أقلام حرة

الكتابة بالدم العراقي !

سابقتها كماً ونوعاً وتتناسب وتنسجم مع ضرورات الحضارة المعاصرة ومتطلبات الحياة ومقتضيات العصر التي أصبحت بمثابة العلة الأساسية لظهور هذه الأداة وتطورها وصيرورتها على النحو الذي آلت اليه .

وقبل عصرنا الالكتروني الفيديولوجي، حسب تعبير ريجيس دوبريه في كتابه عصر الميديولوجيا، كان الباحث يكتب ماتجيش به نفسه بواسطة القلم حيث لايزال قيد الاستعمال ذلك النوع من الأقلام الذي يدعى قلم الحبر، يعمل بواسطة ملئ خزانة هذا الأخير بسائل حبر وبألوان مختلفة ثم تتم الكتابة به ببساطة الى أن تنتهي كمية الحبر الموجودة في خزانة القلم , بعدها يقوم صاحب القلم بأعادة العملية من جديد.

وهناك نوع أخر من الكتابة يكون حبرها الدم العراقي! نعم الدم العراقي الذي مازال يتدفق جرحه فاغرا فاه بغزارة على نحو مستمر في شوراع بغداد وبقية أنحاء العراق على يد شذّاذ الأفاق ونفايات الدول العربية التي لم تتقبلهم مكبات قمامتهم في أرضهم فجاؤا إلى العراق كي يوسخوا أرضه بفتات أجسادهم حينما يفجروها بين أبرياءنا بالتعاون مع حثالات العراق من القتلة والمجرمين. 

هذه الكتابة التي تتجسد في كل خطاب تحريضي يؤدي إلى العنف والإرهاب في العراق سواء كانت كتابة تقليدية عبر المقالات وما تسطره أقلامهم أو كتابة من النوع الخطابي الذي تتجسد عبر الكلام الشفوي الذي يبصقه صاحبه في وسائل الإعلام المتنوعة ..أذ حالما تكتب تلك الأقلام مقالاتها المتدنية في الصحف الصفراء وتتناول الشأن العراقي

وقضاياه وهمومه ..... حالما تفعل ذلك تشتعل في العراق الحروب وتُهرق الدماء على أرضه على يد من يعتاشون كأداة رخيصة بيد قوة خارجية كبرى تلعب لعبتها من اجل مصالحها واجنداتها الخاصة، ولعل ما حدث في العراق على يد تنظيم القاعدة والمليشيات دليل ناصع على هذا القتل المجاني للعراق .

ومن المؤسف ان تنساق قنوات فضائية وصحف كبيرة وشهيرة الى لغة التحريض المقيت واسلوب اشعال الفتن الطائفية والعرقية في العراق وتتناسى مهمتها ووظيفتها الاصلية وما يجب ان تقوم به من واجب أنساني يهدف بالدرجة الأولى الى الحفاظ على وجود الانسان وكيانه والدفاع عن حقوقه وصيانة كرامته وتعريفه بواجباته وحقوقه في دولته الي يعيش فيها ...بينما ما تفعله تلك الكتابة غير ذلك ... كأنما صدق فهم بعض الأدباء امثال كافكا ولوركا وكامو ومايا كوفسكي..حينما رأوا الكتابة لعبة يومية مع الموت ...

التحريض الذي يمارس في العراق أو بمعنى ادق ضد العراق وشعبه يتخذ إشكالا شتى ويتمظهر في وجوه عديدة يمكن لي حصرها في نوعين من التحريض استنادا الى معيار البعد المكاني التي تنشئ فيه وتتطاير بسمومها على أبناء العراق، فالأول هو من يأتي خارج الحدود عبر فتاوى التكفير الدينية الظلامية التي يصدرونها ضد الشعب العراقي بحجة المقاومة واخراج المحتل، فضلا عن ثلة من الكتاب المهرجين الذين يحاولون اعادة عقارب الساعة الى الوراء والتلاعب بحركة التاريخ التي يبدو أنها يعيشون خارج وحداته الزمنية وبعيدا عن حقائقه.

هؤلاء الكتّاب ربما لا يعرفون حقيقة أن كل كاتب، على تعبير الأديب الألماني غوته، يصور بطريقة ما نفسه في كتاباته حتى لو كانت ضد إرادته، فالتحريض والعنف والصراعات التي تتقيأها افواههم في الفضائيات او ترسمها أقلامهم في الصحف يكشف حقيقة شخصيتهم ويعري واقع حالهم ويفضح الأقنعة التي يرتدوها والتي يتظاهرون من خلالها أنهم مع المواطن العراقي ويحاولون الحفاظ على وحدة وطنه وصيانة كرامته في حين ان حقيقتهم غير ذلك وهي التي تظهر بوضوح بعد كل تفجير يمزق أشلاء الأبرياء في عراقنا الغارق في مأساته منذ زمن بعيد .

اما النموذج الثاني فهم الذين يعيشون في داخل العراق ويحرضون ضد بعضهم البعض عبر رمي الاتهامات وإلصاق الخطايا والتقصير بالآخرين والتي تؤدي، بعضها أحيانا، الى استغلال الإرهابيين لها فيمارسون أساليبهم ومناهجهم الدموية التي تحاول أن تغتنم أي فرصة للانقضاض على الشعب العراقي ودولته الناشئة على أنقاض ما آل إليه وضع العراق بعد انهيار دولته ونظامه السابق في عام 2003 .

هنا لا تعود الكتابة، التي يرتكبها المحرضون، كفاحا وحربا ضد الصمت كما يقول كارلوس فينتس بل كفاحا وحربا ضد حياة المواطن العراقي المتضرر الأول والأخير من أفعالهم المشينة، وكتاباتهم التحريضية التي، لكل أسف، لم تعد نزفا أمام آلة الطابعة كما وصفها بروعة ارنست همنغواي بل نزفا لدم المواطن العراقي البريء الذي تطاله نتائج هذه الكتابات!!

 

مهند حبيب السماوي

رئيس مشروع وزارة السلام العالمي في العراق

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1203 الثلاثاء 20/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم