أقلام حرة

اجتثاث عراقيي الخارج / عباس العزاوي

ونجح بدرجة كبيرة، ثم صنف المحافظات العراقية الى بيضاء واخرى سوداء بناءا ًعلى انتفاضة 1991، فالمحافظة التي ثارت ضد الظلم والطغيان سوداء وسحقت دبابات جيشنا  " الباسل الغيور " صدور ابناءها، والتي لم تطلق رصاصة واحدة ضده حكومة البعث الفاشي  بيضاء من غير سوء ولها في قلب " الاب " القائد منزلة عظيمة!، واخيرا قسم العراقيين الى عراقيي الخارج وعراقيي الداخل، واصبح مجرد ان تطرح رأيك بقضية معينة يأتيك الجواب .. "  اهووو هذا نايم بالخارج ويتفلسف بروسنه "، وهذه العقدة الجديدة لم تقتصر على عموم البسطاء من الشعب والمتأثرين بالاعلام البعثي وحملته ضد العراقيين في الخارج، بل شملت حتى النخبة من ادباء وشعراء ورياضيين، فمنهم من يسخر وبطريقة متدنية  مصحوبة بابتسامة شيطانية، من هروب البعض مرة اخرى الى الخارج بسبب الاتربة ودخان السيارات، ومنهم من يقول بانهم يعيشون على ضرائب الغرب!! ويتندر بها كمنقصة في اخيه العراقي الذي هرب من الموت او رفض ان يموت في سبيل البعث وحروبه الكثيرة!! وذهب اخرون الى القول، أن  نصف اموال النفط العراقي تذهب لعراقي الخارج !! وهم مترفون على حساب الشعب المحاصر أنذاك! وهذه قناعة لاجدال فيها  وقد اتفق الكثيرون على نفس النبرة والاستنتاج، وعلى هالرنة واطحينج بعثي.

 

لماذا أتيت الى العراق؟ سألني احد الجنود في ميناء ام قصر بعد ان فتش حقائبي ـ بلامبالاة ـ في زيارتي الاولى للعراق . لم اجد جواباً لهذا السؤال الساذج، بقيت ساعات  اقلب الامر في راسي، نعم الرجل محق ،لماذا اتيت؟ وهل هذا هو بلدي الذي تغربت من اجله ؟ ومن قال لك ان تتغرب يااحمق، صايرلي مناضل؟  قال لي آخر في زيارتي الثانية بعد حديث هابط  جداً، من قال لك ان تأتي للعراق ؟ ومن يقول بانك عراقي ؟  كان ضابط برتبة رائد يمتلك من التفاهة والحمق الشي الكثير!! كيف يثبت الانسان  وجوده وانتماءه ؟ بالقفز العالي ام بالصراخ والعويل ؟  ام بشتم الاخرين بلسان عراقي فصيح!.

 

 لم تأكلوا الخبز الاسود،المخلوط بنشارة الحديد والخشب، لم تجوعوا مثلنا!! ومن هو الذي سبب بهذه المأساة لكم ياأحبتي ؟، عراقيو الخارج ام بعثيو الداخل؟ ... تركتم  مسؤولياتكم الوطنية،  الله ... كم هي جميلة هذه الشعارات الامعة! وماذا فعلتم انتم حيالها الى ماقبل السقوط، اين كنتم عندما  كنا نتعرض للاضطهاد والقتل؟ سؤال وجيه، كيف سأجيب عليه؟، والسائل يعرف سبب هروبي الوطني!!، ياألهي كم كنا سذّج وغارقون في الجهل ... ونظن باننا مناضلون واصحاب قضية مصيرية وانسانية، ياسلام على النضال المشرف، ورغم ذلك فانا اعتذر لكم  يااحبتي لاني لم امت فالحظ كان غافلاً عني ولم يمنحني فرصة ان أُقبر كباقي اصدقائي لأتجنب الاشتراك بحصاركم وتجويعكم والتخلي عنكم في احلك الظروف، فهي لم تكن غلطتي لوحدي فقد تظافرت كل الجهود لتحقيق نجاتي ... لعلة لاافقهها، احد الصهاينة قال، ان الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، اذن اذا قلبنا المعادلة، سيكون العراقي الجيد هو العراقي المقبور وطنياً، رحمة الله عليه، فهو لايزاحم احد في شي الا بمترين يفترشهما مرغماً  حصيلة ماجنت يداه! وهنيئاً له فهو شهيد عند الله ـ ليس عندنا ـ يستحق المجد والعلياء وقراءة سورة الفاتحة همساً، وبلغة عربية ركيكة .

 

 

في زيارتين الى العراق عرفت فيها حجم الهوة التي تفصل بين ابناء الوطن الواحد، تفصل بين الراس والجسد وبين الوطن والمواطن، وبين الانسان ونفسه، بين ابناء الطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة بل وحتى العائلة الواحدة،ليس فقط بين الخارج والداخل، بل حتى بين الداخل والجوادر  والكيارة وبين الثورة ومدينة الشعب وبين بغداد وباقي مدن العراق، خراب في كل شئ  في النفوس والعقول والاجساد  والشوارع، خراب لايمكن استيعابه او تداركه على المدى المنظور وازدواجية عجيبة تهيمن على الناس، فمنهم من يتكلم بالحلال والحرام طوال الوقت ومن اتباع رجل الدين الفلاني، لكنه متجاوز على الاملاك العامة بغير حق، نغمة تلفونه آيات قرانية وادعية واسماء مقدسة، ولسانه اقذر من نفايات الصرف الصحي في الحديث عن الاخرين، يتغاضى عن افعال البعثيين وتسلقهم الجديد على رقبته ويلتمس لهم العذر، وان الله غفور رحيم! ولايرحب  بالمغتربين من اخوته ويضمر لهم عداوة لاتعرف لها سبباً منطقياً.

 

والاكثر ايلاماً ومرارة  ان تسمع ان هناك من يطالب بالعفو عن البعثيين، لمن  ابدى منهم رغبة بالمشاركة في بناء البلد، لانهم كانوا اربعين سنة منشغلون بتعذيب الناس وقطع السنتهم ورؤسهم اما الان فتفرغوا كلياً للبناء! وهناك مساعي رشيدة لاعادة البعثيين القابعين في سوريا والاردن، تحت شعار طي صفحة الماضي الملطخ بلون الدم  ـ وكأن  صفحة الحاضر ناصعة البياض ـ وعفى الله عما سلف وعما تلف واتلف، والمعترض يثير الفتن النائمة والطائفية الوهمية !! وهذا يعني ان ازلام النظام السابق وصعاليكه واذياله المرتزقة الذين كانوا كالكلاب المسعورة بالامس القريب تنهش القريب والبعيد ، هم اكرم عند البعض من اخوانهم الذين اضطروا لترك اهلهم وحبيباتهم ومساكنهم حذر الموت بسبب مواقفهم المبدئية ضد النظام المقبور .. ويعني ايضا ان المصالحة مع القتلة  وتبييض صفحاتهم السوداء  واعادتهم لمناصبهم وربما الاعتذار منهم عن الازعاج الغير مقصود ! احب الى قلوب البعض من احتضان ابناء البلد المضحين والمغتربين .. لعمري  انها قسمة ضيزى!

 

ـ  عفو الضعفاء هو اعلان للهزيمة

  

عباس العزاوي

4.9.2012

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2220 الثلاثاء 04/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم