أقلام حرة

المسلسلات التلفزيونية وإعادة كتابة التأريخ ... "عمر" أنموذجا (2-3) / يوسف ابو الفوز

على الساحة الاسلامية الدينية والسياسية وربما اشهرهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فالحصول على الاذن بتجسيد شخصيات الصحابه، رافقه شرط وجود لجنة رجال الدين للمراقبة والمتابعة، التي يبدو ان وجودها تدخل كثيرا في عمل الكاتب وليد سيف، وفي سير النص والاحداث المروية وافراغ مهمة المخرج حاتم علي من محتواها الابداعي وحددت خياراته الفنية، وجعلته يلجأ لابسط الحلول الاخراجية لانجاز العمل، وأستعارة أسلوب المخرج الامريكي ـ السوري الاصل مصطفى العقاد (1930 - 2005)، في اخراجه لفيلم "الرسالة" عام 1976، خصوصا في المشاهد التي تجمع الصحابة مع النبي محمد، ورغم كل الذي يقال فان المسلسل يبقى عملا مهما وخطيرا ويتطلب التوقف عنده وتوضيح ما له وما عليه . ومما يذكر ان الجهات الدينية التي أفتت بالسماح بتجسيد شخصيات الصحابة على الشاشة اشترطت ان الممثل الذي يؤدي دور الخليفة عمر بن الخطاب يجب ان لا يكون معروفا وان لا يؤدي ادوارا جديدة لفترة خمس سنوات قادمة، مما اجبرت المخرج للاستغناء عن ممثلين مقتدرين تعاون معهم سابقا، واضطر للبحث طويلا عن الممثل المناسب، حتى عثر على الفنان سامر اسماعيل الذي يملك المواصفات المطلوبة حسب شروط اللجنة الدينية وليس حسب متطلبات العمل، لهذا نجد في الحصيلة ان الممثل لم يوفق في اقناع المشاهد باداءه شخصية عمر بن الخطاب بشكل حيوي فجاءت باردة بدون اي تألق درامي، وربما صح القول هنا بكون شخصية عمر كانت اكبر من امكانات وطاقات ممثل ليس له الخبرة الكافية ويعتبر هذا دوره البارز الاول، لاسيما وان الاخبار الفنية ذكرت كون المخرج حاتم علي رشح اولا ممثله المفضل السوري تيم الحسن ولكنه لم يحصل على الموافقة . واضح جدا ان المسلسل لضمان نجاحه استعان بخبرات عديدة، فالمنتج وضع ميزانية ضخمة، سمحت للمخرج بالاستعانة بفرق متخصصة بتصميم وادارة المعارك واستخدام مجازفين لتنفيذ المعارك، وكان اخراج المعارك لشادي ابو عيون السود، الذي رافق حاتم علي في العديد من المسلسلات التأريخية، وفريق كرافيك فرنسي متخصص ساعد على تنفيذ العديد من المشاهد الخارجية المهمة، اضافة الى فريق الماكياج الايراني المتخصص ومن ضمنهم مصمم الماكياج المعروف عبد الله اسكندري، حيث اثار وجود الفريق ومساهمته جهات ايرانية، لاسباب ودوافع مختلفة، منها طائفية وقومية، فالقوميين الفرس ينظرون إلى الخليفة عمر بن الخطاب كقائد عربي أسقط آخر إمبراطورياتهم الكبرى، أي الإمبراطورية الساسانية، وأخضع بلادهم لسيطرة العرب بشكل مباشر لمدة قرنين من الزمن، اضافة الى الدوافع الطائفية عند المتشددين من الشيعة الايرانيين، من هنا جاءت دعوة جريدة "كيهان" الايرانية الى مقاطعة المسلسل وكل من تعاون في الاعداد لانجازه . وقد كان لنتائج عمل فريق الماكياج الايراني تأثير واضح وناجح في رسم ملامح الشخصيات، بسبب من خبرة الفريق المتراكمة من خلال العمل في العديد من المسلسلات الايرانية المعروفة، لهذا جاءت بعض الشخصيات مرسومة بالشكل الذي تعّرف اليها المشاهد المتابع للاعمال الأيرانية، وظهر لنا الامام علي بن ابي طالب، الذي لعب دوره المخرج حاتم علي، مجسدا بشكل يشبه كثيرا الصور الجميلة المعروفة عنه والمنتشرة في ايران وبيوت الكثير من شيعة العالم !

اذا تناولنا احداث مسلسل عمر، فيمكن القول ان المسلسل وكما اشارت الاعلانات التي سبقت عرضه، كونه يقدم الف حكاية من سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، وهكذا، فالمشاهد لم ير في المسلسل خطا دراميا يقود الاحداث، فلقد كان المسلسل أمينا للدعاية عنه في القفز من حكاية الى اخرى، وقدم لنا سيرة ظهور الاسلام أكثر مما قدم سيرة الصحابي عمر، فلقد كان ظهوره في بعض الحلقات محدودا ويبدو احيانا مقحما، وكان المسلسل يتوقف عند احداث ويعرضها بتفاصيلها ويحاول زج الصحابي عمر بمشهد او مشهدين لاقناعنا بوجوده وكون المسلسل يدور عنه، مما افقد العمل عنصر التشويق والشد، فالكثير من حلقات المسلسل كانت مجرد حوارات طويلة ومملة، مستلة من كتب التأريخ حرفيا، وقد اعترف المخرج حاتم علي بهذا حيث اشار ( كنت ميالاً لإضافة كلمتين تحت اسم "عمر" كعنوان فرعي وهو "عمر : عصره وحياته"، وأعتقد أن هذا ربما كان أكثر مواءمة لموضوع المسلسل، وكان من شأنه تبرير النصف الأول منه ) ــ حديث الى فجر يعقوب مراسل موقع دي بريس 07/08/2012 ــ . ان احداث المسلسل عموما تقودنا الى الحديث عن موضوعة قراءة التاريخ واعادة كتابته تلفزيونيا من خلال المسلسلات التاريخية، التي تحاول ان تقرأ التاريخ من خلال الرؤية السياسية والطائفية لمنتج العمل أساسا . ان خطورة هذا الامر تكون في كون هناك هبوط في مستوى تداول وقراءة الكتاب في عموم الوطن العربي، حيث صارت الفضائيات هي مصدر المعلومات لدى غالبية عموم الشعوب العربية التي ترتفع فيها نسبة الامية بشكل مخيف، من هنا فأن ما يقدمه التلفزيون من قراءات للتاريخ تكون هي المرجع لدى المشاهد، ولا يخرج مسلسل عمر عن هذا المنحى، فقد كان واضحا جدا ان للمسلسل غايات سياسية مقصودة، ومعها ايضا رؤية طائفية خطيرة تثير الفتنة، تتبع غرض المنتج الذي دفع الاموال الطائلة من اجل اهداف محددة، فأعتراض جهات ايرانية على وجود فريق الماكياج الايراني ضمن طاقم عمل المسلسل والمطالبة بحرمانهم من العمل في ايران لم تأت من فراغ، فالمسلسل مثلا منح جزءا كبيرا من احداثه لمعركة القادسية والصراع مع الفرس، (الحلقات 24 و25 و26) . وطوال هذه الاحداث كان الخليفة عمر، موضوع المسلسل، بعيدا في يثرب (المدينة)، فإن كان عمر هو الموضوع الاساس للمسلسل، كان يمكن اختصار المعارك بمشاهد تعبيرية قليلة، والعودة الى شخصية عمر لمتابعة شخصيته وعلاقاته وطريقة تفكيره في بناء الدولة النامية، خصوصا وان تأريخه حافل بالعديد من الانجازات فيما يخص ادارة الدولة واصدار قرارات سياسية وتنظيمية، بدل صرف الملايين لانتاج المعارك التلفزيونية واستقدام الفيلة، لغرض تصفية الحسابات تلفزيونيا مع الجيران الفرس واثارة غيضهم ومعها النعرات القومية ! ولم يكن خافيا على المشاهد الحصيف الرسالة الطائفية للقطات الاخيرة لموت الخليفة عمر بن الخطاب اغتيالا على يد الفارسي أبو لؤلؤة فيروز، فلقد حرص المسلسل دائما على ابراز سيف الامام علي بن ابي طالب المعروف بذي الفقار، والذي تنتهي نهايته بشعبتين، وكثيرا ما يكون ملطخا بالدم !، بحيث رسخت صورته في اذهان المشاهدين، ثم رأينا في يد قاتل الخليفة عمر خنجرا يشبه ذو الفقار في شكله ونهايته بشعبتين !، في اشارة خطيرة وصريحة في دعواها الطائفية للربط بين سيف علي بن ابي طالب وخنجر قاتل الخليفة عمر (في لغة السينما يسمونها مونتاج ذهني)، ثم نرى يد عمر ترتفع على كبر الشاشة مخضبة بالدم لينتهي المسلسل بعد دقائق وكأن اليد تصرخ بالمشاهدين بطلب الثار من قاتل عمر ! وكان المخرج ـ برضاه أو بدونه ـ بتوقيعه المسلسل بأسم "حاتم محمد علي " ــ ولاول مرة يستخدم فيها اسمه بهذا الشكل ــ كأنه يقدم لنا اشارة اخرى للقراءة الطائفية للمسلسل، ولو عدنا الى شخصية الامام علي بن ابي طالب، التي تقدم لاول مرة تلفزيونيا، فأن المسلسل وان كان موضوعه الخليفة عمر بن الخطاب، فان شخصية الامام علي لم تقدم بشكل مقنع، ولم تفسح لها المساحة التي فسحت امام شخصيات اخرى مثل الخليفة ابو بكر الصديق وخالد بن الوليد واخرين.

 

للاطلاع

المسلسلات التلفزيونية وإعادة كتابة التأريخ .. "عمر" أنموذجا (1-3) / يوسف ابو الفوز

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2227 الخميس 27/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم