أقلام حرة

أسئلة مُعيبة .. وأسئلة خطِرة / امين يونس

أو تسأل إمرأة عن عُمرِها؟ أو تسأل أحدهم عن إتجاههِ السياسي او الفكري؟ . رُبما الجهة الوحيدة التي لها حَق السؤال عن الراتب او الدخل، هي الضريبة، علماً ان القانون يسمح لك ان تذهب الى دائرةٍ حكومية وتطلب منهم إطلاعك على راتب او موارد شخصٍ ما .. والوحيد الذي يسأل عن عُمر المرأة هو الطبيب .. لكن لايحق لِأحد السؤال عن الإنتماء الحزبي او الإتجاه السياسي او المُعتَقد الفكري أو حتى عن الدين او المذهب ! . المُجتمعات المُتقدمة والشعوب التي تمتلك وعياً عالياً .. هي التي تلتزم بهذا العَقد الإجتماعي، غير المكتوب في قانون .. لكنهُ أصبح تقليداً تلتزمُ بهِ غالبية الناس هناك .. إذ انه من المُخجِل ان تسأل شخصاً، أي من الأسئلة الثلاثة أعلاه .

عندنا هنا في العراق .. هنالك الكثير من الأسئلة، ليسَ فقط من " العيب " أن تسألها .. بل رُبما من " الخطر " أيضاً أن تطرحها ! . فمثلاً ان تقول لأحد المسؤولين : من أين لك كُل هذه الأموال والعقارات؟ فذلك سؤالٌ سخيف ويجوز ان تستحق عليه العقاب . أو تقول لآخَر : كيف عَيَنْتَ أقرباءك في وظائف مهمة لايستحقونها؟ او : لماذا تستغلُ منصبك لمصالحك الشخصية؟ أو : هل من المعقول ان لاتلتزم أنتَ بالقانون، في حين انك في موقع حامي القانون؟ أو : لماذا لستَ مُخلِصاً في عملك؟ لماذا تُبعِد النزيهين من حولكَ وتُقَرِب اللصوص والمُنافقين؟ لماذا تنحاز دائماً لحزبكَ او طائفتك وحتى عشيرتك؟.. كُل هذه الأسئلة وأمثالها .. يعتبرها المسؤولون عندنا .. سَمِجة، ثقيلة الدم، مشبوهة، مدفوعة مِنْ قِبَل جهات خارجية لاتُريد الخير للعراق !، سيئة المرامي والأهداف .

قرأتُ في مكانٍ ما .. ان [كولن باول] عندما كان قائداً للقوات الأمريكية في ألمانيا، قبل سنواتٍ عديدة .. طلبَ أحد العسكريين الامريكيين العاملين هناك مقابلته .. وكان " أسود البشرة " .. فلما إلتقى به .. قال له ما معناه : .. سيدي، نحنُ انا وانتَ " أخوة " في اللون .. فأطلبُ دعمك ومساعدتك في نقلي الى القسم الفلاني . بهدوء .. وعدهُ باول خيراً .. وقال له، تعال غداً صباحاً لتستلم أمر نقلك . وبالفعل جاء العسكري صباح اليوم التالي .. فسلمه كولن باول : أمراً بفصلهِ من الجيش نهائياً .. وعدم تعيينه في أي وظيفةٍ عامة .. بسبب [سلوكه العُنصري] !! .

هذا أحد الأسباب .. في قُوة الولايات المُتحدة الامريكية . علماً أنني من المُناهضين للرأسمالية الأمريكية المتوحشة .. لكن نجاح الإدارات الأمريكية في العقود الأخيرة، في التغلب تدريجياً .. على مشكلة " العنصرية " العويصة والقديمة .. يستحق الثناء والتقدير .. صحيح ان ذيول العنصرية المتشعبة .. لازالتْ موجودة في أمريكا، وبأشكالٍ عديدة .. لكن الجهود الكبيرة والصادقة، لإنهاء العنصرية .. واضحة للعيان. الحزب الجمهوري، الذي أنتج " كونداليزا رايس " والحزب الديمقراطي الذي انتجَ " أوباما " .. والإدارة التي أنتجتْ " كولن باول " ( غض النظر عن إختلافاتنا مع سياسة هؤلاء جميعاً) .. فأنهم من النوع الذين تجاوزوا مرحلة، ان يطرحوا أسئلةً بلا معنى .. أسئلة شخصية مثل الأسئلة الثلاثة في بداية المقال .. في المُقابل .. انهم يتقبلون أسئلة مُحرجة من الصحافة والناس والمعارضة .

............................

لا زالَ من الشائع هُنا .. ان تسمع : .. " صحيح ان فُلان مُخلِص وشاطر في عملهِ .. لكن لا يُمكن الوثوق بهِ مُطلَقاً .. ألمَ يكن شيوعياً في السابق؟ كيف نثق به يارجُل؟! " . أو " .. ان فُلان ليسَ فقط غير مُلتزِم دينياً .. أنه سّنيٌ فوق ذلك أيضاً .. فلا يجوز إسناد هذا المنصب له ! " . أو " .. على الرغم انه ضابطٌ ممتاز وشريف .. إلا اننا علينا الحذر منه .. فهو شيعي على أية حال ! " . والعشرات من الامثلة المُشابهة .

لا زال النظام عندنا .. في بغدادنا وأربيلنا .. من أولوياتهِ، السؤال التالي : ما هو إتجاهك السياسي؟ الى أي حزبٍ تنتمي؟ ما هي قوميتك؟ مّذهبك؟ .. وأحياناَ لايكتفون بالإجابات عن هذه الأسئلة السخيفة .. بل يُفتشون عن ما نُفّكِر به في دواخلنا أيضاً ! .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2229 السبت 29/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم