أقلام حرة

الملف الكردي .. بين تنامي المركزية الصارمة وتوجهات الانعزال ومشاريع الجوار!! / نبيل ياسين الموسوي

للجيش العراقي لمواجهة (البيش مركة) المتواجدون في خانقين، باعثاً برسالة لحكومة كردستان من أن الجيش هو الوحيد الذي يمكنه أن ينتشر على جميع أراضي العراق شمالا وجنوبا، غربا وشرقا وان الخلافات  العالقة يمكن حلها وفق مواد الدستور ومن ضمنها المادة 140 التي قد أُفرغت من محتواها بعد تجاوز المدد المحددة فيها دستوريا الذي كان ينبغي وضع المعالجات خلالها .. بدأت مخاوف المكون الكردي من عدم جدية الحكومة مما أدى إلى فقدان الثقة تدريجيا متوازيا مع تصاعد الخلاف مع إياد علاوي الممثل عن القائمة العراقية، حيث لم تتخذ الخطوات الجدية للمادة 140 ولم يتم تنفيذ الموازنة وحاجيات (البيش مركه) وفق اتفاق سابق بين الإقليم وبغداد وبحضور الأمريكان (حسب ما نقلته الصحف) على أن يتم اعتبار (البيش مركه)  جزء من النظام الدفاعي للعراق وعلى أن يتم تزويده بكل الاحتياجات اللازمة، ولم يتم الوفاء بهذا الالتزام بل احتجزت امدادات (البيش مركه) في مخازن معسكر التاجي، وكذلك لم يتم العمل من اجل مسودة قانون النفط والغاز والتملص من اتفاقية اربيل ؛ فأصبح لدى المكون الكردي شعور بان مفهوم الشراكة الحقيقية فقدت محتواها . وكان من المفترض وضع جميع هذه الإشكاليات على طاولة الحوار ومعالجتها بشكل جدي وعلى أساس شروط المواطنة العراقية الحقّة وتحت قبة البرلمان، ولطالما كانت هناك جسور ثقة واتفاقيات أُعتبرت إستراتيجية بين الكرد وشيعة العراق منذ الفتوى التاريخية لآية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) في بداية الستينات عندما حرم قتال الكرد، ولما تلاه من تعاون تاريخي لإسقاط النظام الديكتاتوري قد شهدته الساحة العراقية خلال الانتفاضة الشعبانية التي راح ضحيتها المئات  الابرياء من الشيعة والكرد على أمل تأسيس عراق اتحادي ديمقراطي ينظم علاقة الحكم فيه دستوريا .. وهذا ما تم فعلا فقد نص الدستور في مادته الأولى على أن جمهورية العراق دولة اتحادية ؛ وبمقتضى الدولة الاتحادية أنها قائمة على توزيع السلطة والثروة لكافة الأقاليم والمحافظات لا لصالح الحكومة الاتحادية، وإذا ما اتخذنا تسمية أخرى كالحكومة المركزية فيعتبر مخالفا للدستور يتطلب تعديله وان لا يتعارض مع بقية مواد الدستور ذات العلاقة كالمادة 112 أولا والتي قد حسمت الموقف لصالح الفرد العراقي لا الأمة العراقية، إذ تقرر أن يكون توزيع الواردات وأهمها النفط والغاز متناسبا مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد وكذلك يتناسب مع المظلومية التي وقعت على من ناله القهر والتهميش إبان حكم الطاغية . ومن هنا ينبغي أن يُبنى العراق على أساس التوزيع العادل لا على التجميع ولا على أساس المحاور والمحاباة والمساومات السياسية، أي ليس وفق معايير مرنة بل يجب أن يتم وفق المادة 105 التي تشير إلى تشكيل هيئة مستقلة عادلة تضمن التوزيع العادل في كل مناحي حياة العراقيين دون تمييز وبنفس الوقت من حق العراقيين جميعا أن يسألوا أين حقهم من هذا التوزيع العادل ؛ ويبقى اختصاص الحكومة الاتحادية كما أشار إليها الدستور كالخارجية والمالية وأمور الجنسية والتعداد السكاني ومشروع الموازنة العامة، ويتولى الإقليم والمحافظات الشؤون الخدمية والمحافظة على امن المواطنين وتسيير أعمالهم وفق القوانين المرعية ومنحها صلاحيات أوسع وغير مقيدة بل خاضعة لقوانين المراقبة والتفتيش وقوانين النزاهة . وبعبارة أخرى ينبغي أن لا تقوم على تباينات نظرية أو اجتهادية فحسب، فيما يتعلق بالدولة البسيطة والدولة المركّبة، بل يستند إلى اعتبارات عملية وسياسية، لاسيما فيما يتعلق بموضوع وحدانية الجيش ووحدانية الخطط الوطنية الاقتصادية والمالية الكبرى بما فيها الثروات والموارد الطبيعية (خصوصاً النفط والغاز) ووحدانية التمثيل الخارجي والدبلوماسي وإخضاع دساتير الأقاليم في حالة تعارضها مع الدستور الاتحادي الى المسائلة، وترك ما سواها إلى دساتير الأقاليم والمحافظات من منطلق تطوير النظام الإداري من خلال تقاسم السلطات بين المركز والأطراف وان يكتسب كل ذلك شرعيته بعد حصول مصادقة البرلمان ممثل الشعب، بحيث يمكن إحالة كل ما يتعلق بالتعليم والصحة والبلديات والبيئة والسياحة والإدارات المحلية والخدمات ولواحقها للأقاليم والمحافظات واستقلالها في إطار الحكومة والبرلمانات الإقليمية، بعيداً عن المركزية الصارمة التي كانت تحكم الدولة العراقية منذ تأسيسها في العام 1921 وحتى سقوطها العام 2003 . وهو الحل الأمثل ضمن مفهوم وحدة العراق وإبعاد المخاوف من تجزئة العراق عرقيا وطائفيا واحتمال العودة إلى المربع الأول باحتدام الأوضاع واحتمال تجدد الصراعات الضيقة، خصوصاً بتنامي اتجاهات مركزية صارمة داخل الحكومة الاتحادية، يقابلها اتجاهات انعزالية لدى الإقليم، وفي كلا الأحوال يوجد من يدفع الأمور باتجاه التباعد والتطرف غايتهم تقويض العملية السياسية الناشئة، والابتعاد عن دائرة الحوار الذي يفضي بالتأكيد إلى وحدة الكلمة والتي ينبغي أن تكون هي الأساس في تنظيم العلائق بين كافة المكونات السياسية العراقية والسمو بالمجتمع العراقي دون تمييز . أما ما يتعلق بخصوصية إقليم كردستان والشعب الكردي على وجه الخصوص  فهو الموضوع الذي ينبغي أن نعرفه، هو أن المادة 117 قد أقرت بواقع إقليم كردستان كما هو إقليما اتحاديا بعد أن اقر الدستور أن يكون العراق عراقا اتحاديا مشروطا بالفدرالية والديمقراطية، وهو لم يؤسس أساسا وفقا لإحكام الدستور أي الاحتفاظ بما هو واقع، كما سيكون الحال لو أسست أقاليم جديدة، وخلاف ذلك ينبغي الذهاب إلى إجراء تعديلات دستورية وفق بنودها النافذة . وإلا لا يحسن لمن عانى الظلم والتهميش أن يظلم الآخر .. وهذه نعتبرها قاعدة عامة تشمل كل العراقيين منطلقها شرعي وإنساني . ألا أن حماس حزب الدعوة ودولة القانون بدأ يفتر كثيرا على حساب الدولة المركزية  وهو اقرب إلى موقف التيار الصدري، خلاف رأي المجلس الأعلى الإسلامي الذي بقى حماسه وفقا للدستور وعلى أساس إيجاد الآليات المناسبة والوقت المناسب لتطبيق مبدأ الفدرالية التي كفلها الدستور اما القائمة العراقية فلاتزال تلعب على حبل خلق الازمات والتظلم لدى دول الجوار السني وتنعى عرش السلطة الذي زال منها بزوال النظام السابق .

غير أننا لا نفهم سبب إثارة المالكي الأزمات طالما هو من وافق على الفيدرالية الكردية وأبدى مرونة اتجاهها وعاد وتمسّك على نحو شديد بمركزية الدولة، وسعى لتوسيع صلاحياتها الاتحادية على حساب سلطات الأقاليم والمحافظات التي عبّر عنها بضرورة إعادة النظر بالدستور، لكن مواقفه تلك لم تترجم إلى واقع عملي باستثناء بعض ردود الأفعال، خصوصاً عندما اتخذ موقفاً أكثر حزماً بشأن عقود النفط في حكومة الإقليم التي عارضها وزير النفط حسين الشهرستاني بشدة وظهور دعوات أُخرى بإقامة أقاليم في الجنوب والوسط مما زاد في المشهد السياسي أكثر إرباكا وتعقيداً، ناهيك عن المناكفات والمساجلات مع القائمة العراقية وتنصل المالكي عن مبادرة اربيل وهو الذي يعلم قبل غيره انه من الصعوبة تطبيقها كونها تنطوي على تشكيل جهة تنفيذية مقابل جهة تنفيذية اقرها البرلمان المنتخب وباعتقادي أن المبادرة كانت مشروطة بفقرات تساوميه لصالح الكرد وعلى حساب صلاحيات الحكومة الاتحادية المشار إليها أعلاه . ومن هنا يبرز سؤال مهم ( ماذا يعني المالكي من هذا الإرباك وهو المنادي بان الحوار ينبغي أن يتم وفق الدستور ؟ ) (وما سبب تفرده بالقرارات دون مشاركة التحالف الوطني الذي هو اختاره رئيسا للوزراء ؟ ) وهو في خضم الاتهامات المتبادلة في ذم الحكومة من سرقة وتبديد المال العام وعلى سبيل المثال مسألة ملف الكهرباء الذي انفق عليه اكثر من عشرين مليون دولار (حسب ما نقلته الصحف) والخدمات مازالت متعثرة واتهام الكرد بشأن التسريع في عملية استيراد السلاح غايته تهديدهم والضغط عليهم عسكريا وبالمقابل اتهام المالكي ومريديه بقيام كردستان بتسليح (البيش مركه)  وان جهات سياسية تتلقى دعما ماليا إقليميا كقطر والسعودية وتركيا لقاء إسقاط المالكي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بمطالبة القائمة العراقية باللجوء إلى القضاء للتحقيق بهذه الاتهامات وكذلك لجوء الكرد إلى حل كردستاني بالرجوع إلى رأي ومشيئة شعب كردستان .. وكل هذه الاتهامات في حقيقة الأمر غير قابلة للتحقيق بسبب تشابك المصالح الإقليمية والدولية وخصوصا في المسألة الكردية وما يتعلق في مسألة كركوك والمناطق المتنازع عليها التي تهم كل من تركيا وإيران وسوريا، فهي مجرد بالونات تسويفية ومماطلات، غاية في نفس يعقوب . ونعود ونقول ما الغاية من هذه المناكفات وخصوصا مع الكرد العراقيين وكلنا نعلم  بان الكرد يتوزعون في ثلاث دول رئيسية هي تركيا حيث يزيد تعدادهم على الستة عشر مليون نسمه وفي إيران ما يقرب اثنا عشر مليون نسمه وفى العراق لا يتجاوز الاربع ملاين نسمة وفي سوريا لا يتجاوز المليونيين نسمة ومع ذلك فأن العراق هو الذي عانى ويعانى من تداعيات المسألة الكردية أكثر من تركيا وإيران، بالرغم من تمتعهم بالحقوق المدنية والقومية منذ زمن طويل في العراق وأصبح الإقليم اكبر المستفيدين من الموازنة المركزية أكثر من المكون الشيعي الذي عانى ما عانى من الظلم والتهميش أكثر من معانات الكرد ؟ التي يجب ان يتم معالجتها جذريا من قبل المكون الشيعي وشريكهم الاستراتيجي المكون الكردي والوصول إلى حلول مشتركة دون طرف ثالث. وان يتحمل  المجلس الأعلى الإسلامي وبالخصوص عمار الحكيم مسئولية في انهاء المناكفات السياسية مستثمراً موقفه المسؤول تجاه الاحداث وعلاقته الايجابية مع جميع اطراف النزاع وبالخصوص علاقته الاستراتيجية مع القيادة والشعب الكردي وكذلك ثقله في التحالف الوطني العراقي . وخصوصا بعد ما أصبح الصراع سنيا شيعيا بدليل تدخل تركيا والسعودية وقطر وحتى الأردن في المسألة الكردية الذين كانوا بالأمس بالضد منها .والسبيل الوحيد لكف يد التدخل الخارجي عن الاستثمار في المسألة الكردية يتم في إطار الدولة الوطنية الحرة التي تؤمن بالحريات ألعامة والديمقراطية العادلة في تطبيق الحقوق والوجبات دولة تقوم على المواطنة كأساس لبنائها الاقتصادي والسياسي، مع الأخذ بالاعتبار بان المكون الشيعي والكردي هم الاكثر تضرراً والتقارب والتلاحم بينهما ضرورة وطنية ملحة تضمن عدم انهيار العملية السياسية، سيما وان الاحداث تسير لصالح الطرفين طالما أن القرارات الإستراتيجية بأيديهم وإن حل الإشكالات كما قلنا يتم في إطار الدولة الوطنية واضعين باعتبارهما إنهما يتكأن على قاعدة شعبية واعية . أما القمع والخضوع لإرادات خارجية فلن يستطيع معالجة جميع القضايا العالقة وهي الاستراتيجية التي تعتمدها الاطراف السنية في مواجهة الشركائها السياسيين فسوف لن يؤدي الا الى زعزعة امن واستقرار البلاد واحاث فوضى قد تنشب جرائها حرب اهلية ليس لها اخر .

وأخيرا وخلاصة القول أن الدول والشعوب الحرة هي التي تستطيع معالجة مشكلاتها وان الوضع العراقي اليوم أضحى مسرحا وملعبا للقوى الإقليمية والدولية  مماجعله يعجز عن معالجة ابسط المشكلات فكيف بمشكلة بحجم القضية الكردية؟ بعد أن ازداد التوتر بين رئيس الحكومة نوري المالكي وحكومة إقليم كردستان بشكل كبير خلال العام الماضي حول قضايا بالغة الأهمية، كالوحدة الوطنية والثروة النفطية وتوازن القوى بين الحكومة العراقية والأقاليم وهذا الخلاف قد يؤدي إلى تقسيم العراق .

ان على المالكي وهو الطرف الاساس في الصراع السياسي الحاصل في العراق ان يعي جيداً خطورة الموقف وضرورة اعادة النظر في سياسة الاقصاء والتهميش وافتعال الازمات التي يتبعها منذ تسلمه زمام السلطة وان يسعى الى اعادة الصف الوطني ومحاولة ايجاد الحلول الكفيلة بأرضاء الاطراف المتنازعة مع مراعات عدم التجاوز على الدستور , وعلى المالكي ان يعي جيداً ان الحليف الاستراتيجي للشيعة هم الاكراد وان التفريط بهذا التحالف يعني التأسيس الى تحالف جديد تكون فيه كفة السنة هي الارجح وعليه ان يعيد حساباته على ضوء التطورات التي حدثت في المنطقة وعلى راسها مايحصل في سوريا .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2217 السبت 01/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم