مرة أخرى ويأمرهم أن يتوقفوا عن الانتحار ويتركوا القتال, ويعلنوهم فائزين لهذه الدورة بأسم الحب, وهي لم تحصل قبل ذلك في تأريخ هذه اللعبة. حبكة عالية تناولها الفلم, والمغزى من ذلك أنّ السلطة ومنظمي هذه اللعبة وهم الرأسماليون الكبار, جعلوا الموت والحياة بأيديهم, متى ما أرادوا أذاقوا الشعوب موتاً, ومتى ما أرادوا أذاقوها الحياة, أنها المكنة الحقيرة التي أثرمت الكثير ولازالت تستمر في ذلك, أنه عالم الاقوياء, أنه عالم التكنلوجية التي يجب أن نركع لها, حتى وان مرّغت أنوفنا في الوحل .

نستنتج من هذا الفلم, انّ الامريكيين بدأوا يتصرفون بكل وقاحة, لا لأستعراض عظلاتهم فقط, بل بأستخدام التكنولوجيا التي تقابل جهل شعوبنا, لأغراض القتل وانزال الرعب بين الطوائف المختلفة. ولذلك هم اليوم يلعبون بنا على غرار هذه اللعبة, فنرى الربيع العربي التقتيلي, هوبالضبط ما نراه في فلم لعبة الجوع, لقد تحكّم الامريكان بشعوبنا المتقهقرة والمتراجعة, فجعلوا من الوطن العربي مثل هذه الغابة في الفلم التي يتقاتل فيها المقاتلون رغما عن أنوفهم, فنرى شعوبنا تتقاتل مع بعضها, والمفتاح والربوت بأيدي الغرب, الذي يتفرّج علينا بأنتظار منتصرا واحدا يتعامل معهم ويعطوه المكافأة التي هي أساسا من خيراته ونفطه, والويل والثبور لمن لم يلتزم بهذه اللعبة. ولحد هذا اليوم نرى الربيع التقتيلي السلفي يتبجح بعودة الحضن العربي الى حكم السلف والخلافة الاسلامية, وادعائهم على أنها مشيئة الرب, ولا أعرف لماذا هذه المشيئة اعتمدت على أقذر دولة في العالم وهي أمريكا. ليبيا تحركت بالربوت كونترول, تونس, مصر, سوريا, والقادم أسوأ, وقبلهم العراق, لكن في العراق لم يعجبهم انتصار الشعب, واللعبة كانت بايديهم وبأيدي عملائهم. والى الان شعوبنا لم تتعظ, ولم تعرف الدرس جيدا, بل ظلّت تقول وتدعي بأنها خير أمة انجبت للارض. لم نحصد غير خيبة املنا وفشلنا في كافة الميادين, وازرار اللعبة بأيديهم, فجعلوا منا مقاطعات وامصار تتقاتل وتتصارع فيما بينها, انه صراع الاخوة الاعداء الذي يتغذى من أكسير الطائفية والدين, انه الصراع الذي يتجلّى في فلم لعبة الجوع الامريكية.

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2203 السبت 11/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم