أقلام حرة

مدد يا مرسي مدد / مرفت فوزي

وما الحربين الكونيتين الأولى والثانية إلا مثالا لذلك

 فرغم وصف الأوروبيين لشعوب أسيا وإفريقيا بالمتوحشين والمتخلفين والهمج إلا إن التاريخ يسجل أن أبشع المجازر والجرائم في حق البشرية ارتكبتها تلك الدول التي تطلق على نفسها لقب الحضارة والتحضر، إنها شعوب تبحث دائما لنفسها عن عدو

 وإذ تركنا التاريخ القديم جانبا واستعرضنا تاريخهم الحديث نجد  بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية بين الدول (المتحضرة) الذي راح ضحيتها ملايين البشر  بما يفوق كل ضحايا الحروب من يوم خلق الإنسان وجدنا الدول المتحضرة قد انقسمت فريقين كل فريق يناصب الأخر العداء

 وبدخول المارد الأمريكي حلبة الصراع اخذ يقوم بما كانت تقوم به الدول الأوروبية مثبتا بالدليل القاطع إن الأمريكيين ما هم إلا نسخه محسنة من الأوربي المقاتل (الفايكنج) وان الجينات العدوانية هي نفسها انتقلت من السلف إلى الخلف

 حمل الأمريكي راية الحرب وأضحى العالم على شفى حفرة من النار وكاد  يهوي بها أثناء أزمة  نصب الصواريخ السوفيتية في الأراضي الكوبية في حقبة الستينات  وحملت المواجهات حينها بين القطبين العالميين لقب الحرب الباردة

 وبانقضاء حقبة ريجان – جورباتشوف انتهت الحرب الباردة بتشظي الاتحاد السوفيتي (لمليون حتة) واستفرد اليانكى الأمريكي بالساحة الدولية واخذ يبحث لنفسه عن عدو وللتنامي المضطرد في شعور العظمة لدية قرر أن يبحث عن عدو في مستواه ولم يجد أمامه إلا الإسلام كعقيدة فقرر أن يكون عدوا له وقد كان للنفوذ اليهودي الصهيوني ابلغ الأثر في الاختيار الأمريكي العداء للإسلام

 كما أن الموروث الديني المسيحي لعموم الأمريكيين استساغ تبريرات وحجج السياسيين الأمريكيين وتقبلها ولم تأتي من فراغ عبارة(ها قد عادت الحروب الصليبية ) التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن عندما أعلن الحرب على أفغانستان والقاعدة وطالبان ظاهريا وهدفه الرئيسي الإسلام فلم يكن كل ذلك سوى استحضار لموروث ديني عدائي تجاه الإسلام تشبع به هو وأمثاله

 وكون الأمريكي هو الذي اختار عدوه هذه المرة فقد اختار أيضا الطريقة التي سيناصبه فيها العداء وتمثلت بان يجعل الدول العربية التي هي بمثابة العمود الفقري للدول الإسلامية دول خاضعة لنفوذه وهيمنته وسوقا مفتوحة لتصريف منتجاته وخاصة الأسلحة حيث تعتبر الدول العربية اكبر سوق مستورد للأسلحة الأمريكية التي تستعملها الأنظمة لقمع مواطنيها أو للتفاخر بعرضها في الاحتفالات الوطنية لهذه الدولة أو تلك

 أيقن حكام دول العرب أن بقائهم على عروشهم مرهون برضا الأمريكان لذا فقد تبارى كل منهم في تقديم فروض الولاء والطاعة  وأصبح من تعاديه أمريكا بالتالي عدوا لهم فعندما أعلنت أمريكا حربها على طالبان والقاعدة ودمرت أفغانستان كان الحكام العرب في صفها وعندما حاول العراق الخروج عن الوصاية الأمريكية أصبح عدو وبالتالي  تخلى حكام العرب عن العراق وقدموا التسهيلات اللازمة لضربة حتى العدو التاريخي للعرب والمتمثل بدولة الصهاينة عملت أمريكا على حرف العداء العربي عنها وتوجيهية نحو عدوا أخر وجدته في إيران عقابا لها لأنها خرجت عن سيطرت وهيمنة أمريكا

  تبارت الآلة الإعلامية العربية الرسمية في تضخيم مساوئ إيران وبتصويرها كعدو سينقض على الشعوب العربية وان البرنامج النووي الإيراني سيكون ضد العرب وكان العرب أكثر الناعقين ضد السلاح النووي الإيراني الذي لم ينتج بعد وتجاهلوا السلاح النووي الإسرائيلي الموجود فعلا وبكثرة

 اخذ الإعلام يلعب على وتر الطائفية وانقسمت الأمة الإسلامية بين سنة وشيعة  ووصل الأمر بهذا النوع من الإعلام أن ألغى صفة الإسلام عن إيران وأصبح يصفها بدولة المجوس

 أليست هذه إيران نفسها التي كان حكام العرب يطلبون ودها ورضاها أيام شاه إيران السابق؟

 بل إن اكبر دولة عربية نقصد بذلك مصر أعلنت الأفراح والليالي الملاح وعلقت الزينات في ربوع مصر المحروسة احتفاء بزواج ولي عهد إيران يومها من كريمة ملك مصر وكان ذلك النسب من دواعي فخرهم وسرورهم وتبارى كل حكام العرب بإرسال الهدايا والتهاني كل ذلك كان عندما كانت إيران في فلك الغرب فهل لو عادت إيران إلى الحظيرة الأمريكية ستبقى مواقف حكام العرب على ما هي علية اليوم تجاهها؟

لقد كان إعلان الرئاسة المصرية موافقتها على حضور اجتماعات دول عدم الانحياز في إيران نقلة تحول نوعية وجذرية في مسار العلاقات المصرية الإيرانية  وخطوة تحسب للرئيس المصري على طريق الانعتاق من الهيمنة الأمريكية وتفاءل الكثيرون فهاهو رئيس اكبر دولة عربية ومنتخب من قبل الشعب اثر ثورة عظيمة سيكسر الطوق ويخرج مصر والأمة بالتالي من تحت الهيمنة الأمريكية وسيحدد من عدونا ومن صديقنا وحليفنا وفقا لمصالحنا وواقع الحال وليس إرضاء لدولة مهما كانت لكن التردد والوهن وقلة الخبرة الدبلوماسية جعلته كمن يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين

 نأمل وبسرعة أن يرسخ لديك يا سيادة الرئيس  يقين انك رئيس لمصر  الدولة المحورية الهامة في منطقة الشرق الأوسط والعالم ولم تعد ذلك المرشح الاحتياطي لجماعة  الإخوان المسلمين

 لقد كان مستوى أداء الرئيس في قمة عدم الانحياز غير موفق فما زال تأثير خطابات الجمعة التي تعود أن يلقيها وثورجية أيام ميدان التحرير مسيطر علية من جهة ومراوغة ومداهنة جماعة الإخوان من الجهة الأخرى

 فالاجتماع لم يكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أو لدعم الثورات وحركات التحرر في العالم على غرار ما كان سائدا في ستينات وسبعينات القرن الماضي حتى شخصية الثائر التي أراد تجسيدها لم تكن (محبوكة) فالمبادئ لا تتجزأ يا باشا فكما أيدت ودعمت يا سيادة الرئيس ثورة الشعب في سوريا كان يجب أن تأيد باقي ثورات الشعوب العربية وبالذات المنسية من قبل الإعلام و(الناس المهمة) ونخص بالذكر تلك الثورة التي مازالت تقمع بشدة في البحرين، أما غير ذلك فسيظهرك وكأنك تبث الفرقة الطائفية وتدعمها فتجاهلك لثورة البحرين فيه مجاملة للأقلية السنية الحاكمة في البحرين ضد الأكثرية  الشيعية فيها ودعمك لثورة سوريا تضامن مع الأكثرية السنية فيها ضد الأقلية (ألنصيريه العلوية الشيعية) الحاكمة

هذا من الجانب الطائفي أما من الجانب السياسي فقد بدوت وكأنك تطلب ود ورضا السعودية وقطر وبقية دول النفط ومن ورائهم كلهم رضا لاعب الماريونت المحرك الرئيسي للأمور في المنطقة نقصد العم سام وذلك بعدائك لمن يعادونه وسكوتك عمن يرضون عنة

 لقد قام الشعب بثورته العظيمة حتى لأتكون مصر بعد الثورة مثلها قبل الثورة وليس المطلوب من مصر أن تعادي أمريكا أو غيرها لكن يجب أن نحدد من يعادينا ويسعى للإضرار بنا ونعامله على هذا الأساس ونرى من يمد يده لنا بالخير والسلام ونعامله على أساس ذلك فلا مجاملة لأحد على حساب مصر


 ومدد    يا مرسي    مدد             ويجعله عامر

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2244 الأحد 14 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم