أقلام حرة

هم ألفراعنة .. نحن مَن نكــون ؟؟؟ / جمال الطائي

وانقطاع التيار الكهربائي في أحد الخطين الرئيسيين ألمجهزين للتيار الكهربائي لمدينة القاهرة مما أدى الى تزايد الضغط على الخط الثاني فانقطع التيار فيه هو الاخر وبشكل عكسي توقفت محولات التيار الثانوية وصولا ً الى المولدات الرئيسية مما ادى الى انقطاع شامل للطاقة الكهربائية عن العاصمة المصرية واستغرق الامر ستة ساعات حتى استطاعت الاجهزة الحكومية من اعادة التيار للمدينة المصرية،

في  أليوم التالي (يوم السبت)عقد رئيس الوزراء المصري (هشام قنديل) مؤتمرا ً صحفيا ً بدأه (بالاعتذار) للشعب المصري عن انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة القاهرة، وأعقبه بسرد تفصيلي عن واقع الكهرباء في مصر (التوليد، الحاجة الانية، ألمحطات العاملة، الخطط الفورية للعلاج والخطط المستقبلية)،

رئيس الوزراء المصري صارح شعبه ان العجز في الميزانية المصرية هو 35 مليار جنيه مصري مايعادل 7.6 من اجمالي الدخل القومي وان الحكومة تواجه دين داخلي مقداره 1.1 ترليون جنيه ودين خارجي مقداره 50 مليار دولار مع تحديات امنية داخلية وتحديات حدودية وتحديات مياه النيل،مع ذلك فقد وعد شعبه ان عام 2013 (أي بعد بضعة شهور فقط) سوف يتم القضاء على نقص الطاقة الكهربائية (بخطط انية سريعة) لانه أقرّ بأن بناء محطات جديدة يستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات وهذه ضمن الخطط المستقبلية لوزارته !!،ألملفت في هذا ألمؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء المصري هو مقدار (الشفافية) والاحترام الذي ابداه المسئول المصري لابناء شعبه، فلم تمر 24 ساعة على الانقطاع الذي استمر 6 ساعات فقط حتى رأينا أكبر مسئول حكومي يخرج للشعب بالاعتذار وبخطة كاملة لتجاوز الازمة وأكد رئيس الوزراء في مؤتمره انه يتواصل على مدار الــ 24 ساعة في اليوم مع وزراءه عن طريق الموبايل لان الوزراء جميعا ً يعملون (على الارض) بين جماهير الشعب وليس في مكاتبهم الفخمة في مقرات وزاراتهم !!،قبل هذا حدثت مشكلة سيناء والهجوم الارهابي الذي أودى بحياة عدد من الجنود المصريين ولاحظنا يومها كيف اِستُنفرت القيادات المصرية بدءاً بالرئيس / محمد مرسي وغيره من كبار القادة والتغييرات التي حصلت في وزارة الدفاع (احالة وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات وضباط كبار على التقاعد) بسبب خرق أمني واحد لا يُقارن بالخروقات الهائلة التي حصلت في العراق وأودت بحياة عشرات الالاف من العراقيين !!، هنا لا بدّ أن يبرز سؤال مهم يداعب عقل كل متابع لهذه الاحداث، يا ترى ماهو سبب ردة الفعل المصرية السريعة (في حالة الكهرباء) والعقوبات الرادعة والشديدة لكبار المسئولين (في حادثة سيناء) يمكن أن يكون الجواب بكل بساطة لأن المسئول في مصر يعرف الان جيدا ً انه جاء عِبر َ صندوق الاقتراع وان الشعب الذي أتى به ممكن أن يرميه خارج الحكم متى شاء، والمصريين الذين خرجوا أيام مبارك الى ميدان التحرير ولم يعودوا الى بيوتهم حتى غيّروا النظام ممكن أن يخرجوا مرة أخرى (ويقلبوا عاليها واطيها) كما يقولون، ألاخوة المصريين يفتخرون في كتاباتهم وفي اعمالهم الادبية والفنية بانهم احفاد حضارة عمرها عدة الاف من السنوات (هي الحضارة الفرعونية) فهم لا يستغربون أن يثور شعبهم وأن ينتخي عند أي ضيم يواجهه (وهذا ما حصل فعلا ً في ثورة يناير)،

ألسؤال الذي يلحّ علينا،ألا نفتخر نحن أيضا ً باننا احفاد أقدم حضارة عرفتها البشرية، بل يمكن أن أقول (حضارات)، فاذا كان المصريون يفتخرون بحضارتهم الفرعونية، فنحن أحفاد البابليين والسومريين والاشوريين والاكديين والكلدانيين  ولعل في كل شبر من أرضنا قامت يوما ً ما حضارة أتحفت البشرية بانجاز أو تشريع،فما بالنا يسوقنا قادتنا سوق (القطيع)، لن أتكلّم عن تاريخنا القريب فهو أسود مخجل ولكن لنتكلم عن السنوات العشر الاخيرة (سنوات الانتخابات والديمقراطية الموعودة) ألم نسلّم قيادنا لمسئولين يتلاعبون بنا بين أرجلهم كما يتلاعبون بكرة القدم، يرمون بنا من واحد لاخر يتلاعبون بمستقبل اجيالنا ومقدرات وخيرات بلادنا بلا حسيب ولا رقيب؟

اذا انقطعت الكهرباء عن القاهرة لمدة ستة ساعات فقامت الدنيا ولم تقعد وخرج رئيس وزراء مصر يعتذر من شعبه ويقدم خطة بتاريخ محدد لتجاوز الازمة  رغم الوضع المالي المعروف لمصر ومحدودية مواردها، اما نحن فمنذ عشرة سنوات لم تحصل أي محافظة عراقية (وليس بغداد فقط) على تيار كهربائي مستمر لمدة ستة ساعات، ولم نجد رئيس وزراء أو وزير كهرباء ولا حتى موظف صغير في بدالة وزارة الكهرباء يخرج علينا (لا ليعتذر من الشعب العراقي لا سمح الله) فمسئولينا أكبر من الاعتذار واكبر من الشعب، ولكن ليعطينا موعد مضبوط وحقيقي لحل أزمة الكهرباء، رغم مليارات الدولارات التي تطايرت بين أقدام وزراء الكهرباء وصفا بها الدهر في جيوبهم وجيوب احزابهم،اذا مات بضعة جنود مصريين (رغم ان خسارة مواطن واحد تعتبر خسارة كبيرة) استدعت الى اقالة وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات وقادة كبار في الدفاع والداخلية ؛ فقد حدثت منذ عشرة سنوات وما تزال تحدث (وبنجاح منقطع النظير)  عشرات الالاف من الخروقات الامنية راح ضحيتها مئات الالاف من العراقيين ليس عسكريين فقط بل مدنيين (نساء واطفال وشيوخ) ولم نسمع بمعاقبة (نائب ضابط أو رئيس عرفاء شرطة) فكيف باحالتهم للتقاعد ؟؟

طبعا ً لا يمكن أن أتكلم عن الوزراء الامنيين ولا عن القادة العسكريين الكبار لان هؤلاء (باب عالي) لا يمكن الدنو منه فكيف بمحاسبته، وكل منهم صاحب فضل على العراق والعراقيين انه تفضل مشكورا ً بقبول توليه هذه المناصب خدمة ً له ولحزبه وعشيرته !!

يوم كلّف الرئيس المصري / محمد مرسي السيد هشام قنديل تشكيل وزارته كان أهم ما اعتمده / هشام قنديل في اختياره لوزراءه (حسب تصريحه) انه اعتمد الكفاءة كمعيار اساسي وكان لابد أن يتوافر للشخص عدة أشياء حتى يرشحه كوزير أهمها امتلاكه لرؤية قابلة للتطبيق في وزارته وتكون لديه خبرة ادارية جيدة ورغبة في العمل العام الذي يمثل تحديا ً في هذه الاجواء، أما عن وزراءنا ومسئولينا فانني سأستعير ماقاله أمين بغداد في لقاءه الرمضاني في قناة الرشيد مع ألمبدع / أحمد ملا طلال فقد أكد أمين بغداد ان هناك وزراء ووكلاء وزارات ومسئولين كبار عينوا في وزاراتهم وبعضهم لم يكن موظفا ً ولو ليوم واحد بل جاءوا مباشرة من بيوتهم الى كراسي المسئولية (هذا كلام مسئول حالي بدرجة وزير) ولن أزيد عليه بشيء !!

شعبنا ليس ككل شعوب العالم، فلا يوجد ما يحفزّه أو يقوده للاحتجاج على سوء اوضاعه، فلا منظمات مجتمع مدني ولا أحزاب ولا نقابات ولا .. هم يحزنون،الوحيدين المؤثرين في الشارع العراقي، هم المرجعيات الدينية والعشائر، الاولى همّـها تحشيد الملايين من المواطنين كل شهر ليسيروا مئات الكيلومترات ويمارسوا طقوسهم في البكاء والنحيب واللطم وتفريغ كل شحنات الغضب والسخط والكراهية للحال الذي الوا اليه،مراجعنا العظام يريدون منـّا (أن نعمل لأخرانا كأننا سوف نموت غدا) ولا يهم ان فجرت بهائم الوهابيين اجسادها النتنة في مسيرات زوّارنا لاحياء المراسم الدينية، لا يهمّ ان يموت العشرات أو المئات، لا يهمّ ان تموت الحياة في مدن وقصبات لاسابيع طويلة وتتوقف المدارس والجامعات والدوائر، لا يهم كل تلك الخسائر فالحكومة راضية وتتعاون مع المرجعيات مادام الامر بالتالي يعود بالنفع على الحكومة بانشغال الناس بـ (الاخرة) عن دنياهم ..!!

مشكلة مرجعياتنا انها قرأت الجزء الثاني فقط من القول ولم تبدأ به (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا) فقد نست دنيانا واهتمّت باخرتنا فقط !!

أما العشائر فهمّها كما يبدوا كيف تحصل على أكبر (فصل) من طبيبة أخطأت في عملها، أو سائق دهس خطأ ً احد رعاياها، أو دابّة من عشيرة اخرى رعت خطأ ً في أرض تعود لها،عشائر العراق الديمقراطي السعيد تهتم في اغتنام الفرص لكسب النقود ولا اهتمام لها بالماء الصافي يصل لابناءها او الكهرباء لبيوتهم او المدارس لاطفالهم ؟؟

ساستنا في كل هذا السوء هم المستفيدين، فالبرلمان برلمانهم والاحزاب احزابهم والشارع مُـغيــّب،هم وحدهم وانبوب النفط يصبّ في جيوبهم،هل رأيتم بالله عليكم بلدا ً في العالم غير (العراق الديمقراطي السعيد) يكون البرنامج الانتخابي الذي تتسابق الاحزاب والكتل على تطبيقه هو اطلاق سراح القتلة والارهابيين الذين تغمسّت ايديهم بدماء الابرياء،هل رأيتم بلد في العالم غير (العراق الديمقراطي السعيد) يقاتل السياسيين وممثلي الشعب ورؤساء الكتل من أجل اطلاق سراح القتلة ويضعوه شرطا ً من أجل استمرار العمل في الحكومة،هل رأيتم أو سمعتم ببلد غير (العراق الديمقراطي السعيد) يوفرّ للمجرمين خدمات فندقية لا يوفرّها لابناءه الصالحين، ويتسابق سياسييه وقضاته لاخلاء سبيل القتلة الاجانب وأيصالهم معززين مكرّمين الى بلدانهم، ليعود شركاء لنا في البلد ويستقبلوهم ليمارسوا شهوتهم الحيوانية في ابادتنا، ونمسكهم ليعود ساستنا فيضعوا شرط العفو عنهم حتى تسير عجلة الحياة في العراق أو حتى نأمن على اطفالنا في مدارسهم ؟؟

هل رأيتم أو سمعتم ببلد في العالم غير (العراق الديمقراطي السعيد) يكون فيه نائب الرئيس، رئيس عصابة وقاتل ومتسّتر على عمليات اغتصاب وسرقة ومع ذلك يُستقبل في دول العالم استقبال كبار المسئولين والشخصيات، وكأنّ العالم يـُخرج لسانه للعراق استهزاءا ً واستصغارا ً،

يفخر المصريين بكونهم احفاد الفراعنة , نحن بمن نفخر، هل نحن شعب مغيّب، هل نحن شعب نعيش خارج التاريخ، هل نحن شعب بلا احساس فعلا ً كما يصفنا أحد الكتاب،اذا كنا أولاد علي ( عليه السلام) فأبو تراب لم يهادن ظالما ً ولم يترك حقا ً ولم يهمل فقيرا ً ولا يتيما ً ونحن لسنا كذلك، اذا كنا نبكي على الحسين بن علي (عليه السلام) فهو لم يبكي على ظيم ولم يقبل بذلّ ونحن لسنا كذلك بل قبلنا بالذل وعشنا به وصرنا نقتات عليه صباح مساء، فمن نكون نحن؟؟ أيُعقل اننا أحفاد هذه الحضارات التي ندّعي اننا وارثوها؟ أم ان هذه الشعوب أبيدت و(استوردونا) بدلا ً عنهم؟؟

أحفاد الفراعنة ثاروا ليبنوا بلدهم كما يشتهون.. فمتى نثور على الاقل لنجبر ساستنا على احترامنا، اذا كنا فعلا ً احفاد من ندّعي انهم اجدادنا؟؟؟

 

ألمهندس/ جمال الطائي

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2214 الاربعاء 29/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم