أقلام حرة

هل صدق شباط حينما قال "أنا ابن علال الفاسي"؟! / حميد طولست

يعتمد نظام التداول السلمي للسلطة وفق انتخابات حرة نزيهة، يضمنها قانون انتخابات عادل مؤسس على تعددية فكرية وسياسية حقيقية.

لكن هذا التداول السلمي، وتلك التعددية الفكرية والسياسية الحقيقية، رغم سهولة تنزيلهما على أرض الواقع، وتحويلهما إلى واقع معيش، يبقى، مع الأسف الشديد، لدى الكثير من أحزاب الشعوب المتخلفة، مجرد شعارات جوفاء ووعود بلهاء، وعهود بلا وفاء، يصدرها قادة يكرهون كل من يخالف التوجهات التي يرسمونها لقطعانهم التي تدين لهم بالولاء الأعمى، ويعادون من ينأى بنفسه عن السير ضمنها، وينعتونه بالأوصاف القدحية المبخسة لتمرده على أبويتهم البطرياركية الشمولية، المهددة للتطور الطبيعي للحياة السياسية، والمصادرة لانسيابيتها الفكرية والثقافية والحزبية والنخبوية، بما تخلقه من سلوكيات لاديمقراطية، تجعل الأحزاب المتبنية لهذا النهج، تعيش ظواهر الإقطاع الحزبي المطلق، وواقع الهيمنة المزمنة لثقافات مصالح التحالفات البرجوازية/الإقطاعية المتخلفة، المبنية على الامتيازات اللا محدودة، التي تخدم مصالح قيادات تلك الأحزاب وذويهم دون غيرهم، على حساب غالبية المناضلين الحزبيين، الذين غالبا ما تطلق "تهمة التطفل" على كل من يتجرأ منهم على معارضة السائد والمعتاد، فكرا كان أو سياسة أو دينا أو ثقافة، ويعتبرون كل من يفعل ذلك، وبدون تمييز، أنه دخيل ومتطفل، وخاصة إذا ما مست المصالح السياسية والحزبية ، والتي سرعان ما يتصدى رجالاتها من للقادة والزعماء القدامى، سواء كانوا من الرواد والمشاهير، أو أشباه ذلك، أو الذين كانوا مجرد أسماء بالكاد معروفة أو مغمورة، والذين يجمعون على رفض، فتح سلاليم الترقي في مدارج العمل الحزبي، لأحد آخر غيرهم وأهليهم وزبانيتهم، مع العلم أن العمل السياسي والحزبي الجدير بالاحترام، هو عمل تطوعي، وأن أبوابه مفتوحة دائما في وجه الجميع، ولا يتطلب واسطة أو تزكية أو نسب متميز، وأن تأشيرة المرور إلى مناصبه، لا تتطلب غير الكفاءة، والخبرة، ومعرفة قواعد اللعبة، وأخلاقها، ومستوى الاجتهاد الذي يبذله الداخل إلي عوالمه فقط.

ولاشك أن هناك من يزعجهم تلاشي الاحتكار في كل مجالات الإبداع، وتقلقهم حركات التغيير فى كل مجالات التدخل  الإنساني ومساهماتاه التصحيحية على اختلافها، خاصة في ميدان التحزب، ليس لأن القادة، يميلون الى السكينه والسكون، ولكن لتشبع جلهم بالسلوك الاجتماعى الخطير، الذي يترجمه فحوى المثل المغربي الدارح "خوك فالحرفة عدوك"، والذي يجعلهم يرفضون اقتحام كل جديد لحرفتهم، ويعتبرونه منافس لهم على مكتسباتهم، والإطلاع على تلك الأوضاع التي يحبذون بقاءها في أيديهم وحدهم، ولا يقبلون من أي كان، مزاحمتهم فيها وعليها.

صحيح أن الميدان الحزبي كما السياسي، يعج بالدخلاء والسماسرة والمرتزقة، الذين –وبدون دريعة منطقية، أو سبب معقول- يرفضون مشارك كل فرد جديد على الميدان الحزبي، ويطلقون صفة "التطفل" على كل من يقتحم عليهم عالم السياسة الحزبية لأول مرة، ويحكمون عليه بأن يبقى مجرد "كمبارس" بلغة السينما، أي إنسانا آليا مغمورا يسير طيلة حياته، وراء أوامر القادة القدماء ويسبح بحمدهم، مهما ناضل، فلن يزيد عن اسم ورقم في سجلات الحزب، أما مراكز القيادة والقرار به، فدونه خرط القتاد(1) حتى لو كان موهوبا، لأنه يفتقر للواسطة والتزكية العائلية والقبلية، وكأن المساحة لا تتسع إلا للقدماء المحتكرين الذين لا يرحمون، ولا يتركون رحمة الله تنزل، ويتعمدون تجاهل قتالية ونضاليات الحزبيين الجدد، ورغبتهم الصادقة في المساهمة في الرقي بالمشهد السياسي، ولو اعترف لهم السياسيون والوطنيون وأصحاب الاختصاص، بقدراتهم الخارقة، ومواهبهم المتميزة جدا، والتي يعمل المحتكرون الذين لا يؤمنون بالديمقراطية في العمل السياسي والحزبي، لأنها وبال على مصالهم، ويعملون على طمسها، لأنها لا تقدم لهم شيئا آخر عدا صادق النضال، وخالص المبادئ وأحقها، بدل الولاء التام والتبعية الكاملة غير المشروطة، التي يظهرها المنافقون والانتهازيون، الذين تخلوا عن كرامتهم، وعن مبادء وأخلاق العمل الحزبي المعترف به كونيا وإنسانيا، لإرضاء رغبات آل البيت الفاسي من قيادة الحزب القدامى، وتفاديا لما يواجه به زملاؤهم الجدد، الذين لا يجيدون فنون التملق، والتقرب من القدماء أصحاب القرار، من إقصاء وتهميش ممنهجين.

وهذا لا يعني أن الميدان الحزبي، يخلو بالكامل من النبلاء،  الذين لا تعلم يسارهم ما قدمت يمناهم من دعم، يخلق الدينامية المطلوبة، ويحقق التجدد المستمر في النخبة, ويشجع الطاقات الحزبية الجديدة، والقواعد الشابة النشيطة الواعدة.

فكم يفرح المرء ويطرب، عندما يعرف أن هناك فئة عريضة من السياسيين، يتبنون الطاقات الشبابة في كل الحزب، ويتفانون في توجيها وتنظيم جهودها وفق معايير سلمية، تقرب من فكرة المجتمع المدني، المستثمر لحرّية الفكر والتعبير والممارسة الديمقراطية والتفاعل الحضاري داخل المؤسسة الحزبية، بشكل إيجابي لصالح فاعلية وكفاءة أطر الحزب ومريديه، والتي تمكن المتحزبين الجدد من الاستفادة من قيم العدالة الاجتماعية والمساواة التي لا تعترف باحتكار السلط الحزبية ومكتسباتها، وتقر بدمقرطة العمل السياسي والحزبي؛ هذه الدمقرطة التي نشأت في إطارها "الظاهرة الشباطية" وترعرعت واشتد في ظلها عود صاحبها "حميد شباط" الذي دخل معترك الحياة الحزبية والنقابية والبرلمانية...، وخاض غمار التدافع السياسي، والتدبير المحلي منذ ربيع عمره? وتدرج في مسالك الشأن الحزبي والنقابي، ومحطاتهما الانتخابية المتنوعة والمتشعبة، فسطع نجمه خلال الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العام للشغالين، ليتسلق بعد ذلك هياكل النقابة، وتمكن، وفي ظرف وجيز،  من ازاحة عبد الرزاق أفيلال من أعلى هرمية مناصبها،  ليتوج نفسه على كرسيها مكانه كاتبا عاما لأكبر وأقدم نقابة بالمغرب? ولصبح في نفس السنة، عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب في مؤتمر الـ 15 للحزب الذي عقد في يناير 2009 ? ويضع بين نصبي عينيه -مباشرة بعد الولاية الأولى له في اللجنة التنفيذية للحزب -منصب الأمانة العامة، يدفعه إلى كل ذلك، ما أُوتي من مميزات خارقة في الذكاء والحنكة والجرأة، وما توفرت له من ملكات الخبرة والفراسة والاستقراء، وأساليب ومهارات القراءة التحليلية للإحداث، القدرة على خلقها والثورة عليها بطرق مستطرف ومتفردة، التي مكنته من أن يصبح رجلا من رجالات السياسة، وأهل خبرتها المتميزين، يعادل، بل ويبز الكثير من قادة حزبه الأفذاذ الذين كانوا، بالأمس القريب، يعملون على إقصاءه، وتهميشه وكما الكثير من الحزبيين المتميزين الجدد على الميدان الحزبي..

فليس غريبا، أن يوضع حميد شباط في خانة القادة الاستقلاليين، الأكثر إثارة للجدل، بل الأكثرهم حضورا وذكرا على كل الألسن، وفي جل وسائل الإعلام، التي اكتسحها  جميعها، المسموعة والمرئية والمكتوبة والإلكترونية، الوطني منها والدولية، لأن مثل هذا الرجل وكل من كان على شاكلته ومثاله، ليسوا أناس عاديون كباقي البشر، فهم مميزون مختلفون، دخلوا في خلد ووجدان الكثير من الأفراد والجماعات، بما غيروا في مسارات جماعاتهم وشعوبهم، إلى حد أنهم يصبحون فرسانها المشهورين.

ليس هذا الكلام تملقا مني لهذه الشخصية التي خبرت كرزماتيتها عن قرب، وأكثر من أي كان، وليس حديث إطراء، يقوله هو عن نفسه, أو يروج عنه أهله وأقرباؤه وأنصاره ومحبوه, كما أنه ليس مدحا تردده جوقة المنافقين المتزلفين والانتهازيين المحيطين به, بل هي الحقيقة التي -لم يستسغها حساده المتربصون بسنة التغيير والتناوب التي أقرها الخالق سبحانه وتعالى لخلقه مصداقا لقوله عز وجل في سورة آل عمران الآية 140 "وتلك الأيام نداولها بين الناس"- يذكرها عنه الناس العاديون والمثقفون, وما هو ثابت في مخيلتهم وذاكرتهم من قصص وحكاياته وأقواله وأفعاله وسلوكياته وسننه التي اهتدى بها لأختراق الصعاب وللتقدم والتطور والرقي والصعود إلى العلا وصناعة المجد، في دواليب حزب مغلق في وجه سائر الحزبيين الجدد، بأعرافه التي، لعمري لا توجد- عالميا- إلا في حزب الاستقلال.

وكأني أسمع لسان حال شباظ، وهو يردد مع "أبي فراس الحمداني" قوله:

ونحن أناس لا توسط بيننا***لنا الصدر دون العالمين أو القبر.

تَهونُ علينا في المعالي نفوسُنا    ومن يَخْطُب الحسناءَ لم يُغْلِها المهر.
أَعَزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العلا   وأكرمُ مَن فوقَ التراب ولا فخر.

 

…………..

1: مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما . والقتاد شجر شائك صلب شوكه  كالابر، والخرط نزع شوك الشجر جذبا بالكف كما تنزع حبات البلح دفعة واحدة .والخروط: الدابة الجموح يجتذب رسنه من يد ممسكه ثم يمضي عائرا خارطا ، وقد خرطه فانخرط، والاسم الخراط .. وناقة خراطة وخراتة : تخترط فتذهب على وجهها . وخرط جاريته خرطا إذا نكحها .  وقد أنشد الشاعر فقال : إن دون الذي هممت به مثل خرط القتاد في الظلمه

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2236 السبت 06 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم