أقلام حرة

أيتها السلطة الفلسطينية .. أعيدي لنا فلسطيننا / سعيد الشيخ

لعله يهتدي الى أواصر العلاقة التي تربطه بالمؤسسات الفلسطينية التي تولّدت في رام الله كنتاج لاتفاق اوسلو او تلك التي قامت في غزة كنتاج لما بدا وكأنه انقلاب على الاتفاق. اذ غدا الامر الواقع قيام سلطتان بحكومتين مختلفتين يستأنس فيهما الوزراء والوكلاء الذين أوعزوا لإضفاء تسميات الفخامة والسلطة الى اسمائهم. وكان لا بد من خلق الحواشي البوليسية المشوّهة ثقافة واخلاقا كي يكتمل مشهد القبح الطاغي.. ومنذ ان أفلتت هذه الثقافة الجديدة أزاميلها لحفر التشويهات في صورة الفدائي وصولا الى هدمها لبناء هيكل الشرطي حامل الهراوة في وجه أبناء شعبه وناطور الثغور أو الحدود لا فرق.

ما بنته منظمة التحرير الفلسطينية من صروح معنوية ووجودية وهوية للفلسطيني اينما حل وكان عبر سنوات منذ تأسيسها في منتصف الستينات من القرن الماضي، هدمته السلطة الوطنية برمشة عين، في لحظة زمنية أرسلت الاحلام والاماني الفلسطينية الى الرماد ..

ولم يقم الفينيق من الرماد متسربلا بالحياة كما تعد الاسطورة، ان الذي قام لا شأن له بفلسطين التاريخية. بل فتات جغرافي مدهّن بزبدة امريكية، وهذا هو ما يتقاتل عليه سادة الانقسام .. فُحول الاقتسام.

يتقاتلون من اجل البقاء في اقفاصهم والاحتفاظ بها لما توفر لهم من امتيازات ووجاهة شخصية تفتقد للرجاحة والروح.

ويدحرجون الحجارة على رؤوس بعضهم لانتصار الفضيحة والخزي، حيث يصير التيه أوسع من صحراء، بل أوسع من كوكب..

والمقاومة ان تطلق النار على نفسك أولا، وانت جريحا كسيحا وجائعا لا تعود تتبين العدو من الصديق. وأقصى الانحطاط هو ان تردد مصطلحات المعاني الواردة في قاموس الامن كما هي في لغة عدوّك!.

ينشدون الحياة من موت الوطن, لتعيش الدولة... تعيش السلطة من فتات المحتل .. كيف للشريف ان يتهجى هذا العار؟ ، أم ان العار صار كحليب خاليَ الدسم. حيث صاروا  ينزعون من العار طعم الذل والمهانة..

لا يوجد ذل على وجه الارض أشد مرارة من ان تعتاش مما يتصدق به عليك عدوّك. وهذا ليس لان الانسانية قد جرت في عروق مغتصبك، بل أنت القتيل لتمنحة الامن والسلام بعد إقتراف جريمته.

تقوم السلطة، ولا ينهض الفلسطيني..

الفلسطيني الذي كان يحلم بتحرير فلسطين المغتصبة، لم تحرره السلطة من بؤسه وشقائه، ظل في المخيم يصارع الريح التي تعصف بخيمته، وقد أضاع الجهة التي كان يشرد ناحيتها ببصره كل آخر نهار ويطلق تنهيدة وهو يقول: من هناك نعود!

حق العودة بات مؤجلا ربما الى ما لا نهاية اجيال فلسطينية, لا تستطيع السلطة الهزيلة ان تطالب به، ولا حتى طرحه على طاولة المفاوضات. اذ عليها اولا ان تطالب بتأمين معيشة وراتب آخر الشهر لجيوش الموظفين والاجيرين المتكدسين في مؤسسات لا تنتج ولا تعمل.

موظفون يداومون او لا يداومون للهباء.

المعادلة بسيطة ولكنها صادمة: الفلسطيني عندما كان يحيا ويحلم في زمن منظمة التحرير، كان انتماءه للوطن عبارة عن تضحية وفداء، اما في زمن السلطة الساعية الى الدولة، أي دولة. فأن انتماء الفلسطيني للسلطة هو انتماء وظيفي مفرّغ من احاسيس وطنية.

بلاد غريبة، بلادنا.

لا أحد يعلم كيف تسللت الى فلسطين، مع ان الكل يعلم أي سياسة متخاذلة جلبتها  لتحل في اجسادنا، كي يدوم الجحيم.

اليقين اليقين ان السلطة الفلسطينية التي غادرت منظمة التحرير لم تذهب الى الجنة بالرغم من الصناديق المكتنزة بمختلف انواع العملات الصعبة والتي يزعمون فراغها احيانا للمطالبة بالمزيد، والمانح الدولي المتعاطف مع الاحتلال باسم الديمقراطية يطالب بالمقابل بمزيد من التنازل حتى عن هواء البلاد.

السلطة القائمة بشروط الاحتلال، ورئيسها الذي لا يملك حرية التنقل بين مدنها وقراها، ولا يستطيع ان يقطف تفاحة عن شجرة في صفد. هي سلطة ترخي القهر مزدوجا على كاهل المواطن. وتتخلى عن مواطنين مفترضين هم أصلا أصحاب البلاد. والسلطة التي ترخي لحيتها في تمظهر ساذج، وتقضي طوال النهار في تشذيبها هي سلطة باطلة تربي البطالة في مكاتبها المعدّة للعبادة حيث الدعاء بالانتفاع والنجاة من ساعة القيامة. فيما الوطن بكل مكوّناته الحيّة حتى الجماد ينوح ويتلوّع وأوصاله تبتلع وتتآكل في عمليات الاستيطان الصهيونية.

لم تكن السلطة هي الاجابة عن السؤال الفلسطيني، ولن تكون الدولة. ما لم يكن أساسها وطن الآباء والاجداد.

ببساطة ان السلطة الفلسطينية المشوّهة بحملها لرأسين، لا تشبه "فلسطين التاريخية" ولا يمكن مقاربتها الى حلم "فلسطيننا".

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2239الثلاثاء 09 / 10 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم