أقلام حرة

هل تصبح سوريا فلسطين ثانية؟ / فوزي يونس حديد

يتبادر إلى الذهن أنها ستكون بلدا محتلا من قبل العصابات المسلحة التي أصبحت ترتع في البلاد وتنتهك الأعراض من كل جانب، من جهة العراق ومن جهة لبنان ومن جهة تركيا التي كانت حليفا قويا لسوريا قبل حدوث الأحداث.

إن ما يجري في سوريا اليوم هو أخذ بالثأر وأشبه ما يكون بحرب العصابات التي نسيها الشعب العربي منذ فترة من الزمن ولم يذق طعم التشرد واللجوء والحرمان من هبّة هواء نقي يريح الأفئدة والأعصاب، إن ما يجري لا أستطيع أن أفهمه ولا أحد يستطيع أن يقرأه، من أين أتت جحافل الجيش الحر، وهل كان حرا فعلا؟ وهل هي عصابات كوّنها أشباه الرجال في الغرب وموّلها العرب بأموالهم يقتلون الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ويعيثون فسادا، إنها فتنة ظلماء وعقلية جوفاء وتصرفات بلهاء، إن ما يجري أشبه بفيلم ننظر إليه من خلال الشاشات ونحسب أنفسنا أننا نشاهد لقطات من مسلسل لم تنته حلقاته بسلام، ونسأل هل حقا هذا ما يجري في سوريا البلد الذي كان شامخا طوال الزمان، زرته في التسعينات وكان السوريون آنذاك تحركهم الوطنية والشهامة وحب العمل والتفاني في خدمة ضيوفهم الكرام من أي بلاد حلّوا، وكانت تعج بالحركة الدؤوبة والأمن والأمان، وكانت المعيشة بها أشبه بحلم الإنسان، كل شيء متوفر وعلى أعلى طراز، أعجبتني دمشق كثيرا وأنا أتجول في شوارعها ليلا ونهارا، صورتها لم تفارق ذهني رغم أن الأمر قد مضى عليه 18 عاما.

إن الذي يحدث لا يكاد يصدق، هل يحصل فعلا أم أن وسائل الإعلام تكذب علينا أم أننا نعيش وهما؟ لا يمكن لهذا البلد أن يدمَّر بين أعيننا ونحن نتفرج ما الذي يمكن أن نفعله؟ ما الذي يمكن أن نقدمه؟

اتركوا سوريا وشأنها، اتركوها فقد كانت آمنة، ومن حفر جبا لأخيه وقع فيه، ومن دبّر المكيدة أصابته مصيبة، ومن حرّك الفتنة جرّ لنفسه النقمة، لا تعبثوا بدماء الأبرياء والآمنين ولا تكونوا سفهاء، فكّروا في الحلّ وأخرجوا البلاد من الوحل.

وإنّي لأستهزئ من طلب أمير قطر حينما دعا إلى تدخل عسكري عربيّ، إنه يدعو إلى الاحتلال ويكرس فكرة اغتصاب دولة عربية أخرى كما حدث  في وعد بلفور سنة 1948 حينما اتفق الجهلاء على تسليم فلسطين لليهود الغاصبين، وها هو أمير قطر بحجمه الكبير وعقله الصغير يتحدث كما لو أن مفاتيح الحرب والسلم بيديه، اعتقد أن المال يصنع الكبرياء ولا يدري أنه يرديه إلى أسفل سافلين، إنها دعوة للحرب والمكيدة في حقّ بلد كان آمنا مطمئنا.

أطالب من خلال هذا المنبر بتحقيق دولي شفّاف في أسباب المشكلة، ومن أدخل السلاح والعباد إلى سوريا ليصنعوا ثورة كما يقولون، فلم نعد نرى الشعب يتظاهر بل نرى لغة الرصاص وصهيل الرشاشات والدبابات والمدافع من كل جانب، أطالب بالتحقيق مع أمير قطر الذي دعا إلى تدخل عسكري عاجل هل يرى مصلحة عليا في ذلك ومن من الدول العربية تتجرأ أن ترسل جنودها إلى مواقع هي أشبه بحرب العصابات، فإذا كانت تهزهم كلمة فما بالك بالمدفع والرشاش!

وانظروا إلى أمريكا اليوم فإنها أصبحت تلهث كالكلب إن تحمل عليها تلهث وإن تتركها تلهث، فهي الآن مشغولة بانتخاباتها الرئاسية المحمومة ولا تبالي بما يجري في سوريا ولا يهمها إن كان النظام البادي أو دول الجوار، تريد أن تحرق ما تبقى من معارضة للنظام العالمي البائس الذي لا يرى إلا نفسه في المرآة ولا ينظر إلى ما حوله من ركام ورماد ينتظر شعلة ليحرق ما حوله ومن كان واقفا أمام المرآة.

هل نرى فعلا فلسطين ثانية في سوريا؟ هل يتحقق وعد حمد 2012 كما تحقق وعد بلفور 1948 وبينهما 64 سنة ربما يكون عمر أمير قطر نفسه، فليحذر العرب مما يفعلون فقد يجنون الويلات بدل المدح والثناء.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2229 السبت 29/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم