أقلام حرة

موقف القضاء من الهاشمي .. لماذا لم يتم منع الهاشمي من السفر؟ / حسين حامد

ان عددا من الاشخاص الذين كانوا في اعلى مستويات السلطة، ثم اتضحوا فيما بعد كلصوص لا أخلاق ولا شرف لهم كرغد صدام حسين والشعلان ومحمد الدايني وايهم السامرائي وغيرهم كثيرون من مسؤولين السلطة، ممن حزموا حقائبهم وملياراتهم وخرجوا امنين مطمأنين من البوابة الرئيسية لمطار بغداد، بعد ان ضحكوا على الشعب والحكومة القائمة، ثم، وبعد الذي حصل، لم نرى اجراءات من الحكومة أوالقضاء في وما ينبغي من مطالبة باعادت اموال شعبنا واعادة هؤلاء كمواطنين عراقيين الى قبضة العدالة العراقية، فقد نتج عن ذلك أن نبتت في نفوسنا ريبة كبرى تجاه كل مسؤول في الدولة وفي البرلمان، ولم يعد من السهولة اجتثاث شكوكنا تلك، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!!.

وحينما نمعن النظر في موضوع جرائم طارق الهاشمي، وهذا اعتقادي الشخصي، نجد انه على الرغم من نزاهة القضاء، لكن القضاء نفسه في هذه القضية بالذات، قد (تماهل) كثيرا في القاء القبض على المجرم الهاشمي، ويسر له مهمة الهروب على الرغم من اعترافات افراد حمايته بتنفيذ أوامره في الاغتيالات التي تمت، ومنذ 2007!!!

فالاستاذ القاضي سعد اللامي، قد أوضح ان قضية الهاشمي بدأت بوادرها منذ العام 2007، استنادا الى تقرير ورد في بادئ الامر من مديرية الشؤون الداخلية والأمن في وزارة الداخلية، يذكر وجود أشخاص يمارسون عمليات اغتيال مرتبطين بطارق الهاشمي، ولم يتخذ القضاء حينها أي اجراء بحقه لأن المعلومات لم تكن ترتقي لمستوى الأدلة الرصينة والكافية لإصدار أمر قبض .
وأردف القاضي اللامي: «كما حقق القضاء في أوراق قضية أحيلت اليه في العام 2009 تخص اعترافات ضباط متهمين بانتمائهم الى ما يسمى (حركة حماس العراق)، اذ أفاد بعضهم بأنه يرتبط بالهاشمي ودعمه لهم في تنفيذ العمليات المسلحة والتي كان ضحاياها من أهالي الفلوجة، ولم يتخذ في حينها اجراء بحق الهاشمي للسبب نفسه، وهو ما يؤكد استقلالية الجهاز القضائي وعدم خضوعه لضغوطات سياسية أو غيرها كما يزعم البعض ."

فبرأي الشخصي، ان القضاء، وعلى الرغم من اعترافات المتهمين امام الجنة التحقيقية القضائية المكلفة بذلك التحقيق،  اهدرت وقتا طويلا في عدم القيام بما يجب عليها من مسؤلية امام شعبنا في القاء القبض على الهاشمي، وكما تبين من خلال ما أدلى به القاضي سعد اللامي،عضو الهيئة القضائية في المحكمة الجنائية، في حديثه لـ(المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي ) لما يتعلق في "هروب الهاشمي، مبينا ان "جهات أمنية واستخبارية اتصلت بالقضاء وابلغته ان الهاشمي يروم المغادرة الى جهة مجهولة وان مطار بغداد مطوق من قبل القوات الأمنية وانه الان تحت السيطرة، فيما منع القضاء الجهة الامنية من اعتقال الهاشمي لأنه لغاية لحظة الاتصال لم يصدر أمر قبض بحقه اذ لا يجوز تنفيذ الاعتقال دون قرار قضائي، مستدركاً انه نبه الجهة الامنية من تعرضها الى محاسبة قانونية في حال فعلت ذلك"

فيا ترى ... ما الذي يمكن أن يطالب به القضاء لادانة اي مجرم اكثر من اعترافات امتدت على مدى سنتين بين2007 – 2009، ولا نريد ان نقول، انها استمرت حتى 2011 وهروب طارق الهاشمي حينذاك، وما تم في خلال تلك الفترة الطويلة من قتل وتفجير واغتيالات بالكواتم، لابرياء من شعبنا كانوا ضحية، وكان بالامكان حقن دمائهم؟؟  فما حدث من تهاون على حساب أرواح شعبنا، كان من أجل أن يقال أن القضاء نزيه فقط ...؟؟!!

ولكن، ألم يكن ممكنا أن ان يتم تحقيق الغرضين معا في الوقت ذاته؟؟؟!!!  أي، القيام باعتقال المجرم طارق الهاشمي، ولكي لا يبقى أي شك لدى الهيئة القضائية التحقيقية، كان بالامكان القيام بمواجهة المجرم طارق الهاشمي مع حمايته المكلفة بتنفيذ أوامره في تلك الجرائم، ثم بعد ذلك، بالامكان اطلاع الشعب على ما هو حاصل، وفي ذلك يمكن للامانة والعدالة والنزاهة أن تتم، وهي أالاهداف التي تؤرق القضاء على ما يبدو، ويحاول اثباتها عن نفسه ؟

ولكن في الحقيقة، لا أجد في ما قام به القضاء العراقي من اهمال وتهاون من اجل اثبات استقلايته، وعلى حساب دماء الابرياء من شعبنا، سوى تعبيرا عن احتمالات عديدة كان مضطرا على القيام بها، من بينها مثلا:

1 - أن يكون القضاء واقعا انذاك تحت ضغوط كبيرة من قبل رئيس الجمهورية، السيد جلال طالباني نفسه، بعد أن برهن هذا الرجل على (عشقه وولاءه الكامل ) للمجرم الهاشمي في جميع المناسبات. حتى اصبح جليا امام الجميع، كما وفي العديد من مقالاتنا السابقة أيضا، أوضحنا فيها مواقف السيد جلال طالباني، في دعمه للارهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى بات وجود السيد رئيس الجمهورية، لا يعدوا ان يكون بنظرالشعب، سوى من اجل دعم الارهاب والتستر على المتورطين فيه فقط . ونتيجة لذلك، فقد تم فرض التساهل والتباطئ والتماهل في قضية القاء القبض على مجرم ومنعه من السفر. ولكن، على كل من ساعد في تهريبه، وبدم بارد، عليه ان يتحمل وزر دماء الشهداء من شعبنا .

2- أن الامر الاخر، الذي ذكره القاضي اللامي، فيما يتعلق بمسألة ذلك (الاطمئنان) الذي افترضته الهيئة القضائية التحقيقية في (عدم هروب المجرم الهاشمي عند سفره الى السليمانية)!! فهو أمر مضحك مبكي. فيا ترى، هل من العراقيين من لا يزال يعتقد أن وصول أي مجرم هارب من العدالة الى السليمانية، كالهاشمي مثلا، يمكن أعتباره وكأنه لا يزال متواجدا على ارض العراق؟؟؟!!!  . دعونا نستمع لما ذكره القاضي.

(واستدرك اللامي :

" انه نبه الجهة الامنية من تعرضها الى محاسبة قانونية في حال فعلت ذلك، مشيرا الى ان مسؤولاً امنياً حضر الى الهيئة القضائية لمنع سفر الهاشمي على اقل تقدير كونه يروم السفر الى السليمانية، وبعد تداول الهيئة الخماسية ابلغت المسؤول الامني ان هذا السفر يعد داخلياً لان مدينة السليمانية محافظة عراقية ولم يحصل على امر القبض، ونوه اللامي بأن هذا الاجراء يعد رسالة واضحة الى من يتهم القضاء بالتسييس . "

فهل ان السليمانية أوأربيل لايزالا تابعين للعراق، ما عدا وجودهما من الناحية الجغرافية ؟؟ لكي يمكن (الاطمئنان) على افتراض أن الهاشمي عندما يذهب الى السليمانية، فكأنما، قد ذهب الى البصرة مثلا؟

وهل استطاعت الحكومة من اعادة المجرم الهاشمي مثلا حينما كان قد هرب الى السليمانية ثم انتقل الى اربيل وبقي في ضيافة السيد مسعود او طالباني؟ أوهل هناك لا يزال شكا في نوايا قادة الكرد وما يضمرونه لشعبنا بعد هذه المعاناة التي يعيشها شعبنا من جراء سياستهم العدوانية المتغطرسة؟؟؟

3- أما الاحتمال الاخر، هو ان يكون القضاء العراقي لا يمتلك الثقة الكافية بنفسه، كسلطة مستقلة من الناحية العملية والمهنية وما يتعلق بالنزاهة والعدالة، ومن اجل مواجهة هذا الضعف، يحتاج في هذه الحالة الى اثباتات لاي كائن من كان، من اجل كسب رضاه ؟؟ فيعمد الى تأخير أمر القاء القبض على مجرم تم الاعتراف عليه من قبل حمايته، متشبثا بحجة اثبات النزاهة  واستقلال القضاء ؟؟؟!!! مع ان هذه الحالة البعيدة عن النزاهة والتي جرت مع الهاشمي، لم تثبت سوى العكس لما يطمح له القضاء العراقي .

4- ان باعتقادنا، ان ما جرى من تسهيلات لهروب المجرم طارق الهاشمي، كان خطة من اجل (التخلص) من تداعيات اتهامه في التورط في جرائمه، على الرغم من كل الاعترافات التي أدلى بها اعضاء حمايته، وبحضور جلساتها دولا كالولايات المتحدة والامم المتحدة وغيرها من اجل التعرف على الحقائق وسير التحقيق في القضية .

وان كان ما نعتقده صحيحا، فقد أهدر القضاء العراقي العدالة، وفضل الانزواء عن مجابهة الحقيقة، ومن اجل ذلك، فالاجدر بالقضاء الكف عن الحديث باسهاب عن نزاهته واستقلاليته.

أو لم يكن من الواجب، توخي الحذر والاستفادة من مرارة تجارب الماضي، والأخذ بنظر الاعتبار، عدم تكرار ما حدث قبل هذه القضية الكبرى مع طارق الهاشمي، من ظروف سبقت تم ذكرها اعلاه، وكان سببها ولا يزال، انتفاء الرقابة الحكومية على الوزارات ومواقع السلطة العليا وعدم توفير الوسائل القانونية في الرقابة المطلوبة، وفي تطبيق العدالة، وخصوصا مع قضية مجرم تم الاعتراف عليه، لكي لا يتكرر ما حصل مع "السادة" الوزراء اللصوص ممن ضحكوا على شعبنا وغادوا العراق بإطمئنان؟

أن التجربة المريرة التي يمكن استنتاجها من هذه القضية الكبرى التي اهدرت دماء ابرياء من شعبنا، هي أن الحكومة تمتلك من الصيغ والعبارات والجمل المفيدة ما تستطيع من خلالها تبرير كل الاساءات وكل الاعتداءات وكل الارهاب الذي لا تستطيع مواجهته، من خلال ديباجات تسطرها في الاعلام لتبرير اخطائها وفشلها في معالجة الاوضاع، والتي لا تزيدنا نتائجها القاتلة سوى غضبا.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2225 الثلاثاء 25/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم