أقلام حرة

السلطتان المركزية والعشائرية / صادق غانم الاسدي

لا تزال تعيش على أطلال التخلف والرجعية رغم أن عناصر الحضارة والتطور الفكري بكل إشكالها تحتل مكانة واضحة وأساسية في بيوتهم،ألا أن عدم تفاعلهم وانسجامهم مع الحياة المدنية التي تغلب عليها صفة احترام القانون وتحقيق المساواة والعدالة بين الجميع جعلهم يلجأون الى الأعراف العشائرية ويتمسكون بها، وانعكس ذلك على تأخر البلد في كل النواحي ولا استثني جانبا معينا وبالتأكيد أن الأمن هو عصب الحياة ومن خلال استقراره نستطيع أن نقفز وننافس الدول المتقدمة في ميادين العلم والثقافة والفن، وأمامنا تجارب لبلدان خضعت لسلطة وقوة القانون فقط وكيف سبقت الزمن واعتلت قمم الازدهار وأسعدت شعوبها ورسمت البسمة والثقة على شفاف جميع أفراد شعوبها،وبما أن العراق واحد من الدول التي يتمركز فيها نظام العشائر بسب طبيعته وتركيبته السكانية فهو يخضع حتى في مجال السياسة والحكم إلى التأثيرات القبلية على حساب الحق وسلطة القانون، هنا لااريد أن ابخس تقاليد العشيرة والتركيب المجتمعي لمختلف العشائر،أذا تناسبت أفعالها مع الأعراف والأخلاق العربية المتمثلة في ديننا الإسلامي وهو يحث على الأنصاف والقسط ونبذ الفرقة والاقتصاص من المجرم ومراعاة حقوق المرأة ومراعاة ظروف القتل غير المتعمد والاهم من ذلك هو عدم التدخل بشؤون الأجهزة الأمنية والتأثير عليها، كما يجري اليوم على مسمع ومرأى الكثير من أبناء شعبنا، والقصص لم تكن من نسيج الخيال أو نابعة من كره الأعراف العشائرية وإنما حالة تحدث بين فترة وأخرى، أو ربما لأتصدق حين ما ترويها، في احد الأيام تم ضرب احد اللصوص إثناء سرقته لأحد الدور من قبل صاحب الدار، وبعد فترة فوجئ بتهديد من قبل آهل السارق وتبليغه لحضور الفصل العشائري، وكذلك في عام 2009 في منطقة الشعب قامت عناصر مجرمه بالسطو على محل لبيع العملة الأجنبية ظهرا وفي فصل الصيف وبعد أن علم سكان المنطقة سارعوا للعون والهجوم على المجرمين وحدث أطلاق نار مما أصاب اثنان من السراق وتسليمهم للشرطة،وبعد مدة قصيرة أيضا جاء أهالي المجرمين وبدلا من الاعتذار ودفع الضرر الى المعتدى عليهم آخذو يتوعدونهم بالشر وطلبوا منهم دفع جميع تكاليف إجراء العمليات والخسائر، هنا تغيب سلطة القانون ويضعف الأمن وتتكاثر السرقات وتعم الفوضى ولايمكن أن نشرع في البناء وتوفير الخدمات وتهيئة أجواء مناسبة للارتقاء بمستوى حضاري أفضل،وان هذه الأعمال لأتعمم على جميع العشائر ولكنها حالات في تزايد ملحوظ ومع أن الأعراف العشائرية فيها ما هو اصدق معاني التعبير للوفاء وإحقاق الحق ومد يد العون للمحتاجين والمتضررين وإيواء المظلومين، كما حدث قبل الإسلام عندما تعاهدت قبائل قريش على نصرة المظلوم من الظالم في مكة حلف أشاد به رسول الله صلى الله عليه واله وهو حلف الفضول حيث (قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو ادعى به في الإسلام لأجبت)، أما بعض من عشائرنا اليوم فقد وضعت أعراف خاصة بها في حالة الاعتداء على احد من مكوناتها وسعرت بذلك ضمن قائمة وزعت على إفرادها فمثلا كسر السن يغرم مبلغ 3ملايين كسر العظم 7 ملايين المشاجرة البسيطة من 750 ألف الى مليون ونصف، وحين تسمع قسم من الوجهاء والشيوخ وأبنائهم وهم يتحدثون في أمور الدين وعن الحلال والحرام تتصور أنهم أكملوا دراساتهم في الحوزات العلمية التابعة لمدينة النجف الاشرف لما يمتلكونه من معلومات في مجال الفقه والشريعة وتفسير القران، وهم ابعد من ذلك لتطبيق الدين حتى أصبح بعض من الشيوخ والوجهاء في حالة ميسور ومترفة وانتقل الى مناطق أكثر تطوراً، اليوم سلطة العشائر هي أقوى من السلطة المركزية والقانون،وقد اعتصم أطباء النجف قبل فترة وبعدهم أطباء السماوة بسبب التهديدات المستمرة من عوائل المرض ومقاضاة الأطباء عشائريا بمبالغ خيالية  وفي الحقيقة لا يوجد أي قانون يقف ويضع حد لسطوة العشائر المتخلفة،كما حصلت قبل أكثر من سنة خلافات بين فلاحي واسط وذي قار بسبب مشروع تدعمه وزارة الموارد المائية لخدمة مزارعي ذي قار، فلاحو واسط رفعوا شكوى الى مجلس المحافظة وعبروا عن استعدادهم لحمل السلاح أذا لم تنفذ الدولة مطالبهم لان أراضيهم تعاني العطش بسبب المشاريع الجديدة، كما حصلت نزاعات عشائرية بسب الآثار في محافظة ذي قار وبالتحديد في مناطق أور والمناطق القريبة من مدينة سامراء وتتداول العشائر في منطقة المعتصم جنوب سامراء العديد من قصص النزاعات، وغالبا ما يتدخل رؤساء العشائر والوجهاء لإيجاد حلول ولكن سرعان ماتنشب المشاكل والخلافات داخل العشيرة الواحدة أو بين عشيرة وأخرى، ولا يختلف الأمر في مناطق الرمادي التي تطل علينا بين فترة وأخرى مهددة بأن العشائر ستحمل السلاح لعدم امتثالها لقانون أومقاطعة الحكومة المركزية أو تهديد مجلس المحافظة لمجرد قرار لا يتناسب مع مزاجهم وتوجهاتهم ونظرتهم الضيقة للمستقبل،وكل هذا يحدث بسبب ضعف قرارات الحكومة وعدم التشدد بتطبيق قوانين الأمن وكي ننهض بواقع جديد ليعم السلام ونعيش باطمئنان تحت ظل دولة كريمة يسودها النظام والقانون ويؤمن الجميع على حقوقهم يتطلب اليوم وقف شجاعة من الحكومة كي تعزز أمنها وتحاسب كل مواطن يهدد رجال الأمن والموظف والطبيب والمدرس بمحاسبته عشائريا وفي ذات الوقت نشد على أيدي رجال الدين وهم يعتلون المنابر إثناء محاضراتهم بتخصيص وقت كافي للتحدث عن اخطر آفة تنخر في جسد المجتمع العراقي وان يوضحوا المخاطر الناجمة عن سطوة النظام العشائري على سيادة القانون حفاظا على روح المجتمع وأصالته . وكلما سادة  قوة القانون وخضع الجميع لها  قللنا من مخاطر تأثير النظام العشائري داخل المجتمع.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2225 الثلاثاء 25/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم