أقلام حرة

جدل سياسي: تحليل بنيوي للعمليات الارهابية الاخيرة في العراق .. هل هي خلايا نائمة؟ / غالب حسن الشابندر

لقد اصبح هذا الكلام (قربة) مثقوبة، فهو لا يضيف شيئا، سوى المزيد من الالم والوجع والدموع، ثم، مثل هذا الكلام المكرور المعاد المملول يدخلنا في سجال ممجوج بين القوى السياسية الحاكمة والمعارضة في العراق ومن دون جدوى، ولا أريد أن احمِّل الحكومة مسؤولية ذلك، لانه هو الآخر تحول إلى حديث بارد، إنما أريد أن اسلط بعض الاضواء على الجهة المسؤولة مباشرة عن هذا الدم، عن هذا الخراب، أي عن الفاعل، ليس بالاسم، بل بالمواصفات والممكنات والقدرات والاهداف ... هذا وأنا اكتب هذا الموضوع استحضر ما حصل يوم امس 2012 / 09 / 29، أي حادثة سجن تكريت، وقبلها الكثير من النظائر الفاجعة للاسف الشديد

لقد اعلنت (القاعدة) مسؤوليتها عن كل ما حصل، وعلل بيان القاعدة ذلك بالحكم الصادر على نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي الذي ثبت تورَّطه باحداث (إرهابية) طبق قرارات القضاء العراقي، بصرف النظر عن ملابسات الاعلان وفوضاه الذي تتحمل الحكومة بعض المسؤولية عنه ....

اعتقد أن تعليل هذا الموج الارهابي الهائل في التاريخ المذكور في العراق من قبل القاعدة بسبب الحكم بالاعدام على الهاشمي ليس سببا حقيقيا، تُرى هل كانت (القاعدة) أو المسؤولون عن هذه الجرائم البشعة ينتظرون مثل هذا الحدث كي يقترفوا جرائمهم هذه؟ كلام فاض، وبلا معنى، هذه الجرائم هي ستراتيجية إرهابية قائمة لا تنتظر اصدار حكم بالاعدام على الهاشمي أو غيره، وقَرْنُ زمنِ الجرائم باعلان حكم الاعدام بحق الهاشمي ليس قرْناً سببيا، بل هو قَرْنٌ لغايات أخرى، كأن تكون الغاية توكيد الطابع الطائفي للعمليات، تحفيز (سنة) العراق، تهديد الحكومة من إقدامها على إعدام جناة محسوبين على الفاعلين بشكل من الاشكال، وليس هذا القرن ناتجا عن صدور الحكم باعدام الهاشمي حصرا، أبدا، هذا تفسير ساذج، ويدل على بساطة الحكومة وفرسان محلليها الامنيين . هذا أولا، ثانيا: سيكون من السذاجة أيضا أن نستمع لفرسان التحليل الامني في المنظومة الامنية العراقية من أن هذه الاعمال الاجرامية التي تقوم بها (القاعدة) إنما وكما يقول اعلام هذه المنظومة البائسة لـ (إثبات وجود)،حيث يُفهم من ذلك، أن الفاعلين قد استنذفوا قوتهم، وصاروا في خبر كان، وهذه (مجرد) عمليات عابرة، لقد تعودنا على مثل هذا التفسير الطفولي الصبياني من أعلى مستويات أمنية في وزارة الداخلية العراقية، هذه ليست أعمال (لإثبات الوجود) بل هي أعمال استراتجية ، معد لها سلفا، ويعد لها لاحقا، وهي أعمال ضمن مخطط عريض، طويل، عميق، أي هناك استراتيجية قائمة، يعمل على وضعها خبراء كبار، متمرسون، وليست اعمالاً عابرة، ولو كانت عابرة لما تكررت، وتكررت، وتكررت، إن مثل هذه التعليلات لا تدل على فشل هؤلاء المحللين، بل تدلل على بساطة وعيهم وعلمهم في التحليل الامني.

وثالثا، يبدو إن الجهة الفاعلة معشعشة في أخاديد الجسم الامني والعسكري العراقي، ليس يبدو، بل بالتاكيد، وهذا ما يشكل دليلا آخر على أن وراء العمليات إستراتيجية تملك كل مقومات القوة والاستمرار والتمكن.

ورابعا وهذا معلْم مهم، إن هذه الاعمال الارهابية ليست صنيع (خلايا نائمة) كما سمعنا ايضا كرارا ومرارا، بل صنيع عقول واعية وارادات حية، سواء على صعيد التخطيط أو / والتنفيذ، منطق الخلايا النائمة منطق ميت، جاف، ليس فيه نبض علمي ولا حس أمني دقيق، ليست خلايا نائمة، بل خلايا حية ، منتشرة في العراق، تتجدد وتتكاثر، ولا تصدق أيها العراقي مؤسَّستك الامنية عندما تقول لك : إنها مجرد خلايا نائمة سوف نحبس عليها انفاسها اليوم أو غدا، بل هي خلايا متجذرة، متاسِّسْة، منظمة، تكسب باستمرار.

أما خامسا، فلا استبعد أن هذه العمليات الارهابية الاستراتيجية تملك رصيدها الشعبي بنحو من الانحاء، يساعدها ويدعمها ليس بالمال وحسب، بل بالمعلومات والافكار والتخطيط، بدافع طائفي أو إثني بشكل من الاشكال وصورة من الصور، هناك غطاء شعبي وإن بمستوى عاد، وربما ما يحصل من تجاذبات واحترابات طائفية في المنطقة تساعدعلى ذلك، بل هي تساعد فعلا.

وسادسا إن كون هذه العمليات الارهابية النوعية تحدث في مناطق شيعية أو ذات اكثرية شيعية لا يستبعد معه بان الرؤوس المخططة اصلا لها من الاجندة العاملة معها حتى ممن تختلف معهم مذهبيا واثنيا، المال اليوم له دور كبير في هذه الممارسات، خاصة مع وجود مستويات عالية أومتوسطة من البطالة، ولا استبعد إن ظلم المسؤولين، خاصة ممن هم على قمة الهرم، لانهم قدموا الروابط على الضوابط، والاسرية على الشعبية، والمحسوبية على الكفاءة والخبرة ... لا استبعد أن هذه المادة صارت آلية جذب يستعين بها المخططون لتجنيد عملاء ومتعاونين، بل مخلصين من مكونات اخرى دينيا ومذهبيا وعرقيا، هذه سنة الصراع، ينبغي أن لانستغرب هذه الحالة، فهي ليست من (المفارقات) اصلا، اتساع رقعة العمليات ينم عن وعي مذهل بالجغرافية العراقية، وترجح أن العصب المهم والحساس في التخطيط والتنفيذ عراقي بالدرجة الاولى، لا يستبعد وجود غير عراقيين بطبيعة الحال، ولكن الاصل المخطط والمنفذ كما يبدو من العراق.

وثامنا، يتوهم من يتصور إن حصول مثل هذه العمليات ربما يحث الناس على مراجعة الواقع واتخاذ المواقف العقلانية، ربما بالعكس، إن مثل هذه العمليات ولما تحققه من نجاح لخط الارهاب يشجع على الانخراط في دائرة الارهاب، خاصة وأن الثقافة التي راحت تسود في العالم العربي ثقافة كسيحة، ثقافة صحيح البخاري والكافي، ثقافة المنقذ من الضلال وبحارالانوار، ثقافة عرعور والوكيل، وبالتالي، لا استبعد أن ذات العمليات تشجع على الانخراط بالعمل الارهابي للسبب السابق وغيره.

وتاسعا، يتوهم من يتصور أن سعي هذه الكتلة السياسية لشق تلك الكتلة السياسية في صالح القضية السياسية العراقية بشكل عام والامنية بشكل خاص، بل ذلك يزيد النار اشتعالا، والعراق بحاجة الى كتل سياسية كبيرة مستقرة، وليس إلى كتل تتعرض للانشقاقات المستمرة، واتعس من ذلك أن يفكر حزب أو كتلة بكاملها بكيفية (سحب) هذه الشخصية أو تلك من حزب أو كتلة أخرى، ظنا من الأولى أن ذلك من صميم العمل السياسي الناجح، تلك عقلية صبيانة في العمل السياسي، تستهلك أكثر ما تبني، الاصل هو البناء الداخلي للكتلة وليس التفكير بتفكيك الكتل الاخرى أو كسب شخصيات من كتل أخرى ...

من للعراق، هذا هو السؤال ؟

ربما في مقال تال باذن الله .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2229 السبت 29/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم