أقلام حرة

الع?وْدُ الأبدي .. أو حين يعاد تخليق الفشل بما لا يخالف شرع الله لا توَلوا أمركم عسكريا ولا إسلاميا !!! / إيناس نجلاوي

لا ضير من أن نترك القطيع ينشغل بتوافه الأمور و نلتفت إلى ما سيحدد مستقبل الوطن العربي لعقود قادمة... انطلق العد العكسي لمشروع النهضة و دخلت مهلة الـ100 يوم التي وعد بها الرئيس مرسي ربعها الأخير. فترى ماذا حقق طائر النهضة لهبة النيل أم أنه لم يسقط سوى فضلاته على رأس مصر؟؟

 

الع?وْدُ الأبدي أو دائرية الزمن عند نيتشه:

سعى الفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه لتخليص الإرادة البشرية من شللها النفسي من خلاله مؤلفه "هكذا تحدث زرادشت" (Thus Spoke Zarathustra). وعلى لسان الراوي والبطل زرادشت طرح نيتشه فكرة "العود الأبدي" للدلالة على مسار الزمن الدائري وأننا محكومون بالعودة إلى الوراء؛ أو بمعنى مبسط يرى نيتشه أن الحياة مسرح متجدد يعيد التاريخ فيه نفسه باستمرار. يؤمن نيتشه بأن "كل اتجاه على خط مستقيم هو اتجاه كاذب، فالحقيقة منحرفة لان الزمان نفسه خط مستدير أوله وآخره". وفقا لهذا المنطق، يصبح الزمان دائرة مغلقة تؤدي بدايتها إلى نهايتها والعكس صحيح وتتحول الحياة إلى دورات متماثلة متشابهة الشخوص والأحداث والأشياء. ونجد زرادشت يخبر أتباعه "بأن جميع الأشياء تعود أبدا ونحن معها عائدون". وهذا الاعتقاد موجود كذلك في أسطورة طائر العنقاء (Phoenix) الذي يموت احتراقا ثم يحيا من رماده.

 

 التقاء الماضي والمستقبل العربيين عند بوابة الربيع:

حين مات البوعزيزي احتراقا، رددوا أن "شهادته!" قربان لبداية جديدة؛ لربيع عربي حر وديمقراطي يتمتع فيه الفرد بكرامته وعزته وكل حقوقه الإنسانية. لكن طبقا لفلسفة نيتشه، ذاك الاحتراق لم يكن سوى إيذانا بتجدد الاستبداد وإعادة تخليق الفشل من رماد الديكتاتورية العسكرية.

دورة حياة جديدة منحها الربيع للعرب؛ تبدو أكثر اكتمالا و وضوحا في مصر. هذه الدورة لا تختلف عن سابقتها سوى في أنها نزعت عن ممثليها البزات العسكرية و ألبستهم لحى وذقونا، أما المعطيات والتوجهات والتوابع ستعود كلها مرة أخرى بلا تغيير، لكنها ستتراءى للبعض (المؤمن بنظرية الربيع) مختلفة خلاقة وغير "فلولية" لمجرد أنها نسبت الإسلام لنفسها وادعت أنها لا تخالف شرع الله. وإذا، التعاقب المستمر في الحالة الربيعية العربية يتخذ الدين مطية له لتخدير الشعوب و إعادة تكريس أخطاء الماضي و تكميم أفواه المعارضة (الليبراليين أعداء الله). فلا صوت يعلو على صوت شريعة الرب (وفق المنظور المتأسلم) حين يعم الجهل و تتحول المدارس إلى مصانع لتخريج المعاقين فكريا.

 

نسخ طبق الأصل الطالح:

رحلت وجوه الفساد البارزة –في بعض الدول العربية- لكن مشاريعها الرجعية التدميرية (الرامية إلى استعباد وإذلال المواطن العربي و حصره في مثلث ضيق أضلاعه الخوف والفقر والتخلف) مازالت مستمرة، وان اختلفت أشكالها ومظاهرها. وكانت نهاية هذه الوجوه العلة والسببية التاريخية لبداية مجموعة أخرى لم يسبق لها اعتلاء سدة العرش العربي، لكن سرعان ما ظهرت عليها عوارض جنون السلطة والمال. و هكذا يصبح الحاضر رهينة لتجارب قديمة في حلة جديدة، ويجتر المستقبل خيبات وانتكاسات الماضي.

ما أشبه اليوم بالأمس! في السابق كان الرئيس وقرينته وولداه وحزبه الحاكم، أما اليوم فهناك الرئيس وأولاده الأمريكان الجنسية ومرشده وحزبه وجماعته و أهله وعشيرته. في السابق، ادعى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بأنه اسم على مسمى، واليوم يخرج سعد الحسيني -عضو المكتب التنفيذي للحرية والعدالة وعضو مجلس شورى الإخوان- ليعلن عن احتكار جماعته للديمقراطية ومعاداة من يخالفهم الرأي والاتجاه في التصريح التالي: "إن الأخونة تعني الديمقراطية الحقيقية وأعداء الديمقراطية هم أعداء الأخونة" (منقول عن الأهرام، عدد 28اوت2012). 

 

الاقتراض والربا الاخواني حلال، حلال شرعا:

أثناء الحملة الانتخابية لمرشحي الإخوان الشاطر ثم مرسي، أغرقوا الشعب المصري وعودا و أماني بان مشروع النهضة يتيح لمصر استثمارات أجنبية ب200 مليار جنيه. وبعد أن استوى برلمان الذقون، لم يكن لنواب الإخوان من شاغل سوى مهاجمة حكومة الجنزوري ومعارضة نيتها الاقتراض من البنك الدولي. و ورد على موقع الجماعة الالكتروني بتاريخ 20/02/2012 ما يلي: "جدد حزب الحرية و العدالة رفضه للإصرار الحكومي على الاقتراض من البنك الدولي، ويرى الحزب أن البحث عن مسكنات لعلاج المشكلات الاقتصادية يثير العديد من علامات الاستفهام، خاصة أن لدينا موارد مالية عديدة يمكن الاعتماد عليها قبل اللجوء للاقتراض الخارجي من البنك الدولي أو من غيره حتى لا نحمل الأجيال القادمة أعباء ليسوا سببا فيها."

أما بعد الانتخابات المصرية، تغير الموقف 180° وعاد ليكمل ما بدأه الجنزوري (والع?وْدُ أحمد)، فقد شهد قنديل –رئيس وزراء الحكومة الاخوانية- توقيع اتفاقية مع البنك الدولي لتمويل مشروعات بقيمة 200 مليون دولار. و صرح سعد الحسيني بأنه يؤيد قرض صندوق النقد الدولي ولو كان "ربا" لان الضرورات تبيح المحظورات! وان سلمنا بهذا المنطق الأعور، فان الجائع تبيح له الضرورات السرقة والسطو على أملاك الغير والفقيرة يبيح لها عوزها أن تمتهن بيع جسدها لتحصيل حفنة من المال!!

ومن جانب آخر، فقد أوضح خبير اقتصادي –احمد السيد النجار- أن جماعة الإخوان التي عارضت بشدة اتفاقية الكويز في عهد مبارك، تباركها الآن بشدة بإعلان حكومة قنديل توسيع نطاق الاتفاقية ودعمها بمبلغ 4مليارات جنيه، علما بـ"أن هذا الدعم يصل جزء منه إلى رجال الأعمال (في الكيان الصهيوني) والذين يشاركون في مدخل يصل إلى 11.8? في المنتج الذي يخرج من شركات الكويز" (عن "صدى البلد" منشور بتاريخ 13/09/2012).

نفس الأشياء (الأخطاء) تتكرر ولكن بتبريرات مختلفة. فحين يتعلق الأمر بنظام مبارك، يكون التعامل مع اليهود خيانة لفلسطين و الاقتراض ربا حرمه الله. أما حين يصبح الطرف الموقع للاتفاقيات مع الغرب والصهاينة ملتحيا حافظا لكتاب الله، ساعتها يتحول تصدير الغاز للكيان الصهيوني لفرض واجب من باب أن الرسول –ص- أمرنا بحفظ العهود والمواثيق، أما الاقتراض فهو ضرورة وحسب "الشيخ العلامة" سعد الحسيني فإن الربا الاخواني ليس بربا! وبهذا الشكل يتم "بما لا يخالف شرع الله" تصدير "أرض محروقة" للأجيال القادمة.

 

ليكف الله المحروسة شر تنقلات وصلوات مرسي:

أثبت مرسي أنه ليس واحدا من الشعب باستخدامه لطائرات الهيلكوبتر في الانتقال من محافظة مصرية إلى أخرى وجعل شهر رمضان الكريم على المصريين عسيرا بتنقلاته الدائمة من جامع إلى آخر لتأدية التراويح وصلاة الجمعة؛ ترافقه كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين لنقل "إيمانه الشديد" صوتا وصورة.

وكيف لا تكون صلاة الجماعة (جماعة المسلمين وليس جماعة الإخوان) مشقة كبرى و حشود الحرس الجمهوري و الأمن المركزي تطوق المسجد "المختار" و تقيم مراكز مراقبة و تنصب بوابات الكترونية لتفتيش المصلين؟ وفي بعض الأحايين يصل مرسي إلى المسجد جوا ثم ترافقه سيارات الرئاسة من المطار إلى الجامع، ويحتل حراسه الصفوف الأمامية لتطويقه وحراسته من جموع المصلين! لماذا لا تأمر مرافقيك، يا سيادة الرئيس، بالصلاة؟ وما حاجتك إلى الحراسة في بيت من بيوت الله إن كنت لا تخشى شيئا؟ أليس في صلاته بين أركان قصر الاتحادية درأ لشر و مشقة على المسلمين في مصر؟؟

يعجز الشعب المصري عن معرفة تفاصيل و تطورات برنامج مشروع النهضة، لكنه يستطيع بسهولة معرفة تكلفة تنقلات الرئيس بين حفلات التخرج والجوامع، كما يستطيع الحصول على خارطة للمساجد التي صلى فيها الرئيس وعدد القنوات التي نقلتها على المباشر. ويبدو أن صلوات مرسي هي الأغلى سعرا والأكثر تكلفة والأشد حراسة في كل التاريخ الإسلامي!

 

الدولة البوليسية الاخوانية:

قالوا لو نجح شفيق، سيعود بطش الداخلية و تضرب الدولة البوليسية الفلولية بيد من حديد. ولكن رغم نجاح مرسي عادت عصا الأمن و بأكثر غلاظة، فقد تم فض اعتصامات النقل العام والمعلمين و محافظة أسوان وجامعة النيل بالقوة المفرطة. و ترافق عودة عصا البوليس فتوى من "الشيخ" الأخرق قبيح اللسان وجدي غنيم تقضي بأن طلبة جامعة النيل فلول وفض اعتصامهم بالقوة واجب شرعا. والأكثر سخرية، انه يدعو بالنصر لقوات الأمن في فض الاعتصام وكتب في تغريدة له عبر موقع تويتر: "اللهم ثبت يد وزارة الداخلية للضرب بقوة على أيدي الظالمين"!!!

القمع في فترة مرسي التي لم تبلغ بعد الـ100 يوم فاق في بطشه و جرأته ما فعله النظام السابق على مدار 30سنة، فقد نقل موقع صحيفة الموجز بتاريخ 18/09/2012 عن مدير الوحدة القانونية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير تصريحه بأن: "حجم القمع للطلاب الفترة الماضية والهجوم على حرية الصحافة والإعلام، والهجوم على الأقليات الدينية والأقباط في مصر في تزايد مستمر مما يدل على أن النظام رجعي على مستوى الحريات العامة والشخصية."

أباحت جماعة البنا اقتحام مقرات الأمن المركزي وإحراقها وإتلاف محتوياتها، وحين كانت الداخلية تحت سلطة المجلس العسكري، كانت الاعتصامات مقدسة وتفريقها جريمة أما المتظاهرون فثوار و الساقطون برصاص الأمن شهداء. ولكن حين انتقل جهاز الداخلية إلى نفوذ مرسي، استمرت نفس الأفعال الممنهجة لكن الصيحات عن حقوق الإنسان وحق التظاهر توقفت. و الإعتصامات أصبحت أسلوبا متخلفا للاحتجاج وتفريقها واجب وطني أما المتظاهرون فمخربون وفلول وقتلاهم لا عزاء لهم. عجيب كيف تنقلب الأمور بسرعة البرق؛ نفس الخروقات تتكرر لكن تحت مسميات جديدة!

 

يا رسول الله، أمريكا أولى وأبقى لنا:

سيكتب التاريخ أن الإخوان الذي حشدوا الملايين في جمعة قندهار لإبراز قوتهم أمام مجلس طنطاوي، امتنعوا عن النزول في جمعة نصرة الرسول ارضاءا لأسيادهم الأمريكان. ولا يتحرجون من إظهار انفصامهم ونفاقهم، ففي موقع الإخوان باللغة العربية يكتبون "المصريون ينتفضون لنصرة النبي أمام السفارة الأمريكية". وفي موقعهم بالانجليزية، ينشرون رسالة للشاطر جاء فيها "انتهاك السفارة الأمريكية بالقاهرة غير قانوني طبقا للقانون الدولي... ولا نعتبر الحكومة الأمريكية أو المواطنين الأمريكيين مسئولين عن أفعال قلة انتهكت القوانين التي تحمي حرية التعبير"!!! يلا غباءهم! وكأن السفارة الأمريكية لا تطلع على المواقع العربية وتنقلها بعد ترجمتها إلى دوائر صنع القرارات الأمريكية. ثم ما موقع الشاطر في الدولة المصرية حتى يتحدث باسم الحكومة والشعب المصريين؟ أم أن صداقته بمرسي و زمالتهما في مكتب الإرشاد هي المعيار ليحشر أنفه في سياسة مصر الخارجية؟!

 

العنزة لا تطير:

مع اقتراب انتهاء مهلة الـ100يوم التي قطعها مرسي على نفسه (ولم يطالبه بذلك أحد)، بدأت تخرج تصريحات تعلل مسبقا الفشل القادم على غرار تصريح مرشد الجماعة بديع بأن أعداء مصر في الداخل و الخارج هم من عرقلوا مشروع النهضة! وأيضا إعلان -الاخواني دائما- عبد المنعم أبو الفتوح "ليس عيبا أن يخرج د. مرسي لشعبه ليخبرهم أنه أخطأ في حساب حل المشكلات في خطة الـ100يوم"! المشكلة لا تكمن في عدد الأيام أو الشهور أو السنوات، المشكلة الفعلية تتمثل في أن ما روج له على انه طائر نهضة ليس، في الحقيقة، سوى عنزة لا تطير. و مشروع الإخوان الوحيد تمثل في الإطاحة بما يقارب 1800 قيادة "تنتمي" إلى النظام السابق بغية تقوية نفوذ الإخوان في دواليب الحكم استعدادا للانتخابات البرلمانية والمحلية، وهاهو العريان عصام يلغي كل قطاعات الشعب و لا يخفي أن جماعة الإخوان ستنافس في التشريعيات المقبلة على 100? من المقاعد!!

كل هفوات و إخفاقات الأنظمة العسكرية التي تراكمت على مدى 50سنة وأدت إلى الانهيار، تطفو مجددا (ولكن بعوامل اخوانية هذه المرة) على أسطح الدول "المحررة" بسرعة جنونية، وبالتالي لن ينتظر الع?وْدُ الأبدي 1000 سنة (كما زعم نيتشه). تراكم فشل الإسلاميين السياسي سيكون العلة لنهاية الدورة الربيعية، ولكن هذه المرة سوف يكون عن طريق انتفاضات شعبية حقة لا تحركها المؤامرة الصهيونية ولا المراكز الإستخباراتية الغربية.

 

بقلم: إيناس نجلاوي- خنشلة

أستاذة بجامعة تبسة- الجزائر

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2222 السبت 22/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم