أقلام حرة

من هم سماسرة الطائفية؟ / عبدالخالق حسين

وللأسف, هناك من يعمل بشتى الوسائل لإشعال هذه الفتنة بعد تحرير العراق من الفاشية البعثية, تنفيذاً لأجندات أجنبية لقاء المال الحرام على حساب وطنهم وشعبهم. ومن هذه الوسائل نشر أخبار كاذبة, القصد منها تحريض طائفة على أخرى, بينما المطلوب من المثقفين, وبالأخص الإعلاميين منهم, تهدئة الوضع وتجنب صب الزيت على النار. وفي مقال سابق لنا, أشرنا إلى خبر ملفق نشرته صحيفة (المدى) مفاده: "استبعاد المكون الشيعي من مجموع الطيارين الذين سيتم إرسالهم الى الولايات المتحدة الامريكية لغرض التدريب." والذي نفاه قائد القوة الجوية, جملة وتفصيلاً.

 

وبعد نشر مقالنا, خرج علينا أحد كتبة الصحيفة المذكورة بمقال هجومي رخيص وبذيء بعنوان: (سماسرة الطائفية), بدأه قائلاً: " يبدو أن منظّر دولة القانون السيد عبد الخالق حسين نسي القراءة بالعربية جيدا, او ان ثقافته الانكليزية التي ظلت تراوح بين ادعاء الماركسية والتغزل بالرأسمالية, والوقوف على أبواب السلطان, ....الخ". يبدو واضحاً من عنوان ومضمون مقاله, اتهامي بالترويج للطائفية, ولا شك أن هذه التهمة خطيرة ولها عواقب وخيمة, لذلك عدت إلى الموضوع, لا للدفاع عن نفسي إزاء هذه التهمة السخيفة, بل لحماية الرأي العام من التضليل, وفضح سماسرة الطائفية الحقيقيين. أما الاتهامات الأخرى التي وجهها لي كاتب المدى, فهي في منتهى السخف والإسفاف لا تستحق حتى الإشارة إليها. فأنا كاتب مستقل حر, أكتب وفق قناعاتي وما يمليه عليَّ ضميري, وواجبي الوطني. ولست من أولئك الذين لا يرون الأشياء إلا بالأسود والأبيض, إذ هناك ألوان أخرى, فالوضع العراقي معقد ومتشابك يحتاج إلى إعمال العقل, بعيداً عن المزايدات الرخيصة, ورفع شعارات براقة, شبعنا منها وجلبت على الشعب العراقي الكوارث.

 

من المؤسف القول, أن هؤلاء السادة استخدموا أقلامهم للتضليل بدلاً من التنوير. فهم الذين يشعلون نيران الفتنة الطائفية بنشرهم أخبار ملفقة, ويتهمون كل من يقف في وجوههم بالطائفية, أي كما يقول المثل: "رمتني بدائها وانسلت".

 

ولافتقاره إلى أدلة مادية وعقلية لتفنيد مقالنا, والدفاع عن الخبر الملفق الذي نشرته صحيفته, لجأ محامي الشيطان إلى استخدام السخرية الرخيصة والإساءة الشخصية بدلاً من اعتماد المنطق السليم لإقناع القارئ بوجهة نظره, إذ قال: [لا يهمنا إذا كان "المستر عبد الخالق" (كذا) يقرأ بعقله أو بجيبه, ولا الثمن الذي يقبضه بعد كل مقالة له تسبح بحمد اولي الامر, فهذا شأنه وهو رزق لا نحسده عليه,...].

إن اللجوء إلى هذا الأسلوب الرخيص دليل على الإفلاس الفكري والأخلاقي, ونحن إذ نترك الحكم للقراء الكرام ليحكموا من الذي يدفع له مقابل كل مقال ينشره.

 

ويضيف قائلاً: "لكن ما يخصنا أن الخبر الذي نشرناه له اسانيد لا يريد المستر (كذا) ان يعترف بها, اول هذه الأسانيد ما صرح به نائب عن التحالف الوطني قبل نشر خبر المدى حيث قال النائب عن كتلة المواطن كريم عليوي ان: "الاقصاء الواضح للشيعة في عملية اختيار الطيارين الذين سيرسلون الى الولايات المتحدة الامريكية للتدريب على قيادة الطائرات الامريكية يأتي ضمن مخاوف أمريكية واضحة من منح الشيعة قدرة استخدام تلك الطائرات". كما واستشهد بتصريحات سياسيين من قائمة دولة القانون نشرت بعد نشر الخبر وليس قبله, وهنا بيت القصيد, والدليل هو أنهم عندما نشروا الخبر أدعوا أنهم حصلوا عليه من قيادي في التحالف الوطني رفض الإفصاح عن اسمه.

 

يقول الفيلسوف الألماني, إريش فروم (Erich Fromm) "أن الإرهابي لا يعتمد على الأضرار الناتجة من فعله مباشرة, بل على ردود الأفعال). فردود الأفعال هي الأخطر, إذ تشبه سلسلة التفاعلات النووية (Chain reactions). وهذا بالضبط ما يعتمد عليه الإرهاب الفكري ومروجو الفتن الطائفية. فهم يطلقون كذبة لإثارة فتنة طائفية مثل كذبة استثناء الشيعة من التدريب على قيادة الطائرات الأمريكية, فصدقهم بعض القياديين في التحالف الوطني, لذا أطلقوا تصريحات مضادة بعضها نارية كرد فعل للخبر, ليتخذها كاتب (المدى) دليلاً لإسناد خبره وتفنيد مقال "مستر عبدالخالق حسين!!"على حد قوله, وتبرئة صحيفته من التلفيق!!.

 

وبالعودة إلى عنوان المقال: من هم سماسرة الطائفية؟

 إن سماسرة الطائفية هم أولئك الذين يتظاهرون بمحاربة الطائفية قولاً, ويمارسونها عملاً, وعن طريق فبركة الأخبار الكاذبة لإثارة وتحريض طائفة ضد طائفة أخرى. هم أولئك الذين يعملون على إجهاض الديمقراطية بغطاء الحرص على الديمقراطية والعلمانية لا لشيء إلا لأن رئيس الوزراء شيعي استلم المهمة وفق ما أفرزته صناديق الاقتراع, وحاز على ثقة الأغلبية البرلمانية. وقد صار في عرفهم أن أي سياسي شيعي هو طائفي حتى ولو كان شيوعياً, إلى حد أنه حتى السيد حميد مجيد موسى, زعيم الحزب الشيوعي العراقي, لم يسلم من هذه التهمة السخيفة لا لشيء إلا لأنه منحدر من عائلة شيعية, وهذه جريمة في هذا الزمن الطائفي العاهر.

 

قلنا مراراً أن المستهدف من هذه الحملة الضارية هو العراق كله لتنفيذ أجندات دول الجوار المعادية للديمقراطية الوليدة بغية إجهاضها, ولكن هؤلاء لا يستطيعون معاداة الديمقراطية علناً, لذلك راحوا يتهجمون على الديمقراطية العراقية بالادعاء أنها مزيفة ومستوردة فرضتها أمريكا!. وسبب آخر لعداء كتاب المدى, ومن لف لفهم للديمقراطية هو أن الذين فازوا بالانتخابات ليسوا وفق مقاساتهم التي يريدون فرضها على الشعب العراقي, لذلك يلجؤون إلى التضليل وفبركة الأخبار الكاذبة لإرباك الوضع وتشويه سمعة الديمقراطية العراقية. ننصح الذين يتهموننا بالطائفية إلى مراجعة كتابنا (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق) الذي ذكرت في الاستنتاج, أن نظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي, فالحل الوحيد لمشكلة الحكم في العراق هو النظام الديمقراطي العلماني الليبرالي, ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع.

 

يجب أن يعرف هؤلاء البلطجية أن بلطجتهم لن تخيفنا, ولن تزعزعنا عن مواقفنا التي نؤمن بصحتها قيد شعرة, وكلما أمعنوا في إرهابهم الفكري, تمسكنا أكثر بمواقفنا الصحيحة وفضح أعداء الديمقراطية.

 

خلاصة القول, إن سماسرة الطائفية هم الذين يرفعون عقيرتهم بالصراخ ضد حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع بحجة أنها حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية, ولكنهم يدافعون عن قيادة سياسية تمارس أبشع أنواع العنصرية والشوفينية ضد الحكومة المركزية المنتخبة.

حقاً ما قاله الروائي الفرنسي بلزاك: "حذار من إمرأة تتحدث عن الشرف كثيرا".

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي  تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209  الجمعة 24/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم