أقلام حرة

الحروب والحصار والارهاب تغال الذائقة الغنائية في العراق / عمار طلال

التي ابتلي بها العراق، منذ مطلع الثمانينيات، وما زال مبتلى.

الحروب وتسييس الاغنية باتجاهي التعبئة وتسفيه المجتمع، خلق ذائقة استهلاكية داخل وخارج العراق، تضافرا مع الارهاب الذي شتت المطربين والملحنين فراحوا يداهنون الرديء في الخارج كي يستقبلهم؛ لانه الاسهل والاوفر معيشة. وتلك كلها.. بمجموعها شكلت منابع تصب سما في صفاء الاغنية العراقية الزلال.. تعكره.

لذا آن لنا ان نفكر بانتشال الذوق الغنائي من ثقافة الهاوية التي تداعى اليها ليس الغناء العراقي وحده، انما الذوق العربي والعالمي على حد سواء.

ومعاجتها لا تبدأ من الغناء نفسه، انما من خلال بناء مؤسسات موسيقية.. معاهد ومدارس ورسم برامج ميدانية لمعالجة الخلل، فهي متاهة ضاع فيها الجميع.. السلبي والايجابي على حد سواء.. قبل سقوط النظام، وتعزز التيه بعد السقوط، اذ غادرت الطاقات المبدعة وانزوى الذي يحترم فنه كي لا يتدافع مع الطارئين بالمناكب، ومخلفات الحرب ضيقت على الجاد مساحة الثقة بادواته في امكانية ترميم الخراب؛ ما ادى الى الاحباط.

من حيث الكلمات واللحن والاداء تحتاج بيئة راقية الذوق والفن والثقافة، في كنف رعاية الدولة التي تدعو الحقيقيين لتقييم الواقع الفني واتخاذ تقييماتهم منهاج عمل.. امثال طالب القره غولي وجعفر الخفاف.. هكذا يمكننا معالجة الذوق الغنائي بعد مدة طويلة من الزمن، فالامراض المستعصية لا تشفى بدواء سحري، لا يمكن ان يبعث السيد المسيح (ع) الان ليشفي الابرص ويحيي الميت، الامور بحاجة الى مناهج عمل مدروسة باشراف متخصصين جادين وتنفيذيين مثابرين، وتأخذ وقتها ريثما يظهر اثرها على المرسل والرسالة والمتلقي، لان الجميع شركاء بالخطيئة.

اعيتنا الحيلة برجاء ان تلتزم الفضائيات بث الاغاني الرصينة، لكنها لا تعنى بما يقلقنا من ترد تسير اليه لاغية الاغاني.

مهمة انتشال الذوق الغنائي، بحاجة الى ندوات ولقاءات موسعة؛ لمناقشة شؤون الاغنية العراقية، وواقعها المتردي، تخلص الى نتائج لا تظل مجرد امنيات غيرقابلة للتفعيل، تدور في فلك الرجاء لدى الفضائيات بالتزام بث الاغاني الرصينة، انما توجد وسائل ملزمة في انفاذ الامر الصح!

على ان تنظيم المهرجانات الجماهيرية المفتوحة التي تروج للاغنية الاصيلة والمبدعة من شأنه ايقاظ الذائقة التي طوتها النماذج الرديئة التي سدت الافاق من حولها.

فضلا عن اصدار مطبوعات سهلة التناول تضيء للمستمع السبل المثلى للغناء الجميل.. قديمه وحديثه.. اشاعة للثقافة الذوقية السليمة.

صعبة هي السيطرة على الامر، لانه بين الفضائيات والهيئة العامة للبث والاتصالات، اقولها متمنيا على الفضائيات التشاور مع نقابة الفنانين العراقيين ودائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة واقسام الموسيقى في المعاهد والكليات؛ لتشكيل لجان فحص للنصوص والالحان والاصوات.

فهبوط الغناء تتمة للحروب المسلحة.. انتهت الحروب العسكرية لكن بدأت الحروب الفكرية والمؤسساتية، ما يجعلني اقترح اصلاح السياسة كي تنصلح الاغنية؛ لان الناس على دين ملوكها.

المشكلة تنتهي بسهولة عندما يدار البلد من قبل مجلس نواب يحب الموسيقى ويعنى بالثقافة، ما يحيل العراق الى جنة على الارض.. لا امراض ولا جراثيم ولا نشازات ذوقية "قولهم فيها سلاما سلاما" فقد تحولت الحروب من التسلح الى الفكر؛ العراق لم يغادر الحروب، وامام تحولها الى حروب فكرية واعلامية، ومعالجتها لا تصح الا من قبل المؤسسة الرسمية، التي تملك سلطة اقصاء السيء وتحفيز الحسن، وتلك من واجب المسؤولين الرسميين.

في حين يجب الفات نظر التجارب الشابة الى عطاء السابقين عليهم جودة جعلتهم خالدين.

الاغنية منشور سريع لذا فان علاج ظاهرة الاغنية الهابطة، يحد من منزلق اجتماعي خطير؛ لان الاغنية منشور سريع، يؤثر بالاخلاق والتقاليد؛ ما يجعل الاهتمام بها واجب شديد الخطورة، يوجب عقد مؤتمر باشراف هيئة معنية بالشعر والتلحين والغناء وعلم النفس والاجتماع والموسيقى وعينات ثقافية مسؤولة ومعلم مدرسة، يعنى هذا المؤتمر بترميم خراب الذائقة، التي سقطت، مع كل الاشتغالات الجمالية التي تهرأت جراء الحروب والانهيارات الاجتماعية والاقتصادية.

كل الاشتغالات الجمالية تردت في مهاوي الحروب.. انتهت الى مطافات خطيرة غيبت التجارب الحقيقية بسبب غياب المؤسسة الراعية كـ (الاذاعة والتلفزيون) ومثلا؛ اذ ان في السبعينيات لدينا عشرة مطربين يغنون والعراق كله يستمع لهم، الان العراق كله مطربون وعشرة فقط الذين يستمعون.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2228 الجمعة 28/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم